سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

هوزان كوركندي عاشقاً ومتصوفاً في العشق الأزلي وملحمة الألم..

 آراس بيراني –

عبر مجموعة من القصائد الكردية والمترجمة إلى اللغة العربية للشاعر الكردي هوزان كوركندي بعنوان (العشق الأزلي وملحمة الألم) الصادرة حديثاً، يحاول فيها خلق لغة شعرية جديدة، وترجمة الشعر ربما يخذل أو يخون النص الأصلي حسب التعبير الإيطالي، إلا أنه استطاع أن ينقلنا إلى واحات الشعر وظلال صورها الجميلة؛ ويغوص في عمق المعنى ويجعل لها صوتاً وصدى عارية من ثيابها ينتظرها الشاعر.
“ستأتين يوماً / بأنامل ناعمة/ وبغنج ودلال/ سأوقظ ضفائر شعرك” وتتوالى الصور الشعرية عذبة وكأنها تنحت في حواف القلب مرايا جديدة تعكس الجمال الروحي للإنسان وللطبيعة، في مراتع الحب الندي يزرع كلماته هوىً وعشقاً كشاعر متصوف، حيث تظهر الأساليب الصوفية من غزل وألم وخمرة، فيبدو التأثر واضحاً بآثار الشعر الكردي الصوفي أمثال الجزيري وأحمدي خاني وفقي تيران، ونكاد نسمع صدى كلماتهم وبَوحهم في أكثر من موضع، فهو يغدو برضاب شفاهها ثَمِلاً وعاجزاً عن الكلام ويعاني قسوة الحب، ويتحول إلى عاشق مجنون يقاسي الأوجاع، ومن جهة ثانية فالشاعر يسترجع من ذاكرته أياماً جميلة وذكريات يحولها إلى لغة شاعرية وإلى قصيدة ينشدها بكل فرح ووجع معاً.
فهو إضافة إلى الشعر يهدهد سرير الذكريات ويصطاد الفراشات على تخوم قريته (كوركند)، ويحولها إلى معبد مقدس يؤدي في محراب عينيها طقوس العبادة وتراتيل العشق والجنون في حضن “كبزي كيكان” المنفي في صمت الحقول والأزلية.
صور الذاكرة تنزف ألماً ووجعاً وهو يتذكر بلده الثاني “سري كانيه/ راس العين” يتجول في شوارعها وأزقتها.. لا شيء سوى الخراب والموت.. لتغدو المدينة ملحمة للألم وللبطولة.. يكتب نزوحه ونزفه، ووجعه الذي لا ينتهي.. وبتفاؤلٍ ثوري يعلن عن الأمنيات وعن العودة مع سرب طيورٍ من طيورها، وإن كان الضباب يحجب الرؤية عن تلالها الشامخة وأشجارها العارية وحقول القمح المترامية التي تذرف سنابلها دموع العودة والجوع، وبيوتها الكئيبة وشوارعها الخاوية تستذكر خطوات وأقداماً لن يصيبها الصدأ، وهو يعلن أنه سيمشط عشبها ويروي زهور بيادرها بالدم.. المدينة كحروف تائهة وكخيوط من ضوء لا يزال يحاول كتابتها ونسجها من جديد.
قضايا العشق والوطن والأرض والإنسان هي ذات  الشاعر كوركندي، والتزامه واضح وجلي، وإخلاصه عميق لأقاليم العشق التي تتحد في بوتقة واحدة هي الوطن حيث هو الحب والجمال وذكريات المكان، ويغدو فردوسه وحبيبته والمرأة التي تظهر كثيراً في صوره الشعرية، وتحرك مشاعره ليصبح وتراً يعزف سيمفونية عشق، فيظهر الوطن/ المرأة في أحلامه وخيالاته كمملكة للحب يعيد إليها بهاءها ويزرع قامتها بالزهر، يتدفأ بنيران عشقها كل ليلة، ويخاطب روحه، وكيف أن العمر مضى ويخشى أن يطول به الغياب، فتتيبس يده أو أصابعه.. كيف سيصافح المدينة.. كيف سيهدي أصابعه لجسدها..؟ وأي جنون سيتسع له عقله وهو يغفو في أمسية شفاهها.. أي جنون؟ هكذا يتساءل الشاعر وهو يعبر عن حزنه وانكسار قلبه في وسط عتمة كطفل صغير، جائع.. في عمق تلك الأحاسيس يتذكر كيف كانت الشفاه ترتجف، وكيف يضيء في سماء العشق قوافل من نجومٍ تعلن نهاية ليلة صامتة.