No Result
View All Result
المشاهدات 1
لا يرغب أيٌّ منّا بأنْ يكونَ مستيقظاً حين تجرى له عمليّة جراحية لأنَّ في ذلك خوفٌ وألمٌ شديدان يصعب على المرء تحملّهما؛ في العصر الفرعوني كان يُضرب المريض بعصا على رأسه ليفقد وعيه وتُجرى له العمليّة! حيث كان التخدير موجوداً في القِدم، لكنّه تطوّر مع اكتشاف سبل جديدة أقلّ ألماً.
أظهرتْ دراسةٌ جديدةٌ أنّه في بعض عمليّات التخدير العام، قد تبقى أدمغتنا في حالةٍ شبه نائمة؛ رغم غياب الوعي الكامل تظلّ أجزاءٌ من الدّماغ قادرة على تمكين الإحساس بالمحيط، حتّى وإنْ لم يستطع المريض تذكّر ذلك بعد استيقاظه. قارن باحثون من جامعة توركو في فنلندا الآثار العصبية لزوجٍ من الأدوية يُستخدمان بشكلٍ شائع لتقليل استجابة المرضى قبل الإجراءات الطبّية أو الجراحيّة، وكان هدفهم تحديد إذا ما كانتْ قلّة الاستجابة تعود بشكلٍ كبيرٍ إلى (الأثر المباشر) للعقاقير عينها، أم أنَّ (الأثر غير المباشر) لها هو ما يرسلنا إلى عالم الأحلام؟ ليس الفرق أكاديميّاً فقط، فإذا كان السبب هو (الأثر غير المباشر)، فإنّ عمليّة التخدير ببساطة تُنشئ انتباهاً أكثر منه في حالة غياب الوعي، وهذا يعني أنّ بعض عمليّات الدماغ الواعية تظل فعّالة أثناء التخدير! يقول باحثون: «عدم الاستجابة لا يعني عدم الوعي، فربما تظل واعياً ولكن لا تبدي استجابة». ومع تقدّم العلوم الطبيّة في العصر الحديث، وبكَمِّ المعلومات التي جُمعتْ حول الموضوع فقد يُخيّل أننا وجدنا جواباً، إذ استُخدمت عمليات التخدير على المرضى على مدى ١٧٠ عاماً تقريباً، لكنّ التفاصيل حول كيفية تغيير الأدوية لوظائف الدماغ لا تزال غامضة قليلاً. وحول هذه الجزئية -حيث لا نعلم الكثير عن كيفية عمل الوعي- بمقدورنا رسم خريطة وظيفيّة لمناطق العمل في الدماغ، أو تسجيل تذبذب موجات نشاطه، لكنَّ فصل السبب عن الأثر قد يكون صعباً.
أُجريتْ دراسةٌ وفيها حُقن ٤٧ متطوعاً أصحّاء إمّا بـالمسكّن (الديكسميديتوميدين)، أو بالمخدّر العام (بروبوفول) قبل أن تُسجل موجات أدمغتهم. حيث تُستخدم تسجيلات أمواج ألفا(متوسطة المدى)، وبيتا(السريعة)، ودلتا(الموجات البطيئة) بصورة روتينيّة لمعرفة حالة الدماغ إنْ كان مستيقظاً أم نائماً. فموجات بيتا هي موجات الحالة اليقظة حيث تنشأ حين نكون مُنبَّهين، أمّا موجات ألفا فتظهر في حالة النشاط الواعي حين نكون هادئين، بينما دلتا فهي موجات النوم العميق. نتج عن كلٍّ من العقارين فقدانٌ للاستجابة عند جرعاتٍ معيّنة، وكان البروبوفول أقوى تخديراً بكثير. فنصف المجموعة الذين حُقنوا بالديكسميديتوميدين أُمكن إيقاظهم بواسطة الهز أو الصراخ العالي، ٤٢٪ من المجموعة التي أُعطيت بروبوفول استيقظوا في حالة ترنّح. أظهرت تسجيلات تخطيط موجات الدماغ ارتفاعاً في موجات ألفا ودلتا، وهذا يعني تقلّباً بين النوم العميق والنشاط الواعي الهادئ. لاحقاً، استطاع جميع المتطوعين في كلتا مجموعتي العقار المسكّن والعقار المخدّر تذكّر الحدث، إن لم يكن بشكلٍ مُبهم أو مُشوَّش. يقول Antti Revonsuo عالم النفس: «تحدّث جميع المشاركين تقريباً عن مرورهم بحالةٍ تشبه الحلم المخلوط بالواقع». وقد شُغِّلت تسجيلاتٌ للمجموعتين تضمّنتْ جملاً خُتمت بنهاياتٍ غريبة مثل: «امتلاء السماء ليلاً بطماطم برّاقة»، وتسجيلات أُخرى كانت طبيعيّةً تماماً. عبّرت تسجيلات تخطيط موجات الدماغ للمتطوعين الذين حُقنوا بمسكّناتٍ عن قدرتهم على سماع الجمل الغريبة ومحاولة تفسيرها، حتى وإن كانوا غير قادرين على تذكّرها لاحقاً. أما مجموعة المخدّر فلم يحاولوا حتّى أنْ يتفاعلوا مع الجمل الغريبة، إذ كانت موجات أدمغتهم في حالة غفوةٍ متواصلة. لكنْ حين شُغّلت للمجموعتين تسجيلاتٌ لأصواتٍ غير سارةٍ بدا أنّ كِلا المجموعتين قد انتبهوا لها، وحين استيقظوا، تفاعلت أدمغتهم بشكلٍ أسرع مع الضوضاء، والتي ظهر وكأنّهم تعلموا إدراكها. تقول عالمة التخدير Harry Scheinin:«في كلماتٍ أخرى، يستطيع الدماغ أن يدرك الأصوات والكلمات حتّى وإن لم يستطع تذكّرها فيما بعد، وخلافاً للشائع المعتقَد، لا يتطلّب التخدير فقداناً كاملاً للوعي، إذ يكفي فصل المريض عن المحيط». ربطت دراسةٌ سابقةٌ موجات الدماغ بحالات الوعي تحت التخدير، بيد أنّ التحكّم الجيّد بالجرعات سمح للباحثين معرفة التغيّرات وفقاً للعقارات وتغيّر حالة الوعي. واشتركتْ نتائج هذا العمل مع دراساتٍ أُخرى تفيد أنّ التخدير لا يفصل أجزاء الدماغ تماماً بقدر ما يمنعها من التواصل بحرّية. وبالأحرى، إنه كالنوم الطبيعيّ، إذ تبقى أدمغتنا نصف متنبّهةٍ حتى وإن توقّف إدراكنا. إذا بدا هذا ككابوسٍ بالنسبة لك، خذ نفساً عميقاً، فهذا لا يعني أننا نستطيع الإحساس بمشرط الجراح حين نستلقي مقيدين على سرير الجراحة.
No Result
View All Result