تهدف مرتزقة هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني من تغيير مسار سياساتها الداخلية، وتوجهها صوب المناطق التي خسرتها سابقاً بمقايضة بين روسيا وتركيا، بعد حديث الجولاني عزمه عن شن هجوم على مدينتي حلب وحماة، وسيطرتها على المعابر التي تُعد شريان الحياة لاستعادة قوتها التي فقدتها خلال العامين الماضيين.
تفويضٌ إداريّ شامل للهيئة
استطاعت هيئة تحرير الشام السيطرة على مدينة عفرين وناحية جندريسه بعد اشتباكات عنيفة دارت بينها وبين مرتزقة الفيلق الثالث في كلٍّ من ناحيتي جندريسه وشيراوا ومدينة عفرين، وأجبرت مرتزقة الفيلق الثالث على الانسحاب إلى مدينة إعزاز والتمركز في قرية كفر جنة الاستراتيجية التابعة لناحية شرا في عفرين المحتلة، والمطلة على الطريق الرئيسيّ الواصل بين عفرين وإعزاز، لتجعل الخط الدفاعيّ الأساسيّ لمنع التقدم إلى مدينة إعزاز، وبعد أربع جولات من الاشتباكات الضارية تمكن مرتزقة الهيئة من إطباق الحصار الكامل على قرية كفرجنة والسيطرة عليها مساء الاثنين 17/10/2022.
الاشتباكات تجددت الثلاثاء بعد تداول التوصل إلى اتفاق بين هيئة تحرير الشام ومرتزقة الفيلق الثالث، وفيما كان مرتزقة الطرف الأساسيّ في الاشتباكات فقد غاب عن الاتفاق، وكان لافتاً في صيغة الاتفاق أنها تتضمن وضعَ حدٍ لتدخلِ مرتزقة كلِّ الفصائل التابعة لما يسمى “الجيش الوطني” في القضايا المدنيّة والمؤسسات الإداريّة الخدميّة والقضائيّة والأمنيّة وبشكلٍ خاص إدارة المعابر وإحالة مسؤوليتها إلى الأمن العام التابع للهيئة وجهات تابعة لما يسمى “حكومة الإنقاذ”، وبذلك يتضح أنّ مضمون الاتفاقِ يعدُّ تفويضاً للهيئة لإدارة عفرين المحتلة. في ظل غياب أوليّ لسلطات الاحتلال التركيّ، التي تدخلت قواتها لتثبيت تدخل مرتزقة الهيئة، ولم تأمر بخروجها.
والجدير بالذكر فإنّ شرارةَ الخلافات والاشتباكات بدأت من اغتيال الناشط الإعلاميّ “محمد عبد اللطيف/ أبو غنوم مع زوجته في مركز مدينة الباب في 7/10/2022، والذي ثبت تورط قياديين من مرتزقة “الحمزة” باغتياله.
ودخلت دفعة جديدة، من “هيئة تحرير الشام” إلى قرى ناحية شيراوا جنوب مركز مدينة عفرين المحتلة، وتعزيز انتشارهم على طول خطوط التماس.
وبحسب المصادر فإن القرى التي عززت من انتشارها فيها مرتزقة هيئة تحرير الشام هي: “شيخ عقيل ـ فافرتين ـ كباشين”، وإنشاء نقاط لهم في قرية بانصورة التي تقع بين بلدة كفر انتين ومنطقة دارة عزة، ريف حلب الغربي، ونقطة في قبتان الجبل.
ووفقاً للمصدر ذاته، أن لمرتزقة “هيئة تحرير الشام”، حاجز غربي قرية برج سليمان، ونقطة غرب قرية بازيرة، على طريق قرية باصوفان، مؤكداً بأن تحركات مرتزقة هيئة تحرير الشام في المنطقة تتم باسم مرتزقة ما تسمى “فيلق الشام”.
والجدير بالذكر إن المنطقة التي توغلت فيها مرتزقة “هيئة تحرير الشام”، تقع تحت سيطرة مرتزقة ما تسمى (فرقة الحمزة ـ فيلق الشام) والتي أغلب عناصرها تركمانيين الأصل، ويعملون بأمر مباشر من قبل الاستخبارات التركية، وأكثر المجموعات المقربة من الجيش.
تصريحات الجولاني.. تغيير في مسار سياساته
وكشف متزعم هيئة تحرير الشام، (أبو محمد الجولاني) عن عزمه شنّ هجومٍ على مدينتي حلب وحماة والسيطرة عليها، وذلك أمام ممثلين الهيئات فيما يسمى حكومة “الإنقاذ” في مدينة إدلب.
حديث الجولاني طرح علامات استفهام كبيرة عن مدى قدرة حكومةِ دمشق ومن خلفها روسيا من إبعاد مرتزقة “هيئة تحرير الشام” من أرياف حلب الغربيّة وحماة، قبل الجلوس على طاولةِ المفاوضات المعطلة.
أما انتشار “هيئة تحرير الشام” من جهة أخرى في مناطق شاسعة جنوب مقاطعة عفرين المحتلة، وريف حلب الشمالي الغربي وخاصةً على خطوط التماس على تخوم بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين واللتين تعدان نقطة ارتكاز للقوات الإيرانيّة بريف حلب الشماليّ والتي تعوّل عليها كواحدة من أهم المدن السوريّة، غيّرت من مسار السياسات في إدلب.
والجدير بالذكر أنَّ مرتزقة هيئة تحرير الشام، استُهدفت من المناطق التي توغلت إليها مؤخراً، قاعدة للقوات الإيرانيّة في محيط قرية بينه/ إبين بناحية شيراوا، بالتزامن مع القمة الثلاثيّة التي جمعت رؤساء كلاً من روسيا وتركيا وإيران، في العاصمة طهران في 19/7/2022، والتي أودت بحياة عنصر من القوات الإيرانيّة وإصابة اثنين آخرين، بحسب مصادر محليّة.
القصف المتبادل بين القوات الإيرانية وحكومة دمشق من جهة، وجيش الاحتلال التركيّ وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى، في الأيام القليلة الماضية على جبهات ريف حلب الشمالي والغربي، أوضح عدم الوصول إلى اتفاق بين تركيا وإيران حول شن الاحتلال التركيّ هجوماً واسعاً على بلدة تل رفعت، وبالتالي إحكام السيطرة على بلدتي نبل والزهراء والوصول إلى تخوم مدينة حلب.
وتحاول تركيا ابتزاز إيران عبر الزجِّ بمرتزقة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) إلى أطراف بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، اللتين ذاقتا الأمرّين خلال فترة محاصرتها من قبل مرتزقة جبهة النصرة على مدار ثلاث سنوات حتى رُفِع الحصار عنهما في 3/2/2015.
وبحسب مصدر خاص، فقد اجتمع القياديّ في مرتزقة هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولانيّ، وأبو محمد القطريّ وأبو سيد التركي في 5 تموز 2022 في بلدة سرمدا التابعة لمحافظة إدلب، اقترح خلاله الجولاني التخطيط بالهجوم على ريف حلب الغربيّ.
وبحسب المصدر ذاته، فإنَّ مرتزقة “هيئة تحرير الشام” يخططون شن هجوم من محور قرية عينجارة حتى قرب بلدتي حيان وبيانون والالتفاف لإعادة السيطرة على مناطق كفر حمرة، حريتان، الليرمون، عندان، ضهرة عبد ربه، وبذلك يفرضون حصاراً على بلدتي نبل والزهراء مجدداً، وأكّد المصدر أنّه تم تجهيز أربعة آلاف مرتزق من كتائب “عثمان بن عفان ـ علي بن أبي طالب” للهجوم على ريف حلب الغربي، وما يظهر على أرض الواقع من تطورات وتقدم مرتزقة هيئة تحرير الشام جنوب مقاطعة عفرين المحتلة، يدل على رضا من الاحتلال التركيّ بشنِّ الهجمات.
وتمكنت قوات حكومة دمشق بمساندة من الطيران الحربيّ الروسي وعناصر موالية لإيران، بعد مقايضة بين روسيا وتركيا، من إعادة حكومة دمشق السيطرة على مناطق مهمة واستراتيجيّة على الأطراف الشماليّة لمدينة حلب، والتي كانت تشكّلُ خطراً على مركز مدينة حلب.
كما استطاعت جيش حكومة دمشق في عام 2019، من إعادة السيطرة على نواحي كفر حمرة، حيان، حريتان، بيانون، الليرمون، عندان، ضهرة عبد ربو، وانسحاب جيش الاحتلال التركيّ من أكبر قواعده في ريف حلب الشمالي الغربي، وبالتالي زحفت قوات حكومة دمشق إلى ريف حلب الغربي ووصلت إلى مشارف بلدة دارة عزة معقل مرتزقة تحرير الشام في ريف حلب الغربي.
وتهدف قوات حكومة دمشق من السيطرة على منطقة جبل سمعان وجبل الشيخ سليمان وشيخ بركات الاستراتيجيّة التي تطل على مدينة حلب ومدن في إدلب، بالإضافة لكامل ريف حلب الشمالي والغربي، وطول الشريط الحدوديّ مع تركيا من أطراف مدينة الباب وحتى قرى في مدينة إدلب.
كما يطلُّ جبل الشيخ بركات على مدن داخل الأراضي التركيّة مثل الريحانيّة وكلس، ولذلك تهدف تركيا إلى الزج بمرتزقة هيئة تحرير الشام لمنع قوات حكومة دمشق من إعادة السيطرة على بلدة دارة عزة وجبل الشيخ سليمان والشيخ بركات.
لماذا سيطرت “تحرير الشام” على معبري دير بلوط والغزاوية
وانتشرت “هيئة تحرير الشام” في 19/6/2022، في عدد من قرى مقاطعة عفرين المحتلة، وتمكنت من السيطرة على معبري دير بلوط التابعة لناحية جندريسه ومعبر الغزاوية التابعة لناحية شيراوا والتي تعد من أهم المعابر التي تربط مناطق هيئة تحرير الشام في إدلب بمرتزقة “الجيش الوطني”، وشريان الحياة بنسبة لمرتزقة الجيش الوطني.
كما تمكنت “هيئة تحرير الشام” من طرد مرتزقة الجيش الوطنيّ من ناحية جندريسه وضواحيها، إضافة لناحية شيراوا حتى مشارف مركز مدينة عفرين وأوشكت من السيطرة عليها أيضاً، وذلك بعد انسحاب جيش الاحتلال التركيّ من إحدى حواجزه على أطراف المدينة.
يقع معبر دير بلوط بالقرب من الحدوديّ السوريّة ـ التركيّة، كما يفصل بين قرى مدينة إدلب وحلب إدارياً، وذلك بين قرية دير بلوط في ناحية جندريسه في مقاطعة عفرين المحتلة في ريف حلب الشمالي، وقرية أطمة في ناحية الدانا التابعة لمنطقة حارم في محافظة إدلب، والتي تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام جبهة النصرة سابقاً.
ويبعد معبر دير بلوط من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا نحو 10 كم، ويعد من أهم المعابر بين مناطق إدلب وعفرين المحتلة، وعن معبر الغزاوية بنحو 20 كم. وأما معبر الغزاوية، في ناحية شيراوا في مقاطعة عفرين المحتلة، فيفصل بين قرى ريف حلب الغربي وريف حلب الشمالي، وبلدة دارة عزة ومناطق عفرين.
وتهدف مرتزقة هيئة تحرير الشام إبقاء المعابر التجاريّة في قبضتها، بين مناطق توزع هيئة تحرير الشام في إدلب، ومناطق انتشار ما تسمى بالحكومة “المؤقتة” بعفرين المحتلة وريف حلب الشمالي، التابعيين لتركيا.
كما أن قرب المعابر، من معبر باب الهوى مع تركيا والتي تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، يشكل خطراً على هيئة تحرير الشام وتهدف “تحرير الشام” إبعاد مرتزقة “الجيش الوطني” من تلك المعابر وتحكم بالتجارة في الشمال السوري المحتلة، بعد دخول المساعدات الإنسانية الدولية من معبر باب الهوى إلى سوريا.
وبحسب مواقع مُطلعة على أعمال “هيئة تحرير الشام”، فإن قيمة الأرباح الشهريّة التي تجنيها “هيئة تحرير الشام” من المعابر تتجاوز 13 مليون دولار أميركي.
ويعود السبب الأبرز لتوجه تحرير الشام للسيطرة على الاقتصاد الداخليّ هو انخفاض مواردها الماليّة وفقدان العديد من مصادر التمويل التي كانت تعتمد عليها، وخاصةً المعابر التي كانت تربط مناطق سيطرتها بمناطق حكومة دمشق بريف حماة مثل معبري مورك وقلعة المضيق، وهي معابر كانت تستخدمها مرتزقة “هيئة تحرير الشام” لعمليات تهريب السلع الغذائية والحديد والخردوات وغيرها، وهذه الموارد قد جفت مع خسارتها مناطق واسعة من ريف حماة وإدلب وحلب حكومة دمشق.
كما رفعت “هيئة تحرير الشام” من قيمة الضرائب المفروضة على المستوردين عبر شركة (زاجل) للتخليص الجمركي، التي يديرها المرتزق (أبو عبد الرحمن زربة)، وهو أحد الأذرع الاقتصادية في “هيئة تحرير الشام”.
والأمر الذي زاد من مخاوف التجار توجه “هيئة تحرير الشام” إلى توسعة نفوذه على قطاع التجارة الغذائية والسوق المحلية، وذلك بعد سيطرتها على المجال الاقتصادي وسوق الاستيراد في المنطقة، من خلال افتعال الأزمات المعيشية والاقتصادية بهدف فرض شركاتها وتمكين الكيانات الاقتصادية التابعة لها.
ويعاني الأهالي في مناطق سيطرة مرتزقة هيئة تحرير الشام من تبعات الوضع المعيشي المتردي، والقرارات الاقتصادية التي تديرها حكومة ما تسمى الإنقاذ التابعة لهيئة الجولاني في مناطق إدلب، ما يدفعهم للبحث عن سبل لمواجهة الوضع، وكسر ما تحظره هيئة تحرير الشام من نقل البضائع من مناطق سيطرة ما تسمى بالحكومة المؤقتة إلى مناطق إدلب.
وأقدم حرس الحدود التابع لهيئة تحرير الشام في 10/2/2022، على قتل امرأة أرملة تدعى “فاطمة عبد الرحمن الحميد” (28 سنة) من أهالي بلدة سفوهن، في المنطقة الواقعة بين معبر دير بلوط وقرية أطمة، أثناء نقلها مادة البنزين إلى مناطق إدلب لتأمين لقمة العيش.
وتمنع مرتزقة تحرير الشام إدخال العديد من المواد الغذائيّة إلى مناطق سيطرتها، من المناطق التي تسيطر عليها ما يسمّى بالحكومة المؤقتة، منها الخضار والفواكه وبشكلٍ تام المحروقات، بحجّة إنَّ مناطق الحكومة المؤقتة تمتهن (التهريب والغش)، ما يعود بالضرر الكبير على المستفيدين من المادة من عموم الشعب في تلك المناطق.