سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

وباء كورونا لم يمنع حِرفيات من ممارسة عملهن بحماسة..

على الرغم من الأزمة الصحية التي يواجهها العالم اليوم مع تفشي فيروس كورونا، فإن ذلك لم يمنع مريم وزميلاتها الحرفيات في مركز “بدوة للتنمية الاجتماعية” التابع لمجلس إرثي للحِرف المعاصرة بالشارقة، من مواصلة العمل بحماسة حتى بعد الإغلاق المؤقت للمركز الواقع في مدينة دبا الحصن بالشارقة.
وكالة أنباء المرأة سلطت الضوء على عمل حرفيات استغلن فترة الحجر الصحي بما هو مفيد والإبداع بمهنتهن.
في ركن هادئ من منزلها في مدينة دبا الحصن الخلابة التي تقع على بعد 130 كيلومتراً من وسط إمارة الشارقة، تجلس مريم محمد أحمد الظاهري البالغة من العمر 31 عاماً منكبّةً على عملها، تنسج بكرات من خيوط القطن ذات الألوان الزاهية، التي تتداخل فيها خيوط الخوصة المعدنية اللامعة بلون الذهب والفضة.
بخفةٍ تسحب البكرات الملونة، وتحركها ذهاباً وإياباً بحركة إيقاعية، لتبدع بها تصاميم متقنة مثلثة ومتعرجة الشكل بألوان زاهية لتتحول إلى قطع مدهشة من التلي، وهي حرفة إماراتية تقليدية من الجدائل المنسوجة يدوياً ذات تصميم متشابك معقّد.
66 امرأة ينتجنَ الحِرف التقليدية والعالمية
مريم هي واحدة من بين 66 امرأة حرفية يعملن يومياً على إنتاج الحرف التقليدية والعالمية في مركز بدوة للتنمية الاجتماعية، قبل اتخاذ إجراءات التباعد الاجتماعي مع انتشار فيروس كورونا، انضمت اليوم هي وزميلاتها إلى 11حرفية كنّ يواصلن عملهن مع مركز “بدوة” في الأصل من المنزل.
في حين يتميز مركز بدوة بأجواء عائلية طيّبة تتبادل فيها الحرفيات الأخبار وتفاصيل حياتهنّ بحلوها ومرّها، تقضي مريم اليوم وقت العمل في جوّ من العزلة وتتبع طريقةً إبداعيةً جديدة لإنجاز مهامها من المنزل، فتخصيص مكان معين للعمل، وأوقات محددة، ساعدها على زيادة إنتاجيتها، حيث تقول مريم لـ “وكالة أخبار المرأة “: “أعمل في الصباح عندما تكون أجواء المنزل هادئة، إذ يساعدني ذلك على التركيز بشكل أفضل وزيادة وتيرة الإنتاج واستثمار طاقاتي لتقديم عدد أكبر من قطع التلي”.
وتعيش شيخة علي النقبي، التي تخرجت مؤخراً من برنامج التبادل الحرفي الذي أطلقه إرثي لتدريب المشاركات على فنون التطريز الباكستاني، تجربةً مماثلةً حيث تعمل في ركنها الهادئ يومياً من الساعة الثامنة صباحاً إلى الواحدة ظهراً وتستريح لفترة قصيرة لتعيد شحن طاقتها وتسترد نشاطها.
“تغير وتيرة عملنا لم يؤثر على الجودة”
فيما اختارت علياء الظنحاني العمل في فترة بعد الظهر وهي الأكثر هدوءاً في منزلها، وتتحدث عن تجربتها قائلةً: “على الرغم من تغير وتيرة عملنا لكن ذلك لم يؤثر على الجودة فهي متأصلة فينا ونابعةً من قلوبنا، وحالما أنتهي من تنفيذ التصميمات أنسى ما ألمّ بي من تعب وأشعر بالنشاط”.
أما بشرى محمد عبد الرحمن، التي تعمل على قطعة من التطريز الباكستاني، فقد عزلت نفسها في غرفة منفصلة في المنزل للتركيز على عملها، وتقول: “أتواصل دائماً مع زميلاتي والمشرفات لأشعر وكأنني ما زلت في مركز بدوة، وما زلنا نعمل معاً”.
أطلق مجلس إرثي للحرف المعاصرة، التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، برنامج بدوة للتنمية الاجتماعية في عام 2016 بهدف إحياء الحرف التقليدية ووضعها في قالب حديث من خلال توفير التدريب المهني لتمكين المرأة اقتصاديًا ومهنيًا واجتماعيًا ويساعد النساء العاملات في مجال الحرف اليدوية على إيجاد أسواق جديدة لمهاراتهنّ.
وتقول حول هذا الموضوع مساعدة مدير – التقييم والتصميم في مجلس إرثي فرح نصري، أن حرفة “التلي” حرفةً تقليدية إماراتية أصيلة تحتفي بالثقافة الإماراتية، وكانت تمارسها السيدات الإماراتيات في منازلهنّ منذ قرون، وقد عادت الحرفيات لممارستها اليوم من منازلهنّ حتى وإن كانت بصورة مؤقتة.
أدى العمل عن بعد إلى تحول كبير في طريقة عمل الحرفيات في مركز بدوة، إذ تقول مديرة مركز بدوة شريفة الظهوري: “بعد الاتفاق مع المصممين على التصاميم المراد إنتاجها، يتم توثيق التفاصيل بالبريد الإلكتروني، ثم تقوم مشرفات المركز بإعداد الكميات المطلوبة من المواد بقياسات محددة واختيار ألوان الخيوط التي يتم بعد ذلك وضعها بشكل فردي في أكياس معقمة تحمل ملصق باسم الحرفية التي ستعمل عليه”.
وأضافت: “نرسل للحرفيات مقاطع فيديو وإرشادات إضافية من خلال مجموعة عبر تطبيق (واتساب)، لضمان تنسيق وإدارة الإنتاج بصورة فعالة، وبمجرد الانتهاء من المنتج يتولى فريق الإنتاج في مركز بدوة استلام المنتج النهائي وتوصيله إلى المركز”.
وأشارت إلى أنه مع إلغاء أو تأجيل العديد من المعارض والفعاليات العالمية التي كان سيشارك فيها إرثي، يعمل المجلس الآن على التعريف بالثقافة الإماراتية أمام المصممين الدوليين من خلال إطلاق مشاريع (عن بعد)، الأمر الذي “سيتيح الفرصة أمام المجلس للمضي قدماً في رسالته الرامية إلى الحفاظ على الحرف الإماراتية التقليدية ودعمها والارتقاء بها، وتطويرها بما يتماشى مع مفاهيم التصميم العالمي الحديث”.
بعد أن قامت منظمة اليونسكو مؤخراً بإدراج الشارقة على قائمة شبكتها للمدن المبدعة والتي تضم 65 مدينة حول العالم، تواصل حرفيات مركز بدوة التابع لمجلس إرثي هذه المسيرة الداعمة لروح الإبداع من خلال ممارسة الحرف الإماراتية التقليدية والحفاظ عليها للأجيال القادمة، واتباع ممارسات مبتكرة لتطوير مهارات جديدة وتوسيع آفاق مواهبهنّ الفنية.
العزل المنزلي هو الوقت المناسب للاستثمار
وتقوم حرفيات بدوة بهذه المهمة بطرق مختلفة، إذ تحرص علياء الظنحاني على استثمار وقت فراغها في تلبية شغفها لفن الطهي وتشجيع بناتها على تعلّم المأكولات التقليدية والحديثة، فيما تتابع زميلتها بشرى عبدالرحمن على موقع يوتيوب مقاطع فيديو لتعلم غرز وتقنيات جديدة في اختيار الألوان وتنسيقها، وتعمل حالياً على وضع تصميم جديد يضم جميع الغرز التي تعلمتها سابقاً.
من ناحية أخرى، تعتقد فرح نصري أن “المنزل هو المكان الوحيد الذي نمتلك فيه السيطرة الكاملة الآن، لذلك، فإنني أرى أن فترة العزل المنزلي هي الوقت المناسب للاستثمار في تنظيم المساحات من حولنا لجعلها أكثر هدوءًا وإلهاماً. فبعض التعديلات الصغيرة مثل إضافة النباتات الخضراء والمنحوتات أو وضع كرسي مميز أو شمعة معطرة سيعمل على إضفاء الحياة والأجواء المريحة على هذا المكان الذي أصبحنا نعمل ونعيش فيه”.
وتقول شريفة الظهوري: “لقد ساعدتنا جائحة فيروس كورونا على أن نستشعر قيمة كل ما كنا نملكه من حرية وراحة وأمان وطمأنينة، وعلى الرغم من صعوبة هذه المرحلة، إلا أن مجلس إرثي يؤكد على التزامه بسلامة الحرفيات، فهنّ مصدر فخرنا وسنبذل كل ما في وسعنا لتعزيز روحهنّ المعنوية”.