الاستغلال وسيلة ظالمة وقاسية، تُستخدم من قبل جهة مهيمنة، ضد جهة أخرى عاجزة غير واعية، لتحقيق مآربها الخاصة، أو ربما يكون استغلال شخص مستبد، ضد شخصٍ جاهل، لهضم حقه أو تحقيق أرباحٍ غير عادلة على حساب الآخر، والأنظمة الحاكمة والسلطات المستبدة والرأسمالية تلجأ لأسلوب الاستغلال لإحكام قبضتها على شعوبها وتسييرهم بحسب مصالحها.
العقل هو خصوصية كل إنسان، المفكر يتصرف به كما يشاء أو وفق ما يؤمن المجتمع به من قيم، وللإنسان الحق بأن يكون حراً في وطنه ويتمتع بكامل حقوقه في المواطنة الحرة، لكن الساسة الرأسماليين لهم استراتيجياتهم الخاصة لفرض سيطرتهم على الشعوب، وخاصةً الشعوب المتعايشة في الشرق الأوسط، ومن إحداها ما كشف عنه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه (الأسلحة الصامتة لخوض حروب هادئة) وتحدث عن هذه الاستراتيجيات، ويعتبر كوثيقة تم الكشف عنها عام 1986، هذا العنوان يدل على أهداف الرأسمالية التي تهدف للسيطرة على العقول وشل تفكيرهم عبر الاستيلاء على مُقدّرات وخيرات الشعوب، وبالتالي توجيه سلوكهم والتحكم بأفعالهم سنذكر اثنين فقط، من هذه الاستراتيجيات التي وضعتها العقول والمنظرين الرأسماليين:
1-إلهاء الشعوب وإغرائهم بالكثير من وسائل الترفيه، لتحويل أنظار الرأي العام عن الخوض في متابعة القضايا السياسية والاقتصادية تحت بند اجعلوا الجمهور مشغولاً، مشغولاً، مشغولاً، لا يجد وقتاً للتفكير وعليه العودة مع الحيوانات إلى المزرعة، أي إفراغ الفرد من جوهره وشل تفكيره وضمه لفصيلة الحيوانات غير العاقلة ومُفكِرة.
2-التخطيط لاختلاق الأزمات وتقديم الحلول المدروسة، في نفس الوقت، وأخذ ما يُمكن من حقوقهم للسيطرة عليهم ونهب خيرات البلاد كافتعال أزمات اقتصادية ومن ثم تقديم المساعدة و إرضاء الشعب بالقليل القليل، هذه الممارسات تعتبر أسلحة الدول الرأسمالية لكن الدول والأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية القوموية المستبدة، استعانوا بهذا السلاح الخطير “سلاح الجوع” لترسيخ حكمهم و إخضاع الشعوب في دولهم، ومارسوا كل السبل لذلك من فرض الضرائب و الإتاوات ورفع الأسعار باستمرار، واحتكار المواد الأساسية لاستمرارية الحياة كـ (الوقود – الحبوب – الأدوية – حليب الأطفال، وغيرها) وجعلوا أبناء الوطن يلهثون خلف لقمة العيش مع انعدام الأمن والأمان، ولا متسع لهم للتفكير فيما هو أعمق وفيما يمارس من سياسات ضدهم، وهذا السلاح كان رداً وانتقاماً لكل من تجرأ أو طالب بحياة أفضل مما هم عليه في دولة عفيفة، قادرة على احتواء أبنائها في مسارات العدالة والمساواة.
بات العالم كشريعة الغاب، الكبير فيه يأكل الصغير فالدول الغربية الرأسمالية التي تدّعي الديمقراطية تمتص من خيرات الدول في الشرق الأوسط، والأنظمة التي تتبنى الفكر القوموي تمتص قُوتِ شعوبها التي أنهكتها الحروب على مدى عشرات السنين، حيث شهدت هذه الدول موجات كبيرة من الهجرات والتهجير الجماعي، ومن بقي في البلاد مصيره يحتمل أن يكون الموت، إن لم يكن بالسلاح فحتماً برداً أو جوعاً أو قهراً، وهذا ما تشهده سوريا في هذه المرحلة حيث الشعب قد أنهكته الأزمات، بعد فشل كل الأسلحة في قتلهم وترهيبهم، فلا زال هناك من ظل صامداً لا مفر له، يواجه سلاح الجوع الفتاك بأمعاء خاوية وإرادة محطمة، ونعيشها الآن بقسوة شديدة مع اقتراب دخولنا فصل الشتاء.
مصير ومستقبل الشعوب يُطبخ في المطابخ السياسية ووليمة من مكونات هرم (الأولويات) الاحتياجات الأساسية للإنسان (الطعام – الماء – المسكن – الأمن – الأمان) فالطعام يعتبر درع الإنسان الذي يحميه من الموت، ويعتبر في قائمة المخاطر التي يجب التصدي لها، لأنها إحدى الجرائم البشعة ضد الإنسانية، فكم هو قبيح أن يتحول الطعام إلى سلاح يُشهر في وجه الإنسان، الذي هو في أمس الحاجة له لبناء جداره المتين في الحياة، وكل هذه الممارسات بهدف إخضاع الشعب تحت سلطة الابتزاز، وتقييده بقيود الذل والخنوع لخدمة أجندات سياسية لأنظمة حاكمة ومستبدة، فما لم يتحقق بالسلاح يمكن أن يتحقق بكسرة خبز، أو بمقومات الحياة الأساسية، وهذه الممارسات تنذر بكارثة إنسانية إن لم يتم إيجاد الحلول لها، وربما تكون سبباً في انفجار ضخم لغضب الشعب، وسيكون من الصعب جداً التصدي له أو الوقوف في وجهه، فالجوع كما هو أكثر أساليب الحرب تأثيراً، فهو أيضاً من أكثر المقومات لانفجار غضب الشعب، وتحول البلاد لبؤرة من الأزمات بانعدام الأمن والأمان، وانتشار السلب والنهب والقتل الممنهج، وهذا ما شهدناه في كثير من المناطق ومنها في سوريا ولازلنا نزداد انزلاقاً نحو الهاوية.
سياسة التجويع وعدم توفير مقومات الحياة اللازمة والضرورية من مأكل ومشرب، ووقود وأمن وأمان، ما هي إلا لكسر إرادة الشعب وإحكام قبضته عليهم لاستمرارية هيمنة الدولة وسلطتها.
جريمة قتلٍ بطيئة ولكن بأسلوب آخر
قصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم تقول إنهم ناموا مدة 309 عاماً، وعندما استيقظوا وجدوا بأن نقودهم قد فقدت قيمتها لكننا اليوم في سوريا ننام ليلاً ونستيقظ في الصباح وما نملكه في جيوبنا قد فقد قيمته، وهذا أكبر إثبات بأن هذه الأنظمة قد فقدت بوصلتها الأخلاقية، التي لطالما تشدقت بها في المحافل الدولية، فسقطت أقنعتهم المزيفة، وأصبحت الوجه الآخر لعملة الحكومات الاحتلالية، بل وحتى تفوقها أحياناً في الممارسات الوحشية، واتباعها لأساليب لا أخلاقية ضد شعبها.
بعد كل ما ذكرته في مقالي هذا أدعو وأناشد الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى إيجاد الحلول الإسعافية، وبوسائل متعددة كونها نتاج ثورة مجتمعية وتجربة رائدة، ابتداءً من نشر “وعي الفقر” الذي نعيش فيه وبالتزامن مع مقاومة الهجمات الشرسة من قبل دولة الاحتلال التركي.
الشعوب ستقول كلمتها في الزمان والمكان المناسب، عبر وعيها للواقع، والقيام بثورة تغيير هذه الأنظمة.