يساهم رمي النفايات في البيئة – خاصّة في غير أماكنها المحددة- بالتأثير على كلِّ المواقع من حولها بشكل سلبي جداً، ما يترك هذا التراكم للنفايات أثراً سلبياً على صحة أفراد المجتمع، وبالتالي يصبح مشكلة خطيرة، كما أن وجود النفايات في منطقة لفترة معينة يسبّب مشاكل عدة منها إنها تصبح مركزاً لجذب الحشرات والقوارض حول هذه النفايات وإصدار روائح غير مُحببة ومصدراً للتعفّن وتسبّب العديد من الأمراض.
معاناة حاضرة وحلول غائبة
مكب “رودكو” للنفايات في قرية “نافكر” بمدينة قامشلو، بات عقدة للأهالي في حي الهلالية والأحياء الشمالية بقامشلو مُنذ سنوات، نتيجة الروائح الكريهة الناجمة عن حرق النفايات، حيث ينتظرون الحلول المناسبة بفارغ الصبر، ولا سيما الذين يستنشقون يومياً الغازات المنبعثة ما يؤدي إلى حدوث أمراض بخاصةً للأطفال، وسط مناشدات من قبل الأهالي للجهات المعنية، ولكن من دون جدوى، والجهات المعنية بالرغم من وعودها للتخلص من النفايات بطريقة لا تسبب الأذى للمحيط، إلا أنه لا شيء على أرض الواقع، ولسان حال الجميع يقول: هل سننتظر المزيد من الأضرار لكي يقوم المعنيون بإيجاد الحلول، أم ستتم الاستجابة لمناشداتهم؟
إهمال المكب أصبح مشكلة الآن
يُذكر بأن مساحة مكب رودكو 300 دونم وهي أملاك عامةً مُنذ القدم، وتُنقل إليه جميع نفايات المدينة بشكلٍ يومي، حيث أجريت فيه بعض الحفريات بطريقة علمية، لكن لم يتم تنفيذها بشكل جيد، وبعد الأحداث التي حصلت في مناطقنا ولا سيما هجمات القوى الظلامية التي كانت تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار، أُهمل هذا المكب وبات مشكلة الآن وعلى إثر ذلك توجهت صحيفتنا لمتابعة المشكلة وإيصال صوت المواطنين للمسؤولين رغم إن صحيفتنا قامت بإجراء عدة تقارير في هذا الصدد من قبل.
نداءات الأهالي والجهات المعنيّة لا تُبالي
يصف “محمد شفيق يوسف” السبعيني، هذا المكب بالكارثة ويتابع: “باتت مشكلة رودكو قائمة وكارثية بالنسبة لأهالي قامشلو والأحياء الشمالية بشكلٍ خاص، لأنها أدت إلى ظهور العديد من المشاكل الصحية عند المواطنين، بخاصةً الأطفال والمرضى المصابين بمرض الربو، والمرضى الذين يعانون من أمراض في جهاز التنفس”.
وينوه “محمد” القاطن في حي الهلالية إلى أن الأدخنة تتصاعد في فترة العصر وحتى ساعات متأخرة من المساء، وهذا يثير تساءلاً في ذهنه، كيف سيتمكن الأهالي من النوم على أسطح منازلهم في فصل الصيف هذا؟!، ويذكر إن الكهرباء في غالب الأحيان تكون مقطوعة في المساء وبالتالي تؤدي لتفاقم المشكلة.
ويسرد “محمد” حادثاً عاناه العام المنصرم نتيجة الأدخنة المنبعثة من المكب، وتابع “في السنة الفائتة أجريت عملية القلب وبعد عودتي للمنزل، تصاعد دخان كثيف من مكب النفايات في رودكو، ما سبب أذى لجهازي التنفسي، واضطررت للعودة إلى المشفى في دمشق لتلقي العلاج نتيجة لاستنشاقي الدخان”.
رودكو …حديث الساعة
ويطالب محمد الجهات المعنية بإيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة التي باتت حديث الساعة، وإنها إن لم تحل ستؤدي إلى كارثة إنسانية تودي بحياة المئات من الأشخاص وخاصةً المرضى اللذين لا يتحملون هذه الروائح.
ويقع موقع مكب النفايات غرب مدينة قامشلو، والرياح هنا هي رياح غربية في معظم أوقات السنة، وبالتالي تنتشر الروائح من رودكو لتصل إلى الأحياء القريبة كحي الهلالية الأكثر عرضة لها وبعدها إلى مدينة قامشلو بأكملها.
وفي السياق عينه يؤكد “جوان كلو”، صاحب أحد المحلات الغذائية في حي الهلالية، بأنه رغم وعود الجهات المعنية بحل هذه المشكلة إلا أن المعاناة مازالت مستمرة إلى الآن.
تفاصيل الرد على أسئلة المواطنين
توضح نائبة هيئة الإدارة المحلية والبيئة “بيريفان عمر”، خلال ردها على استفسارات الأهالي عن أسباب تأخر إيجاد الحلول وتقر من جهتها بأن عدم المتابعة الجادة لهذا المكب تسبب بتفاقم المشكلة القديمة، وتتابع: “بسبب غياب المتابعة لهذا المكب في ظل سنوات الحرب، فمن المفترض أن يكون هذا المكب مطمر صحي لطمر النفايات وفق الشروط المطلوبة، حيث تم تنفيذ الخطوات الأولى في هذا المكب سابقاً، ولكن لم تستكمل بسبب الأحداث الحاصلة في مناطقنا ما بين عامي 2011 حتى 2017.
وتؤكد بيريفان بأنهم سعوا لإيجاد الحلول المناسبة لهذا المكب سابقاً، فالبعض من الدراسات تم تغييرها والبعض الآخر تم إلغائه، وفي بداية عام 2017 وقّعت هيئة البلديات والبيئة عقداً مع مجموعة من المهندسين المختصين لإنشاء معمل لمعالجة النفايات في مدينة قامشلو، بهدف إعادة تدوير النفايات بعد تضخم حجمها والتي تعتبر من أهم مشاكل التلوث البيئي وتسبب أضرار كبيرة.
توقيف العمل بسبب شكاوي الأهالي
وتوقيع العقد كان خطوة أولى في تنفيذه، لإزالة النفايات المتراكمة اليومية وليست الموجودة سابقاً، وجمعها في مكب ليتم فرزها وإعادة تصنيع جزء منها وليس كامل النفايات، ويُعد هذا المشروع الأول على مستوى سوريا في حال تنفيذه، حيث تم البدء بالقيام بالمشروع وتجهيز موقعها أيضاً، ولكن في أواخر عام 2019 ظهرت مشكلة من قبل الأهالي الذين يسكنون بالقرب من المكب، والذين رفضوا وجود معمل فرز النفايات في المكب، وطالبوا بترحيل النفايات بشكلٍ كاملٍ، وبطلب من الإدارة تم توقيف العمل ليتم تغيير موقع معمل فرز النفايات.
مساحة مكب النفايات رودكو كبيرة وتسمح القيام بالمشروع وبتكاليف أقل، ولكن نظراً لورود العديد من الشكاوي سيتم نقله إلى مكان آخر، حسب قول بيريفان عمر.
وتنوه بيريفان إلى أن البحث جارٍ عن موقع آخر لإقامة معمل فرز النفايات، وأنه ثمة صعوبة في إيجاد الموقع المناسب، ولتلافي عودة المشكلة يجب أن يكون موقع المعمل بعيداً عن مدينة قامشلو، إلا أن ذلك يسبب مشكلة أخرى تتمثل بكون سيارات نقل النفايات لا يمكنها الانتقال لمسافات بعيدة بشكلٍ يومي وهذا سيشكل ضغط كبير، هنا تم الاقتراح لإيجاد موقع تجميع النفايات في مدينة قامشلو، ويتم نقل النفايات من الآليات الصغيرة إلى الآليات الكبيرة في مكان تجمع النفايات، ومن ثم نقلها لمكان المعمل الذي سيتم تحديده لاحقاً.
كورونا… سبب لتوقف العمل
والسبب الآخر الذي أوقف عمل الهيئة والمشروع في الوقت الحالي، هو جائحة كورونا التي اجتاحت العالم والتدابير التي تم اتخاذها وفرض حظر التجوال، ما أدى إلى توقف كافة الأعمال ومنها عمل الهيئة كما أن المعابر الحدودية أغُلقت، وتقول بيريفان أنه سبب منع المشرفين المختصين من خارج سوريا القدوم إلى مناطقنا لتدريب العاملين على عمل المشروع، وكان من المقرر الانتهاء من هذا المشروع خلال الشهر السادس الفائت من هذا العام.
مطمر صحي بدلاً من معمل النفايات
وتطرح بيريفان حلولاً لعودة العمل بالمطمر الصحي بحيث لا يؤذي الجوار ويحمي طبقات الأرض ومنع تسرب مخلّفات النفايات للمياه الجوفية، في حال لم يتم إنشاء معمل فرز النفايات.
في الوقت الحالي يتم البحث عن موقع في القسم الشرقي بمدينة قامشلو، وذلك لإنشاء مطمر صحي على مدى سنتين لإيجاد الحلول حتى الانتهاء من دراسة المعمل ويصبح قيد التنفيذ.
لدى سؤالنا نائبة هيئة الإدارة المحلية والبيئة بيريفان عمر عن حرائق نفايات رودكو، أجابت: “لتفادي مشكلة حرق النفايات تم اتخاذ إجراءات رادعة، ومنها تخصيص إطفائية وعناصر حراسة للقضاء على هذه الظاهرة، ولكن بعض الأحيان نعجز في السيطرة على الحريق ويتم ذلك عن طريق بعض المتسللين والعاملين في نبش النفايات”.
والجدير بالذكر بأن مديرية البيئة التابعة للجنة البلديات وحماية البيئة في مقاطعة قامشلو أعلنت عن طرح مناقصة بالظرف المختوم لنقل وترحيل النفايات الصلبة ضمن موقع “نافكر” وإلى خارجه وطمر النفايات وبارتفاعات متفاوتة.
وتؤكد بيريفان أنه بعد الإعلان عن المناقصة، تم ترحيل جزء كبير من النفايات للمطمر الذي تم إنشاءه من قبل الحكومة السورية سابقاً.
الجهات المعنيّة تعتذر من المواطنين
وفي نهاية حديثها اعتذرت نائبة هيئة الإدارة المحلية والبيئة بيريفان عمر من جميع الأهالي بخاصةً أهالي الأحياء الشمالية لمدينة قامشلو، مؤكدةً بأن الهيئة تسعى لإيجاد الحلول لهذا المكب والمتراكمة منذ سنوات بأقصى سرعة ممكنة، والانتهاء من هذه المشكلة في نهاية العام الجاري، مناشدةً جميع الأهالي بمدينة قامشلو التفهم لهذه الإجراءات أن تم التأخير، وكل من يسعى لمعرفة آليات وتفاصيل العمل يمكنه مراجعة الهيئة ومعرفة الصعوبات والعوائق التي تواجه التنفيذ.
البحث جارٍ عن موقع للمعمل
وفي السياق ذاته يُشير الإداري في مكب النفايات بمديرية البيئة والبلديات “بشير علي”، إلى أن الدراسة مستمرة في عملهم، والآن يبحثون عن موقع ليصبح مطمر صحي، وذلك بالقرب من قرية تل معروف وأبو خزف شرق مدينة قامشلو، ليكون معمل النفايات بجانب المطمر الصحي.
ويتابع علي حديثه بأن آلية المشروع ستكون لتجميع النفايات المتراكمة على الطرق، ومن ثم فرز المواد العضوية والغير العضوية لإعادة تدويرها، والمواد غير القابلة لإعادة تدويرها سيتم طمرها في المطمر الصحي.
إغلاق رودكو…. مشروع قيد الدراسة
ونوه علي بأنهم يسعون إلى إغلاق مكب النفايات رودكو، ولكن هذا يتطلب برهة من الزمن، وناشد الإداري في مكب النفايات بمديرية البيئة والبلديات بشير علي جميع المواطنين أن يقوموا بفصل النفايات القابلة للاشتعال والتخلص منها، ووضعها في الكيس المخصص وإعطائها إلى عامل النظافة، وذلك لتفادي حدوث الحرائق.
سنوات من المعاناة مرت، ومازال البحث عن حلولاً جذرية لمشكلة المكب مستمر، وسط معاناة الأهالي ومطالبتهم إيجاد الحلول، وبدورها تسعى الجهات المعنية بإيجاد الحلول المثلى وانتقاء أفضلها، لكن متى سيتم تنفيذها؟! سؤال يتطلب بعض الوقت –عسا ألا يطول- لمعرفة إجابته ومتابعة عن كثب.