سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ومضات من تاريخ الكُرد في دير الزور ـ1ـ

برادوست ميتاني_

بدايةً لو ننطلق من الاسم، دير الزور، الاسم الأصلي هو در – زور وهو اسم مركب من كلمتين:
الأولى (در) “بفتح الدال” وتعني مكان، تحولت حديثاً إلى (دير)، لوجود دير فيها يعود إلى أيام الرومان والثانية (زور) ومعنى كلمة “زور” في اللغة الكردية هو صعب، وبذلك؛ فإن التسمية تعني المكان الصعب أو القاسي وذلك بسبب قساوة المناخ التي جعلت الحياة فيها صعبة، بسبب ظروف المنطقة الطبيعية، أو ربما بسبب تعرضها الدائم للغزوات الخارجية لموقعها الاستراتيجي على الطريق الفاصل بين الجزيرة ومنطقة البادية، وكذلك وقوعها على خط التجارة الواصل بين خلبو أي حلب والشام وميناء صيدا ومدينة “بگداد” أي بغداد وميناء البصرة.
يمكننا القول وبثقة أن اسم المدينة، لا علاقة له باللغة السريانية ولا العربية، وكل ما قيل في هذا المضمار مجرد ادعاءات وهلوسات قومجية.(1)
يذكر أ. عبد القادر العياش في كتابه حضارة وادي الفرات عدداً كثيراً من الأسماء لدير الزور عبر التاريخ وكعادة أولئك الكتّاب يبتعدون عن ذكر أي اسم كردي ومعناه للمدينة، فهو يتطرق بدوره إلى رأي الكاتب السوري أحمد سوسة الذي يقول أن أحد اسمائها القديمة هو شورا أو جديرتة، ويقول أنها كلمة سريانية.
بالطبع دائماً نجد بأن الكتّاب القومويون يتجاهلون الاسم الكردي ومعناه ويفسرونه على أنه سرياني لأنهم يعتبرون اللغة السريانية “سامية” كالعربية ويدعمون بها ثقافتهم، ونحن نعلم بأن في ذلك سعي سياسي، لذلك لم ينجحوا وخاصةً مع العديد من الإخوة السريان، لأنهم يدركون بأنهم عملوا على التأسيس لكيانهم على ماهية الوجود السرياني في المنطقة، كما أنهم لن يتمكنوا من التفريق والتمزيق بين الثقافة السريانية الكردية “الميزوبوتامية” الآرية، ومن الواضح أنه دائماً معظم الأسماء للمنطقة تأتي فيما بينها متقاربة أو من جذر واحد، والفضل في ذلك الإرث الخوري السومري الميزوبوتامي، لذلك أن معنى اسم جديرتا يأتي من اسم مركب جه-در في الكردية والسريانية أي المكان والموقع ومعظم المؤرخين والمفسرين أكدوا بما فيهم القومويون على أن اسم “دير الزور” جاء من معنى المكان وليس من معنى الحظيرة كما يدّعي البعض الآخر منهم.
كما أن اسمها يأتي في المصادر التاريخية بصيغة الاسم المركب إز- درة أيضاً عندما كانت معبداً ميترائياً ومن ثم زردشتياً، حيث شهدت آثار هذه الديانات في دير الزور (2) وهو دين يزداني لأسلاف الكرد والاسم يعني إيز – در أي مكان الإله أو كما يقول أ. الأومري طريق الإله. بعد مجيء المسيحية تحول اسم در إلى دير ومن ثم حديثاً إلى دير الزور.
 البحث المُضني في تاريخ دير الزور
نعم نقول البحث المضني؛ لأننا عندما نبحث عن تاريخ الكرد في مدينة دير الزور كأننا ننبش في كومة قش عن إبرة ضائعة أو نحفر بالأصابع بئراً عميقاً وذلك بسبب الإغفال الكبير، والطمس الفظيع، من قِبل الجاحدين والناكرين للدور الإنساني في بناء الحضارة عامة، ولماهية حقيقة تاريخ الكرد في دير الزور، وما يتعلق بدور الكرد الأصلاء في المنطقة  وأيضاً البحث المُضني بسبب كثرة المراجع المكتوبة المُكدسة فوق بعضها عشوائياً من قِبل الأنظمة المستبدة الحديثة، والانتقائية وخاصةً في سوريا، أو منها ما ظهرت خلال الدولة الإسلامية التي زيفت إلى حدٍ خطير للتاريخ، حيث انتقت معلومات وتجاهلت حقائق ووقائع، وغيرت أسماء وتعابير ومفاهيم جمة وبالأخص تلك  المعنية باسم الكرد، في المدينة ولكن بالرغم من ذلك إذا ما بذلنا جهداً إضافياً فأننا سنصل إلى تلك الحقائق مثلما قمنا به الآن.
شهدت جغرافية منطقة دير الزور تبعية لدول وإمبراطوريات عديدة في سوريا منها الكردية كالخورية (الهورية) والهيتية (الحثية) والميتانية والميدية والساسانية والمرديسية والأيوبية، وحكم العديد من الكرد في ظل الدولة الإسلامية الزنكية، وكذلك من خلال ولاية كردستان العثمانية، ضمن الإمبراطورية العثمانية، واستمر في الحكم الكردي لدير الزور من قبل العشيرة الملية الكردية إبان الاحتلالين العثماني الفرنسي حتى مجيء العشائر العربية بأفواج متتالية من شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر بحثاً عن الماء والكلأ التي طغت لأسباب عديدة على الوجه السكاني للمدينة.
كانت في مدينة دير الزور قبل الإسلام كنيسة سريانية حملت نفس الاسم الميترائي – الزردشي السابق أزدرة وكانت تابعة لقرقيسيا وهي بلدة البصيرة الحالية عند مصب الخابور في الفرات، حيث قبلها كانت معبداً للديانة الآرية المجوسية اسمه “أزدره ” أو “أزدة” حيث كان يزدانياً وأغلبها بقايا الحوريين أي الخوريين والميتانيين حيث أن المدينة الحديثة تأسست على أنقاض مدينة خورية.
لقد أسكن الساسانيون في مدينة درزور “دير الزور” قبائل الديلم الكردية، حيث كانت تابعة للأنبار التي كانت مستودعاً للأسلحة الذي يعني في اللغة البهلوية الكردية نفس المعنى أي “إنبار- إمبار”  لذا بقيت اللغة البهلوية هي لغة المنطقة منذئذ ومروراً بالعهد الروماني والإسلامي، حيث كانت حينها المدينة تحت الحكم الكردي البويهي والأيوبي والصفوي وقبلهم الخوري والميتاني، لذا لم يجد الناس في تحولهم اللغوي صعوبة تُذكر لما رأوه تحولاً بين اللهجات الكردية، حيث نسمع النغم الكردي والمفردات الكردية واضحة في اللهجات الديرية (3) وما زال التداخل الثقافي فيها كبيراً.
جاء في كتاب الجغرافيا العسكري العثماني للضابط العثماني المؤرخ أحمد جمال مايلي: “سنجق الزور الكردستاني وهو في داخل كردستان وعلى حوض الفرات من شمالها ولاية آمد “ديار بكر” وشرقاً الموصل وجنوباً بلاد العرب وسوريا وغرباً ولاية حلب. اسم دير الزور امتزاج من اسم منطقتين الأولى مدنية وهي در والثانية عسكرية وهي زور أي درزور أي مكان الزور أو قاعدة الزور وكانت عبارة عن قرية كردية تحمل اسم درزور الواقعة جنوب المدينة الحالية ومصطلح درزور هو كردي بهلوي يعني مكان القوة أو مكان القساوة، وذلك لما عُرفت به العشائر الكردية وقد اختار الجيش العثماني المكان سنة 1517م ليكون مقر إدارة لواء باسم لواء الزور وتابعاً لولاية بغداد وكان عليه إدارة معظم الحروب مع الصفويين وقد أطلق العثمانيون على القسم المدني اسم دير النصارى وذلك لكثرة المسيحين فيها وهنا أقول أن المفهوم لا يحصر بشعب واحد كونه دين إذ كان يشمل الكرد المسيحيين أيضاً وذلك إبان تبعية المدينة لولاية كردستان والمدينة في إدارتها المحلية كانت تابعة لقلعة الرهبة؛ أي الرحبة التي تضم دير الرهبة وربما تشبهاً بدير الرهبة في آمد بشمال كردستان، ولكنها ليست هي وهو الاسم الذي ذكره ياقوت الحموي سنة 1228م في كتابه معجم البلدان. كانت عاصمة لواء دير الزور مدينة نصيبين الكردستانية التابعة لولاية آمد”.
وذكر خليل ساحل أوغلي في كتابه “تاريخ الأقطار في العهد العثماني” أن حاكم سنجق دير والرحبة عام 1554م كان الأمير عزالدين شير الكردي. تاريخياً كان الكرد موجودين في دير الزور والرحبة في الفترة الزنكية والأيوبية وهذ ما ذكره الإمام الذهبي (4).
بقي أن نذكر هنا عندما هاجمتها القبائل العربية البدوية المنتمية إلى جيش إمارة الدرعية في الدولة السعودية الأولى عام 1807م دمرتها وخربتها بالكامل وهجرت منها أهلها الكرد مستخدمةً معهم الفتك والبطش فهرّبت نسبة كبيرة من الكرد من المدينة.
المراجع:
1-مقالة بعنوان هوية وتاريخ مدينة درزور (دير الزور) على شكل حلقات في صوت كردستان منها مقالة في شهر يوليو 23-2022م للأستاذ بيار روباري.
2- عن كتاب دورا أوروبوس المدينة والفن من تأليف ميخائيل روستوفيتزيف وترجمة ياسر شوحان ص160.
3-مقالة بعنوان الوجود الكردي في مدينة دير الزور الكردية الكردستانية للأستاذ يوسف الأومري –
4-المرجع السابق.