لقد عم الفرح كل من كان يهفو إلى تلك اللحظة، كما حزن كل من سعى لوأدها، ويقيناً أن هؤلاء لن يستسلموا لليأس، وسيسعون بكافة السبل لإفساد ما تم، أو على الأقل بتهميش تداعياته، وهم لن يعدموا وسيلة إلى ذلك، لقد حاولوا مراراً أن لا تأتي تلك اللحظة، التي يفرح فيها كل من كان يبحث عن شيء يُفرحه، في وقت عزَّ فيه الفرح، وخيمت فيه ظلمة الحزن، فخلال المشاورات الشاقة التي كان يترقب نتائجها الأخيار، خطط هؤلاء لإصدار بيان يندد بتلك المشاورات، على زعم أنها تسعى إلى تقسيم سوريا الموحدة(!!!)، وصدر البيان وفي ظاهرة غيرة مزعومة على وحدة الوطن السوري، وبتوقيع أكثر من خمسمائة شخصية سورية (لاحظت بقراءتي لهذا البيان تكرار بعض الأسماء، لمضاعفة العدد(!!)، كما أن من بينهم من لا يشكل أي وزن في المشهد السوري المحتدم)، وكان تأثير هذا البيان الذي وزع على نطاق واسع مخيبة لآمال أصحابه ومن ورائهم، إذ سارت المشاورات المضنية، من أجل الوصول إلى الهدف السامي الذي كان يترقبه كل الأخيار، لذلك فإن من آلمه نتائج ما توصل إليها المجتمعون، سيسعى بكل وسيلة لإجهاض ما تم التوصل إليه، أو على الأقل التقليل من شأنه، ولا بأس في حضور الجانب الأمريكي على رأس المحتفلون بما تم التوصل إليه، وعلينا الاعتراف بأنه القادر على لجم كل محاولة لإجهاض أو قتل ما تحقق، فنحن بكل أسف، أصبحنا في زمن لا تتحرك فيه أمور كثيرة إلا وفق البوصلة الأمريكية، والسياسة هي فن الممكن، والشيء بالشيء يذكر، ففي مشهد كهذا منذ أكثر من عشرين عاماً، بذلت فيه شخصية كردية عراقية نبيلة، جهوداً مضنية، لمصالحة مشابهة، إلى أن قربت بين التيارين المتنافسين في كردستان العراق، ونجحت في إزالة ما بينهما من خلافات، إلى أن أصبح الطريق ممهداً لمصالحة كردية كردية، وبرعاية كردية، ولأن ذلك كان يجب ألا يتم إلا وفق البوصلة الأمريكية، فكان اجتماع المصالحة في واشنطن الذى رعته الحكومة الأمريكية، بحضور وزيرة خارجيتها مادلين أولبرايت، والتي عرفت في التاريخ الكردي الحديث باتفاقية واشنطن، في حين أن العرّاب الحقيقي لهذه الاتفاقية، هو الشخصية الكردية التاريخية عزيز محمد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الأسبق رحمه الله، وكان لي حظ اللقاء به لعدة مرات، الأولى في مؤتمر الحوار الكردي بالقاهرة (1998)، ثم في مسكنه بمحلة (مديراوه) بأربيل، وعندما سألته عن شعوره عندما غاب في احتفالات التوقيع رغم أنه بطلها!!،قال لي (أنا لا يهمني أن يُسجل اسمي على هذه الاتفاقية، الأهم لدى هو صالح شعبي)، من هنا يجب أن ننوه بالخطوة الأولى على طريق (تعالوا إلى كلمة سواء)، للجنرال مظلوم عبدي الذي أطلق المبادرة للدعوة لحوار بين الفرقاء، ولحسن الحظ كانت الظروف مهيأة لقبولها والترحيب بها، إذ لاقى ذلك قبولاً حسناً من كل الأطراف التي تتمنى تحقيق ذلك، فدعمها وساندها وبارك خطواتها كل الأطراف الداعمة لها، رغم ما بينها جميعا من تباينات، لقد حظيت بالدعم والمساندة وتذليل العقبات، كل من أربيل (الزعيم البارزاني)، وقيادات من روج آفا وأمريكا، وقبل كل هذا فإن الجماهير التي ضجرت بالتفرق، كانت تهفو للاجتماع على كلمة سواء، وفي يقيني أن تلك الجماهير، هي الضامن الفعلي للتشبث بما اتفق عليه، وتفعيل تلك التفاهمات إلى الأفضل، فصوتها صخرة تتحطم عليها كل مؤامرات المتآمرين.