مركز الأخبار ـ جاء الهجوم الكيميائي على مدينة حلب والذي خلف أكثر من مئة مصاب بين المدنيين، ليُعيد دعم تركيا المباشر للمجموعات الإرهابية في المنطقة العازلة وإدلب، والتي حمل فيها النظام السوري وروسيا مسؤوليتها لتركيا ضمناً، إلا أن هذا الهجوم يفتح المجال أمام مساومات سياسية قريبة في آستانة نهاية الشهر الجاري وتغير في الخارطة الميدانية بإدلب وغربي حلب وسط تعزيزات إيرانية وروسية في المنطقة المتاخمة لتواجد مرتزقة درع الفرات، وما يزيد الأمر تعقيداً هو وجود اتفاقات ضمنية بين روسيا وأمريكا تؤكد ضرورة سحب البسط من تحت أقدام القوى الإقليمية المتواجدة بسوريا في ظل تأكيدات أمريكيا على بقاء روسيا وأمريكا عسكرياً في سوريا لأجل غير مسمى.
في الوقت الذي سعت تركيا فيه لتعزيز اتفاقيتها “سوتشي” مع روسيا بشأن إدلب ومخططها المستقبلي في سوريا عبر الزيارة الأخيرة لوزير دفاعها ومسؤولي الاستخبارات إلى روسيا الأسبوع المنصرم، شنت المجموعات الإرهابية المتواجدة في المنطقة العازلة هجوماً بصواريخ معدلة تحمل مادة الكلور السامة بحسب توقعات خبراء روسيين من قاعدة حميميم توجهوا إلى حلب التي وقع فيها أكثر من 100 مصاب جلهم من المدنيين، في حين رد جيش النظام السوري والقوات الجوية الروسية هجمات على مواقع معينة في إدلب وريف حلب الغربي في تصعيد يعتبر الأكبر منذ توقيع اتفاق شوتشي بين الرئيس الروسي والتركي في أيلول الماضي.
إذ ما يزال اللاعبون الدوليون والإقليميون على الأرض السورية يتبادلون الأدوار ويوغلون بالتدخل في الأزمة السورية وخلط أورقها على حساب الحل السياسي الذي بدأ الحديث عنه منذ عام 2012، في حين تستمر تركيا في الغوص عميقاً بالمستنقع السوري دون وجود أفق محدد لنجاح مخططاتها.
أول قصف روسي على المنطقة العازلة بعد سوتشي
إذ أكدت مصادر من النظام السوري ووزارة الدفاع الروسية أن الصواريخ الكيميائية التي ضربت مناطق الخالدية والشهباء وشارع النيل في حلب تم إطلاقها من المنطقة العازلة التي تكفلت تركيا فيها بمنع أي هجمات على مواقع النظام وسحب المجموعات الإرهابية منها، وبعد خياراتها هذه التي ارتدت عليها في تبني تنظيمات متطرفة ها هي تتقاطع مع الحليف الروسي وتبدو مجبرة على إدانة سلوك تلك التنظيمات وصولاً إلى القبول باستخدام القوة ضدها.
فقد أحيطت أنقرة علماً بحملة قصف جوي شنتها المقاتلات الروسية على مواقع مسلحين تدعهم حكومة العدالة والتنمية تمويلاً وتسليحاً وخاصة جبهة النصرة التي هي الوجه الآخر لتنظيم القاعدة الإرهابي في منطقة إدلب، ونقلت وسائل إعلام روسية عن وزارة الدفاع الروسية قولها (الأحد): “إن طائراتها الحربية نفذت ضربات جوية ضد مسلحين تحملهم مسؤولية إطلاق صواريخ معبأة بغاز الكلور على مدينة حلب السورية”.
ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن الميجر جنرال إيجور كوناشينكوف قوله: “إن الضربات الروسية دمرت كل المواقع التي كانت تستهدفها وإن موسكو أبلغت تركيا مسبقاً بأمر الغارات عبر خط تليفوني ساخن”.
وفي آخر إحصائية رسمية لعدد المصابين بالهجوم الكيميائي على حلب، قالت وكالة الأنباء الرسمية السورية: “إن 107 أشخاص أصيبوا بحالات اختناق جراء الهجوم على حلب ليلة السبت الماضي”.
إيران تتهم تركيا بدعم الهجوم
واتهمت إيران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي في بيان نقلته الدائرة العامة للدبلوماسية الإعلامية في وزارة الخارجية الإيرانية دولاً في المنطقة وخارجها بدعم هذا الهجوم، وقالت: “إن السبب في هذا العمل اللاإنساني والخبيث الذي قامت به الجماعات الإرهابية يعود إلى الدعم الفكري والسياسي والمالي والعسكري اللامحدود من قبل بعض الدول في المنطقة وخارجها لهذه الجماعات الإرهابية”.
ويحمل الاتهام الإيراني هذا في طياته انتقاد لتركيا التي ما زالت حدودها مفتوحة مع سوريا أمام الجماعات الإرهابية في ظل سعي إيران لزيادة نفوذها غربي حلب وصولاً إلى شمال المدينة، وعززت إيران وروسيا من قدارتها العسكرية خلال الأسابيع القليلة الماضية في كل من المناطق المحيطة ببلدتي نبل والزهراء وتل رفعت وصولاً إلى المناطق المتاخمة لعفرين وغربي حلب، وسط حدوث مناوشات بين قوات النظام والمسلحين المدعومين من تركيا في بلدتي كفر حمرة وحيان.
وفي الوقت الذي ظهرت تسريبات كثيرة عن وجود تفاهمات روسية – تركية تقضي بفتح الطرق التجارية الواصلة بين معبر باب السلام في إعزاز وحلب وفتح طريق حلب اللاذقية قبل نهاية العام الحالي، والذي ربما يتم إشهار بنوده خلال اجتماع آستانة المزعم عقده في نهاية الشهر الجاري في العاصمة الكزخية، أكدت وزارة الخارجية الروسية أن قصف الإرهابيين لحلب؛ يهدف لإفشال جهود التسوية في سورية وعلى المجتمع الدولي إدانة هذا العمل الإجرامي.
الهجوم يضع الاتفاق التركي ـ الروسي على المحك
ومن الواضح أن الاتفاق الروسي ـ التركي بات اليوم على المحك، بعد أن عجزت تركيا عن تنفيذ ما وعدت به، والصمت الروسي على تأخير تنفيذ بنود الاتفاق، في حين أن النظام السوري وإيران يحاولان تغير بعض بنوده. لكن؛ في الوقت ذاته تحاول الأطراف المتعددة استثمار الهجوم الكيميائي على حلب سياسياً وميدانياً، وجاء ذلك بتسريبات سورية وروسيا عن مشاركة خبراء فرنسين في تجهيز الصواريخ الكيميائية، في الوقت الذي أعاد المسؤولون العسكريون الروس إلى الأذهان بأن بلاده سبق لها أن حذرت من محاولات /الخوذ البيضاء/ تنفيذ استفزازات باستخدام المواد الكيميائية في المنطقة منزوعة السلاح حول إدلب لاتهام الجيش السوري بشن هجمات بالأسلحة الكيميائية على السكان هناك.
ونقلت وكالة سبوتنك الروسية عن مصادر أن عملية نقل 50 صاروخ معدل برؤوس كيميائية تم نقله على خمس دفعات وتوزعها في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، حيث تم تسليم تنظيم ما يسمى “أجناد القوقاز” الإرهابي عشر صواريخ في منطقة تل السلطان وما يسمى “جيش العزة” الإرهابي عدداً من الصواريخ المماثلة في بلدة كفر زيتا شمال غرب مدينة حماة بنحو 38 كم وتنظيم ما يسمى “حراس الدين” المبايع لتنظيم “القاعدة” الإرهابي عدداً من الصواريخ تم نقلها إلى مدينة مورك شمال مدينة حماة بنحو 30 كم فيما تولى تنظيم جبهة النصرة نقل وتسليم مجموعتين من الصواريخ لإرهابيي ما يسمى “الحزب التركستاني” وجهات أخرى لا تزال مجهولة، وتشير هذه التسريبات إلى أن النظام السوري والروسي يحاولون رسم خريطة الاشتباكات الميدانية التي قد تبدأ في أي لحظة بعيد قمة آستانة المقبلة.
أمريكا وميزان القوى الجديد
وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من تصريحات أمريكية تؤكد صراحةً بضرورة خروج القوات الأجنبية من سوريا باستثناء روسيا وأمريكا، وهو ما يفسر على أن جولة جديدة من التفاهمات الدولية وتغير خارطة النفوذ على الأرض قد بدأت، وربما تدخل مدينة إدلب والشمال السوري في البازار السياسي الدولي بين القوتين الرئيسيتين في سوريا.