ربما لم يعد بعيدًا ذاك اليوم الذي نرى فيه أردوغان وأوهامه يتحطمون أمام مقاومات شعوب المنطقة بدءًا من الشمال السوري والشمال العراقي والشمال الليبي، ربما سنكون مع ملاحم الشمال يومًا سيتم كتابتها على أن الشمال ليس دائمًا بلاد الأغنياء بل ربما تتحول تلك المناطق بعض الأحيان إلى جحيم على رؤوس من يحاولون احتلال مناطق ليس إلا لإشباع جشعهم وغرائزهم في القتل والاغتصاب والفساد والسرقة والتهجير. ربما يكون لهم يومًا يفعلون فيه ما يريدون ويستبيحون فيه أعراض المجتمعات وكرامة الشعوب، ولكن التاريخ لا يجري دائمًا وفق أهواء الاستبداديين، لأنه له مسيرته الخاصة في صناعة الحياة وإعطاءها المعنى الذي لن يكون إلا بأن يكون الإنسان هو غاية الحياة.
كثرٌ هم المستبدين عبر التاريخ ظهروا واستبدوا وطغوا في الأرض وأرادوا أن يستعبدون البشر ووصلوا في غيّهم مرحلة أن أعلنوا أنفسهم آلهة كما فرعون ونمرود وباقي الطغاة المعاصرين الذين قتلوا شعبهم باسم الله وبآيات من القرآن، لكنهم لا هم بقوا ولا سلطانهم دام لهم ولم تحل عليهم إلا اللعنة من شعوبهم التي حكموها.
يحاول أردوغان منذ عقد من الزمن في أن يحتل الشمال السوري وخاصة المناطق الكردية وكذلك باقي المناطق، وراح من أجل ذلك يدعم المرتزقة والإرهابيين من داعش والنصرة والقاعدة وباقي الفصائل بمختلف مسمياتها، إلا أنَّ جميعها سقطت أمام مقاومة قوات سوريا الديمقراطية وخاصة المرأة الكردية المقاتلة التي أثبتت أنها لا تقل شجاعة عن الرجل، وانتشرت مقاومتهم في العالم وباتت ماركة ورمزًا للمقاومة الشعوب والتغني بهم. ولولا التخاذل الروسي والصمت الدولي لما استطاع أردوغان بأن يحتل أية منطقة في سوريا، لكنها لعبة المصالح الدولية التي تكون الشعوب دائمًا هي ضحيتها الأولى.
ونفس الأمر بالنسبة للشمال العراقي الذي يحاول فيه الجيش التركي منذ أكثر من شهر في أن يحتل منطقة حفتانين، برغم استخدامه لكل صنوف الأسلحة الفتاكة، إلا أن كافة محاولاته باءت بالفشل حتى الآن أيضًا نتيجة مقاومة مقاتلي حزب العمال الكردستاني أمام هذا الهجوم الفاشي على جنوب كردستان. إنها الحرب الصامتة التي تجري بين الطرفين وأمام أعين العالم كله ولكن الكل أصابه داء البكم والعمي وراحوا يمثلون دور القرود الثلاثة. المعارك ما زالت مستمرة بكل حِدتها وبنفس الوقت المقاومة أيضًا مستمرة بكل قوتها وأن رحلة الجيش التركي لن تكون سياحية بقدر ما ستنقلب عليهم جحيم لا يطاق.
هو نفس الأمر ما يحدث في الشمال الليبي أيضًا من احتلال للمدن وتهجير أهلها وسرقة بيوتهم من قبل المرتزقة الذين يجمعهم أردوغان من كل مكان ليجعل منهم مزبلة حثالات المجتمع الذين يدَّعون الدين ويكبرون باسم الله.
المشكلة في القطيع المنساق وراء أردوغان هو أنه أصابهم عمى البصر والبصيرة بنفس الوقت ولم يعد لديهم الوقت الكافي كي يشغلوا عقولهم قليلًا ويفكروا بما تصنع أيديهم من مفاسد لا تُعد ولا تحصى. هذا القطيع المنخدع بالمال أو بجماعة الإخوان المسلمين لا يعلمون أنهم ليسوا سوى أدوات وبنادق مأجورة عند شيوخ وسلاطين خليفتهم أردوغان.
وبكل تأكيد أن مقاومة الشعب الليبي والجيش الوطني الليبي كانت وما زالت السد المنيع أمام أردوغان ومرتزقته في احتلال باقي المدن الليبية. وأن هذه المقاومة ستستمر بالرغم من المصالح الإقليمية والدولية التي يتم تسييرها على حساب الشعب الليبي. وبكل تأكيد أن كلمة الفصل النهائية ستكون للمقاومة التي يبديها الليبيون في خنادقهم ضد المرتزقة بكل جنسياتهم وألوانهم الذي جلبهم أردوغان من إفريقيا والدول العربية وحتى الأجنبية، جلبهم أمام أنظار العالم كله وهم صامتون كما كانوا صامتون في معارك الكرد ضد الجيش التركي ومرتزقته.
إنه زمن الصمت الإقليمي والدولي إن كانت مصالحهم تقتضي ذلك ويعلوا صوتهم حينما يريدون. وتبقى مقاومة ومعارك العمال الكردستاني في العراق وقوات سوريا الديمقراطية في شمالي سوريا وكذلك مقاومة الشعب والجيش الوطني الليبي هي الصخرة التي ستتحطم عليها أوهام أردوغان ومشاريعه، مهما صمت العالم إلا أن ضجيج الشعوب سيملئ الدنيا صدىً. وسينقلب السحر على أردوغان كما انقلب على الذين من قبله من الطغاة ويعض أصابعه ويقول يا ليتني كنت تراباً.