ما أكثر المتربصون لوأد بدايات أي تفاهم كردي كردي، أو على الأقل لتهميش خطواته التصالحية، ومن ثم تجميد أي جهد يُبذل في هذا الشأن، فقد فعلوا خلال إرهاصات تلك التفاهمات كل ما أمكنهم فعله، لكن لم تأتِ الرياح لهم بما تشتهي سفنهم، لكنهم لن ييأسوا في محاولاتهم المستميتة، لأن الوسائل لتحقيق تلك المآرب عديدة، ولن يتركوا منها مأرب دون أن يطرقوه، وآخر ذلك ما اختلقوه وتناقلوه وسطّروه عن خلاف بين قيادة الاتحاد الديموقراطي حول ما تم، بل وإمعاناً في تأكيدهم على ذلك الخلاف (المصطنع) ذكروا أسماء بعينها طرفاً في ذلك الخلاف، رغم أن الواقع يُكذّب ذلك، لأن الأسماء التي ذكروها كانت متواجدة في كافة المشاورات، بل وفي البيان الاحتفالي، وستظل تلك الأسماء متواجدة في كافة الاجتماعات والمشاورات اللاحقة، وليس اجتهاداً منا أن نستنتج أن النظام التركي وراء كل ذلك، لأن هذا النظام يهمه أساساً ألا يحدث مثل هذا التقارب، وأن من صالحه أن تصبح كافة الأحزاب والتيارات الكردية شيعاً متفرقة ومتشرذمة، ولا تخرج عما يريده لها كي تتحول إلى أحزاب كرتونية، تتصارع مع بعضها ليصبح الصراع الكردي الكردي لديها له الأولوية وينحّي أي صراعات أخرى كان من الواجب أن تكون الأولوية لها، ولأن الدولة التركية ليست في حقيقتها سوى فسيفساء عرقية (أتراك، كرد، عرب، أرمن، شركس، لاظ …الخ)، لذلك عملت كافة النظم التركية الحاكمة على التمسك المستميت بالهوية التركية، وسطرت ذلك في دساتيرها (الولاء لقومية أتاتورك)، (دولة تركيا بأمتها وأراضيها كيان غير قابل للانقسام ولغتها هي اللغة التركية)، ونصت كافة الدساتير وتعديلاتها على أن تلك المواد (أحكام غير قابلة للتعديل، ولا يجوز التقدم بمقترح لذلك)، لذلك فإن أي تقارب بين الأحزاب والتيارات السياسية الكردية وخصوصاً في سوريا، تعتبره تركيا خطراً عليها لتداعياته على الداخل التركي، إذ يشكل مصدر قلق للمبادئ فوق الدستورية الغير قابلة للتعديل، بل ولا يجوز مجرد الاقتراب منها، والتي وضع أسسها أتاتورك، إنها الحكومة التركية في حرب دائمة على أي مشروع كردي يمكن أن يؤسس لأي كيان مستقبلي محتمل، وتحت مزاعم محاربتها للإرهاب تشن أعمالاً عدوانية وتحتل مدناً ومناطق سورية، لتحارب كل ما هو كردي يقف معارضاً لبوصلة مصالحها، ورغم ما بين نظام الحكم التركي من خصومة تقليدية مع حزب الحركة القومية اليميني، إلى أن الرعب من أي تقارب كردي، والخوف على مبادئ أتاتورك، جعل حزب العدالة والتنمية الحاكم يدخل في تحالف مع هذا الحزب، فالخصومة مع الطموحات الكردية أهم لديه من الخصومة الحزبية التركية، ولكن لأن الولايات المتحدة الأمريكية جعلتها الظروف راعية لهذا التقارب، وبالتالي يجب عليها أن تحميه وتساند الخطوات التفاوضية اللاحقة، وهذا ما يتعارض مع علاقات تركيا الوثيقة بالولايات المتحدة من خلال عضويتها في حلف الناتو ووقوع قاعدة أنجرليك الهامة استراتيجياً في أراضيها، فهل من خلال تلك العلاقة، تستطيع تركيا الضغط على الولايات المتحدة، من أجل إفشال أي مساعٍ لتشكيل إدارة كردية مشتركة، ولإزاحة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تنعته بالإرهاب عن إدارة المناطق الكردية شمال شرق سوريا، وهل ترضخ واشنطن لضغوطها أم ستمضي في سياستها بتوحيد الصف الكردي السوري، وحمايته من تداعيات قانون قيصر، والانتقال إلى مرحلة جديدة ترسم فيها مستقبل سوريا ،وللحديث بقية طالما أن في العمر بقية.