No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح إيبو –
الاعترافات الصريحة لوزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو بوجود الإرهاب في مدينة إدلب التي تنشر فيها تركيا نقاط مراقبة بموافقة روسية إيرانية، ما هو إلا رضوخ تركيا وإشعال الضوء الأخضر لبدء العمليات العسكرية في إدلب وإن كانت بشكلٍ محدود.
إذ قال الوزير التركي أثناء زيارته الأخيرة لموسكو: “هدفنا التخفيف من مخاوف نظرائنا الروس والتخلص من الإرهابيين في تلك المنطقة”، هذا التصريح يؤكد فشل تركيا في قدرتها على استئصال جبهة النصرة التي عملت على دعمها وكسب ودِّها خلال السنوات الماضية من الأزمة السورية. لكن؛ اليوم باتت تركيا بين ناري المرتزقة وتأزُّم علاقتها مع أمريكا، والمعركة المفتوحة في إدلب إحدى أوجه الخلاف الأمريكي التركي الروسي، فكيف يمكن أن تبدأ معركة إدلب في ظل تهديدات غربية بشن ضربات ضد النظام السوري في حال تعرَّضت إدلب لهجمات كيماوية أو بيولوجية؟
أهمية معركة إدلب في رسم ملامح المستقبل
تشكل مدينة إدلب الواقعة في المثلث الواصل بين مدينة حلب والساحل السوري أهمية قصوى للقوى الإقليمية والدولية، ومنها أمريكا وروسيا، اللتان اتفقتا على بعض النقاط الرئيسة في قمة هلسنكي، لكن مازال التنافس الأمريكي ـ الروسي في أوجه، ويُحاول كلٌّ من روسيا وأمريكا تخفيف النفوذ الإقليمي في سوريا، وتضع أمريكا إيران على رأس قائمة هذه الدول ومن بعدها تركيا التي تعاني علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع أمريكا حالة توتُّر هي الأخطر في تاريخ البلدين.
والنفوذ الإيراني في سوريا وبالتحديد في الشمال السوري تم تأطيره ولكن لم يتم القضاء عليه تماماً، وهناك محاولات أمريكية عدة للضغط على الروس والحد من الوجود الإيراني في سوريا، لكن إيران دولة إيديولوجية مُتجذِّرة في العمق السوري منذ عقدين من الزمن وازداد هذا التجذُّر خلال سنوات الأزمة السبع حتى بات من الصعب التخلُّص منه على الصعيد الفكري والسياسي.
وفي المقابل شكل التدخل العسكري التركي المباشر في سوريا وطموحها المستمر خطراً على المشاريع الغربية وربما الروسية أيضا في بعض مفاصلها، لذا بدأ التحالف الدولي بعزل تركيا عن العالم العربي باستثناء قطر، واليوم يستمر الضغط الاقتصادي عليها للحد من مشاريعها التوسُّعية في المنطقة، وتركيا دولة في حلف الناتو وتربطها علاقات اقتصادية قوية مع روسيا التي حصلت على تنازلات كبيرة منها عقب أزمة إسقاط الطائرة الروسية عام 2015م واستطاع الروس بسط نفوذ الأسد على معظم الأراضي السورية بعقد صفقات مع تركيا التي لها اليد الطولى على المجموعات المسلحة في سوريا، واستخدام الاحتلال التركي لأراضي سوريا كورقة ضغط على أمريكا.
إدلب ومعركة إعادة الإعمار
لكن مع تغير الموازين الدولية ووصول الأزمة السورية إلى مرحلة تقسيم الكعكة والأهم من ذلك مرحلة إعادة الإعمار والمكاسب الاقتصادية واستيفاء فاتورة الحرب التي هجرت وقتلت ملايين السوريين، في هذه المرحلة التي سترسم معركة إدلب والشمال السوري ملامحها وإمكانية تغيُّر التحالفات فيها، فالمشهد اليوم مفتوح على خيارات متعددة لرسم ملامح المرحلة المقبلة التي قد تطول لسنوات عدة، إذ تشكل مدينة إدلب مفتاح الحل السياسي والعسكري لسوريا وربما تفضي إلى تغيرات على المستوي الإقليمي أيضاً، والسيناريو الأكثر رجاحة ً في الوقت الحالي هي ضربات عسكرية روسية ـ سورية محدودة على محيط إدلب وريف حماة الغربي وربما تمتد إلى جنوبي حلب، في ظل تحشدات النظام السوري المستمرة على طول نقاط التماس مع المجاميع المسلحة الموالية لتركيا، وفي موازاتها حشود وإصرار من قبل جبهة النصرة على شن هجمات على مواقع النظام، مع تحصين الجانب التركي لنقاط مراقبتها.
وتحاول كلٌّ من روسيا وأمريكا، سحب زمام المبادرة من يد تركيا وإضعافها، حيث تكون القوى الدولية هي المهيمنة على الشرق الأوسط وفرض أجنداتها السياسية والاقتصادية، وذلك عبر مخرجات قمة هلسنكي، التي أفضت للحد من النفوذ الإقليمي في سوريا، والتأكيد على عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وبالتالي سحب هذه الورقة من يد تركيا التي طالما كانت تُهدِّد أوروبا والدول الغربية بسيل من المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين على أراضيها.
وطلبت روسيا من الغرب وأمريكا مساعدتها على إعادة اللاجئين السوريين مقابل ملف إعادة الإعمار، فإعادة الإعمار في سوريا تحتاج إلى أكثر من 500 مليار دولار أمريكي بحسب مراكز أبحاث عالمية، وهنا لا تستطيع روسيا بمفردها تحمُّل تكلفة هذا الملف، وبهذا يكون المجال مفتوحاً أمام دول التحالف الدولي المناهض لداعش على لعب دور سياسي واقتصادي في المدى القريب في سوريا، وأولى هذه البوادر التي ظهرت المبالغ التي دفعتها الإمارات والسعودية للتحالف الدولي لدفع جهود الاستقرار في المناطق التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية، وفي المقابل تعاني الدول الفاعلة الأخرى (روسيا- تركيا وإيران) من أزمات اقتصادية وعقوبات أمريكية تحدُّ من قدرتها على المضي الجاد بعملية إعادة الإعمار في سوريا إلا وفق مستويات محددة قد تحددها القوى الدولية التي سترعى مفاوضات السلام السورية بجنيف.
تحرير عفرين من الأولويات لدى قسد
وميدانياً، وبعد الفشل التركي في دمج جبهة النصرة مع الفصائل الموالية لها، بل تأكيد هذه الفصائل التي جمعتها تركيا تحت مسمى “الجبهة الوطنية للتحرير” عن موقفها الرافض لمقاتلة جبهة النصرة في إدلب، يؤكد الترابط الأيديولوجي بين هذه المجموعات الإسلامية، إضافة لوجود الحزب الإسلامي التركستاني وتنظيم نصرة الإسلام في إدلب وهي أحزاب موضوعة على لائحة المنظمات الإرهابية، وقيام هذه الأطراف على اعتقال وتصفية داعمي المصالحات مع النظام والذين وصل عددهم إلى 500 شخصٍ بحسب مركز المصالحة في حميميم، يدلُّ على أن المعارك في إدلب باتت وشيكة، رغم الاجتماعات التركية والروسية المتتالية، آخرُ هذه الاجتماعات سيجري في العاشر من الشهر المقبل، والذي قد يُفضي إلى سحب نقاط المراقبة التركية من إدلب ووضع نقاط تفاهم حول وجود القوات العسكرية التركية في الباب وجرابلس وعفرين، وقد يسبق ذلك حملة عسكرية محدودة على مواقع جبهة النصرة.
وفي الطرف المقابل، لا يستطيع النظام السوري المنهك على الأرض، تدبُّر أمور المعركة التي قد تمتد من جرابلس إلى اللاذقية لوحده بقوات أرضية تحمي محافظات حلب وحماه والساحل السوري، لذا بدأت بالاستعانة بمسلحي المصالحات، وهنا لم يبقَ أمام النظام السوري سوى عقد تحالفات عسكرية على أرض الميدان مع قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت سابقاً استعدادها لمحاربة الإرهاب مع أي جهة في سوريا، ولكن تضع هذه القوات نصب أعينها تحرير مدينة عفرين كأولوية وثانياً وجود مظلة سياسية تحفظ حقوق مكونات الشمال الشرقي في سوريا مستقبلاً ضمن دستور البلاد، وهذا التحالف إنْ حدث سيؤثر بشكلٍ مباشر على مستقبل سوريا وآلية التعاون الروسي ـ الأمريكي على أرض الواقع أيضاً ويعطي المشروعية للوجود الأمريكي في سوريا والإدارة السياسية في شمال شرق سوريا.
ويمكن لمثل هذا التحالف الاستراتيجي أن يكون مفتاح الحل للأزمة السورية، فقوات سوريا الديمقراطية التي تضم المكونات السورية كافة وتهدف لتحرير الأراضي السورية من الإرهاب وإن اقتضى الأمر من الاحتلال الخارجي أيضاً تُشكِّل اليوم نواة الجيش الوطني السوري المستقبلي نتيجة تنظيمها الجيد، وتوفير الأمان والاستقرار ومنع السرقات وحجم التعديات على الأملاك والحريات في مناطق سوريا الديمقراطية مقارنة مع باقي القوى العسكرية على أرض سوريا، إضافة لإقامة النظام الديمقراطي في المناطق المحررة من قبل هذه القوات.
أمريكا ستنقل أنجرليك إلى الشمال السوري
الجانب الامريكي عاد للتأكيد على بقائه في سوريا مدة أطول ريثما يتم التأكَّد من انتهاء خطر داعش والنفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، وبدأت مؤخراً بتوسيع قواعدها العسكرية والتي ستصبح بديلاً لقاعدة إنجرليك في تركيا بحسب قراءة بعض المختصين العسكرية، وبالتحديد توسيع قاعدة منبج الواقعة غربي الفرات، وطرحها خطة فرض حظر الطيران والهجوم البري على المناطق المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، تدل هذه التطورات على أنَّها لن تبقى حبيسة في شرقي الفرات، بل ستحاول التمدُّد إلى غربي الفرات وكسر الحاجز الروسي ومن هنا، لن تكون التصريحات الغربية عن شن هجمات على النظام السوري في حال شنْ هجمات كيماوية على مدنيي إدلب مجرَّد تصريحات، بل ستكون بداية تواجد التحالف الدولي في إدلب، والحجة الأخرى هي محاربة الإرهاب بما فيه داعش الذي قد يظهر في أيِّ لحظة بإدلب والمناطق الأخرى التي يسيطر عليها الجيش التركي.
وأبدى الجانب الأمريكي حرصه على حماية المناطق المحررة من مرتزقة داعش في أكثر من مناسبة، وظهر ذلك في ريف دير الزور حين استهدفت طائرات التحالف الأمريكي مقاتلين روس وإيرانيين في هجومين منفصلين، وهذا يدل على أنَّ الغرب عزم أمره على البقاء الطويل الأمد وأنَّ خارطة توازن القوى ربما تتغيَّر في المستقبل القريب.
تحالف آسيوي مضاد للغرب قد يرى النور
لكن مقابل هذا، يمكن لتحالفات أخرى مناهضة للوجود الأمريكي والغربي أنْ تتطوَّر، وهذا التحالف الجديد الذي قد يظهر بين دول (روسيا- تركيا- إيران والصين) قد يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الغربية عامة في الشرق الأوسط وامتدادها للقارة الأفريقيَّة، وتتشارك هذه الدول الأربع في العقوبات الأمريكية الاقتصادية، وتجمعها مصالح اقتصادية كبيرة متمثلة في إحياء طريق الحرير التجاري البري والبحري والذي يمرُّ عبر الدول الأربع، إضافة للعراق وسوريا اللتين تشكلان الحديقة الخلفية للسياسيات الدولية حالياً.
No Result
View All Result