سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الدولة الليبية من المنظور الإفريقي ـ2ـ

د. علي أبو الخير _

الكتابة عن ليبيا من منظور إفريقي، يعني أن ليبيا الغنية بالنفط ساعدت كثيراً دول القارة الإفريقية، وذلك في عهد معمر القذافي، وكان من ضمن أسباب قيام حلف شمال الأطلنطي المساهمة الفعلية في حصار وقتل القذافي هو إعلانه عن اعتماد دينار إفريقي في مواجهة الدولار الأمريكي.
ومن العجيب أن الجامعة العربية وأمانتها العامة، بادرت بالتقدم إلى مجلس الأمن الدولي بضرورة الإسراع إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا، وحدث جدل حول موقف الجامعة العربية من تدخّل المجتمع الدولي في ليبيا، وخاصةً التدخّل العسكري الذي قام به حلف الناتو، والذي كان له دور في تمزيق ليبيا، وبشكلٍ عام، فشلت جامعة الدول العربية في وضع القضية الليبية في المكانة التي تستحقها كقضية تُهدد أمن الإقليم وتُشكل خطراً على العالم العربي ككل، وتهدد سلامة آلاف المواطنين داخل ليبيا وفي الدول التي تجاورها.
الاتحاد الإفريقي
كان حجم الاهتمام الموجّه لليبيا وما يحدث فيها من توتر كاشفاً عن أهميتها للاتحاد، وفاضحاً لأولويات أجندة الاتحاد غير الموضوعية في التعامل مع أحداث القارة، فقد أصدر الاتحاد الإفريقي بياناً بشأن ليبيا أدانَ فيه أعمال العنف في البلاد بعد أسبوع من اندلاع الثورة، وبعد ما يقرب من شهر من بدء أحداث 12 آذار 2011 اتخذ مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد موقفاً برفض التدخّل العسكري الدولي في ليبيا، وأعلن عن تشكيل لجنة من خمسة رؤساء أفارقة للتشاور مع جميع الأطراف في ليبيا بشأن الأزمة، وعقد الاتحاد قمة طارئة في أديس أبابا في 25 آذار 2011 نتج عنها خارطة طريق لحل الأزمة سياسياً، ثم جاءت القمة السابعة عشر في غينيا الاستوائية في يوليو 2011 لتبحث سبل الوصول لحل للأزمة في ليبيا، وفي النهاية تخلى الاتحاد الإفريقي عن ليبيا وترك المجال للقوى الدولية ودول الجوار.
التحركات على المستوى الدولي
كان المجتمع الدولي خاصة أمريكا وفرنسا حريصاً على التواجد في الأزمة الليبية منذ أيامها الأولى وإلى الآن، وبالرغم من الأشكال المختلفة التي اتخذها هذا التواجد سواء على مستوى الفاعلين، دول أو منظمات أو على مستوى ماهية التدخّل، عسكري أو سياسي، كان ومازال هذا التواجد مدفوع دائماً بمجموعة من المصالح السياسية، والاقتصادية، والأمنية التي طالما تحكّمت في شكل التحرك الدولي فيما يخص ليبيا.
وتظل مصالح المجتمع الدولي في ليبيا ثابتة، وإن تغيرت بعض الشيء مع تغيّر مفهوم الإرهاب خاصةً على المستوى اللوجستي، ولكن يظل تدفق النفط الليبي، والعمل على الحد من الهجرة غير الشرعية، ومحاربة الإرهاب، وبناء نظام سياسي في ليبيا يضمن للغرب مصالحه هي النقاط الأساسية التي تُمثّل مصالح المجتمع الدولي في ليبيا، والتي يسعى المجتمع الدولي لتأمينها على مستوى الدول أو المنظمات.
التحرّك المصري
تُعتبر الدولة الليبية عمقاً استراتيجياً لمصر، وتوجد خدود مشتركة أكثر من ألف كيلو متراً، ولذلك كان وظلت مصر حريصة على وحدة الأرض الليبية، ومنع تسلل الإرهابيين والسلاح عبر حدود مصر الغربية، وقد قامت مصر بمحاربة الإرهابيين في الغرب، وصادرت كميات ضخمة من الأسلحة المنهوبة من مخازن السلاح الليبي.
منذ إنهاء نظام القذافي، بدأت الأزمة السياسية في ليبيا تزداد تعقيداً على الصعيدين المحلي والإقليمي، فلم تتمكن السلطات التي تعاقبت على حكم ليبيا منذ انهيار نظام القذافي من وضع ليبيا على طريق الاستقرار السياسي، بل ظلت هناك مجموعة من المشكلات الجوهرية التي راحت تزداد تعقيداً مع مرور الوقت، حتى بدأت عواقبها في تشكيل تهديدات إقليمية لدول جوار ليبيا.
وبالرغم من استمرار الوضع الداخلي في ليبيا على ما هو عليه، بل وازدياده سوءاً على الأصعدة المختلفة يوماً بعد يوم
فمن ناحية هناك مشكلة أمن الحدود، والتي تشكل ضلعاً أساسياً في التهديدات الأمنية لدول الجوار، سواء تعلّق الأمر بتهريب السلاح أو تسهيل دخول المخدرات أو المساعدة في الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر. ومن ناحية أخرى هناك تخوّف من تحول ليبيا إلى بؤرة داعمة ومساندة للتهديدات الأمنية التي تواجه دول الجوار، كالتنظيمات الإرهابية الجديدة في دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار بيت المقدس في مصر، والتخوّف العام من الربط الإقليمي بين هذه التنظيمات وبين “داعش” في كل من سوريا والعراق، هذا بالطبع إضافة للمتمردين من الطوارق في كل من مالي والنيجر.
الدور التخريبي التركي في ليبيا
 جلب رجب طيب أردوغان المرتزقة الأتراك والسوريين للمحاربة مع الأجانب في طرابلس، وهو يعني الدخول في حرب أهلية ليبية، ولم يمنعها سوى الدور المصري، الذي أعلنه الرئيس عد الفتاح السيسي عن أي (سرت) خطا أحمر ومن يتخطاه نقوم بضربه عسكرياً، وهو الذي أوقف الأتراك، ومنع الحرب الأهليّة.
على أيّة حال سلّط تقرير نشره قسم “ذا ناشيونال هيرالد” اليونانية الناطقة بالإنجليزية، نقلاً عن محمد فتحي الشريف رئيس المركز العربي للبحوث والدراسات الذي يتخذ من مصر مقرًا له تأكيده سعي تركيا لإحياء أيام الإمبراطورية العثمانية في ليبيا، وعلى ما وصف بـ” الدور التخريبي “الذي تمارسه تركيا ونزعتها الاستعمارية الجديدة في العديد من الدول في المنطقة وعلى رأسها ليبيا.
واتهم التقرير حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة أردوغان، بالتعاون مع الجهات الإرهابية على شاكلة جماعة الإخوان في ليبيا لتوظيفها بصفة سلاح لها وتحقيق واقع سياسي جديد لخدمة أحلام أردوغان والمشروع التركي المتمثل بإحياء الإمبراطورية العثمانية، والرئيس التركي شرّع في تنفيذ هذا المشروع منذ عام 2012 مع تبرير تدخلات بلاده السلبية في شؤون ليبيا بكون الأخيرة إرثًا عثمانيًا قديمًا، ما جعله يركز على تمكين جماعة الإخوان سياسيًا في البلاد والعمل على تفكيك الجيش فيها.
تركيا تستغل فرص تحقق الفراغ بجميع أشكاله في الدول، ومن بينها ليبيا، لتنفيذ هذا المشروع الذي يمثل عودة الاستعمار المتخلف للمنطقة مرة أخرى بقيادة الأتراك في ثوب جديد، وبذات الأسلوب المتمثل في الدونية والكراهية القديمة، والأتراك يحاولون إعادة تسويق أنفسهم مرةً أخرى وبشكلٍ مغاير عن السابق لاحتلال المنطقة التي يعتقدون أنها مجالهم الوطني عبر احتلال الشعوب ونهب ثرواتها، وهو ما يحتم على الأخيرة المظلومة أن تتحد لمواجهتها.
إلى ذلك قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي “لو رابتاكيس”: “كانت تركيا قوة مزعزعة للاستقرار بشرق البحر الأبيض المتوسط وتسعى لترهيب جيرانها وفرض الفوضى بالمنطقة، فقد انتهك نظام أردوغان حظر الأسلحة الأممي في ليبيا ونشر قواته والميليشيات السورية بالمنطقة وقوض المصالح الأمنية الأمريكية”.، ولكن الملاحظ هو سقوط المشروع التركي في سوريا وليبيا.
انتخابات مستحيلة
المعضلة الكبيرة في ليبيا تبقى ذاتها، وهي عدم وجود قاعدة دستورية لإنجاز الانتخابات في ظل وجود تشكيلات مسلحة تسيطر على السياسيين، وهو ما كان عائقاً أمام إنجاز الانتخابات في موعدها المحدد، وهذه المرحلة سيطرت عليها أيضاً المصالح السياسية التي أعاقت إنجاز قاعدة دستورية للبلاد، إذ إن السياسيين الموجودين في صدارة المشهد الآن، يخشون أن تنتج الانتخابات عملية سياسية تُقصيهم.
ومع كل ما تمر به ليبيا من صراع سياسي أن الأمل مازال قائما لبناء دولة ليبية، معوّلاً على الأجيال القادمة لبناء الدولة، وإن الحل الوحيد في ليبيا، هو حوار وطني شفاف، بعيد عن المحاصصة ولا يخضع لضغط الجماعات المسلحة.