نظراً لحاجة مواطني الشمال السوري إلى المواد الأساسية الغذائية منها والتموينية في ظل الحصار المفروض على المنطقة، واتباع دول الجوار سياسة التجويع ومنعهم دخول تلك المواد عبر المعابر الحدودية، جاءت جمعية هفكرتن الاستهلاكية التعانية في شمال سورية لتنفيذ المشاريع الاقتصادية في المدينة في محاولة لكسر الأسعار الاحتكارية من قبل بعض تجار الأزمات والحروب؛ حيث أخذت على عاتقها مهمة منع احتكار الشركات التجارية وبعض تجار المواد الأساسية، وتأمين المواد بأسعارٍ تلائم القدرة الشرائية للمواطنين.
نشر ثقافة التعاون بين أفراد المجتمع
يعتبر مشروع جمعية هفكرتن هاماً؛ إذ يهدف إلى تأمين فرص العمل للمواطنين، بالإضافة إلى نشر ثقافة التعاون بين أفراد المجتمع؛ ومهمتها منع التلاعب بالأسعار وكسر احتكار بعض التجار للمواد الغذائية الأساسية والتموينية مثل السكر والبرغل والزيوت والرز وكل المواد ووضعها في المتناول بثمنٍ أرخص وأقل من أسعار السوق، فجمعية هفكرتن تساهم في تنفيذ مشاريع اقتصادية في الشمال السوري واستيراد المواد الاستهلاكية الأساسية بحيث يعود بالنفع على العاملين في الجمعية وعلى المواطنين جميعاً، نتيجة كسر حالة الاحتكار.
ولمعرفة المزيد عن عمل جمعية هفكرتن وعن نشاطاتها الحديثة، قامت صحيفتنا بزيارة مركز الجمعية في مدينة قامشلو بإقليم الجزيرة، وأجرينا اللقاء التالي مع أعضاء الإدارة العامة الاقتصادية في الجمعيات التعاونية رشاد كايماز وطيب عمر حيث أفادانا: «تُعنى الجمعية بعدة جوانب اقتصادية (تجارية، صناعية، زراعية، تربية مواشي، جمعيات تعاونية، مؤسسات استهلاكية)، وتهدف لبناء مجتمعٍ اقتصادي تنظيمي مجتمعي ديمقراطي، ويتغير عمل كل جمعية بحسب الوضع الاقتصادي العام وحسب المستلزمات الاقتصادية للمواطنين من تجارية وصناعية وزراعية؛ وللوصول إلى عملٍ اقتصادي مستقل علينا تنظيم أنفسنا وفق مخططٍ تنظيمي مجتمعي، حيث يمكن لكل مواطن المساهمة بمبلغ مالي معين كلٌّ حسب قدرته، وبالتالي امتلاك عددٍ من الأسهم في الجمعية التعاونية، كما تقوم هفكرتن بالمساهمة بنسبة تقارب النصف أو أكثر من أسهم المشروع لتسهيل عمل الجمعيات التعاونية، وحرصاً منها على الاكتفاء الذاتي، ويتم تجميع رأس المال من قبل المواطنين الراغبين بالمساهمة في الجمعية، وتقام المشاريع حسب ما يتطلب الوضع الاقتصادي في روج آفا».
يقوم المواطنون بالتسجيل في الجمعية عن طريق الاشتراك بالأسهم التي تقدر قيمتها بـ 15 ألف ليرة سورية لكل سهم، وذلك لكي تقوم بتطوير الواقع الاقتصادي في المنطقة وعن طريق التبادلات التجارية؛ وتتميز الجمعية بأسعارها المنافسة للمواد الموجودة في السوق وبيعها بثمن أرخص بالمقارنة مع غيرها من المراكز التجارية.
ونوه الإداريان إلى ظهور فكرة افتتاح جمعية هفكرتن منذ عام 2015م، وفي أواخر العام المذكور تم جمع الأسهم، وفي بداية عام 2016م، دخل المشروع حيز التنفيذ، حيث قدرت قيمة الأسهم بـ 10 آلاف سهماً وكل سهم بقيمة 15 ألف ليرة سورية، وبنيت كمركزٍ عام، وبعد ستة أشهر تم توزيع الفائدة على المشاركين وقدرت بـ (6500) ليرة سورية، وخلال سنة واحدة فقط من المساهمة بـ 15 ألف ليرة حصل كل سهم على فائدة 12500 ليرة، تم توزيعها على أصحاب الأسهم.
كما تم فرز كل منطقة على حدا من ديرك وحتى سري كانيه وتم توزيع فائدتها على المشاركين من أبناء المنطقة، أي أن كل الأعضاء يعتبرون أعضاء مجلس هفكرتن، ويمكنهم أن يختاروا إداريو المجلس الذي يحق له أن يبيع ويشتري كل المنتجات وزيادة الأعضاء، بالإضافة إلى أن هفكرتن المركزية تقوم بمساعدة مراكز المناطق الأخرى.
لعبت دوراً ريادياً في تحقيق التوازن الاقتصادي
وأشار الإداريان في الجمعية إلى أن الهدف الأساسي هو تأمين المواد الغذائية للمواطنين ومن المصدر المنشأ، وكان السبب في إنشاء هفكرتن هو الحاجة إلى القسم التجاري، حيث لقي تقبلاً من المواطنين ومشاركةً من كافة المناطق، وتم شرحه كمشروع اقتصادي، وتمت المشاركة من قبل الكومينات والمجالس والمؤسسات وتم الإعلان عنها، ولأنه في أواخر عام 2016 و2017م تم العمل على طرح مشروع الفيدرالية في شمال سورية الذي لاقى قبولاً ونجاحاً كبيرين، قررت تركيا النيل من هذا المشروع بشكلٍ مغاير عبر إغلاق المعابر الحدودية وممارسة سياسة التجويع على أهالي الشمال السوري، لكن الإدارة الذاتية لم تبق مكتوفة الأيدي وبدأت بالعمل على إنشاء الجمعيات التعاونية، ولعبت شركة هفكرتن دوراً ريادياً في تحقيق توازن اقتصادي في المنطقة في ظل الحصار الذي المفروض على روج آفا، وذلك بالاعتماد على الإمكانيات التي تساهم في النهوض بالواقع الاقتصادي في المنطقة.
وقال الإداريان: «علينا ألا ننظر إلى هفكرتن كجمعية تعاونية فقط، ففي شمال سورية وفي إقليم الجزيرة بشكلٍ خاص اعتبرت هفكرتن شركة عامة؛ لأنها تقوم بمساعدة الجمعيات التعاونية كلها، حيث تعمل 600 عائلة في الجمعيات التعاونية ومنهم من عوائل الشهداء، بالإضافة إلى إنشاء معامل الحلاوة وتأهيل الحدائق وإنشاء الأفران. وهناك أربعة مواد أساسية تأتي من خارج روج آفا، ومنها السكر والسماد والإسمنت والحديد، بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى مثل الزيت النباتي والأرز؛ ونظراً لحاجة المواطنين إلى الكهرباء عملت هفكرتن على إقامة جمعية المولدات الكهربائية، ففي قامشلو وعامودا وسري كانيه وتل تمر وشدادي وتل براك والحسكة قامت هفكرتن بمساعدتهم من الناحية المادية، كما أنها قامت بمساعدة جمعية بيريفان للمواشي، وشاركت في جمعية قامشلو بمقدار 100 سهم، أي أنها تقدر بـ مليونين ونصف المليون ليرة سورية، كما يتم مساعدة تلك الجمعيات من ناحية تقديم الأعلاف لها».
المعوقات التي تعرقل الواقع الاقتصادي
وأشار الأعضاء إلى المعوقات التي اعترضت عمل الجمعية وهي إغلاق المعابر الحدودية (معبر سيمالكا، معبر مبروكة) اللذين يتم من خلالهما تأمين المواد اللازمة للمنطقة، حيث سعت تركيا إلى فرض حصار اقتصادي على روج آفا وشمال سورية بعد فشلها من الناحية السياسية والعسكرية محاولة إخضاع الشعب من خلال لقمة العيش؛ وهذه المعوقات كانت تعرقل تقدم الواقع الاقتصادي في إقليم الجزيرة، لذلك جاءت هفكرتن لتحقق الحد من الاحتكار وتحكم بعض التجار في السوق السوداء من خلال عمليات البيع والشراء وفقاً لمصالحهم الشخصية، فعلى سبيل المثال عند دخول الحشد الشعبي في كركوك لم يعد بالإمكان استيراد الإسمنت من باشور كردستان وارتفع سعر كيس الإسمنت من (1800) ليرة سورية، إلى (5000) ل.س بعد إعلان وتوحيد السعر وبيعه في الأسواق بسعر (2200) ل.س، وعندما بدأت هفكرتن باستيراد الإسمنت انخفض سعر الإسمنت تلقائياً إلى (1800) ل.س، وكان هناك سوق للتهريب أي للتلاعب بأسعار الفاتورة النظامية لكي يتحكموا بالمواطن الذي هو بحاجة ماسة لتلك المواد.
ففي فترة انقطاع مادة السكر من إقليم الجزيرة والتي خلقت مشكلةً كبيرة، ووصل سعر كيس السكر الذي يقدر بـ (50) ألف ل.س، وكان يباع بـ (60) ألف ليرة سورية ومنهم من باع بسعر 45 ألف ليرة، عندها قررت هفكرتن توزيع مادة السكر على المواطنين وانخفض سعره إلى (17 – 22) ألفاً، وحالياً يتم بيعه بـ (13) ألفاً، فعلى التجار التفكير بمصلحة شعبه ووطنه قبل الأرباح التجارية، وأنه بدون المجتمع لن يكون هناك تجار، وهناك حقيقة حققتها هفكرتن ألا وهي بدء بعض التجار بخفض أسعار المواد بقيمةٍ أقل من أسعار الجمعية، وبذلك يكون المستفيد هو المواطن وكافة المجتمع، وكل من يعيش في الشمال السوري.
وقبل أن تكون هفكرتن جمعيةً، فهي شركة وانتسب الكثير من المواطنين إليها وعندها أنشئ دار واتحاد التعاونيات، وكل جمعية يجب أن يكون لها عضو إداري فيها يقوم بكافة أعمالها، وجاءت هفكرتن لتكون متعاونة مع المواطنين ومع التجار بالوقت نفسه، وجاءت للحد من الاحتكار، وإن الجمعيات التعاونية تعتبر اللبنة الأساسية للاقتصاد، وتم التشجيع على هذا الأمر الكثير من الجمعيات ويتم توزيع منتجاتها عن طريق جمعية هفكرتن، كما تم إنشاء معامل لعوائل الشهداء، وتعتبر هفكرتن صندوق المجتمع، كما تم مساعدة جمعيات المولدات الكهربائية بـ 3 ملايين دولار، بالإضافة إلى بناء الكثير من الجوامع ومساعدة المرضى والفقراء وتأهيل الحدائق والعمل على المسائل الإنسانية أكثر.
والجدير بالذكر أن هناك أكثر من 200 جمعية تعاونية ما بين صناعية وزراعية وتجارية ومواشي، وكل جمعية تقوم بتوزيع الفوائد حسب الإمكانية، فمنهم من يقوم بتوزيع المواد التموينية، ومنهم من يوزع الفوائد المستحقة، ولا يسمح للأعضاء العمل دون سن 16 سنة، كما يتم المداخلة في حال وجود مشاكل أو شكاوي ضمن الجمعيات، وهناك قانون ونظام داخلي خاص بهفكرتن.
ونوه الإداريان: «نناشد المؤسسات المدنية والعسكرية بأن تقوم بالشراء من هفكرتن لأن الجمعية تقوم بخدمة المجتمع، والرأسمالية دائماً تريد أن تشرب من دم المواطنين، ففي آخر اجتماع لهفكرتن تم أخذ قرار بخصوص قسم المحاسبة الذي تم إنشاؤه في الجمعية، كما تم تدريبهم بشكلٍ جيد على نظام العمل».
الهدف من الجمعيات التعاونية
عن أهداف الجمعيات التعاونية؛ أكد أعضاء الإدارة العامة الاقتصادية في الجمعيات التعاونية كل من رشاد كايماز وطيب عمر قائلين: «إن الهدف من إنشاء الجمعيات التعاونية هو كسر السوق السوداء وإقامة مشاريع بنّاءة من شأنها رفع المستوى المعيشي للمواطن والاكتفاء الذاتي لسكان شمال سورية، حيث أننا مررنا بظروف قاسية منذ ما يقارب السبع سنوات في ظل الحصار المفروض علينا من كل الجهات، وبما أن مناطقنا غنية زراعياً بإمكاننا تصنيع المواد الخام وعدم الاضطرار لاستيرادها من الخارج، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار نوعاً ما وتحسين الوضع المعيشي للمواطن. لذلك؛ علينا إقامة المزيد من الجمعيات التعاونية في كل المناطق لتغطية احتياجات روج آفا وشمال سورية كافة والمضي قدماً في إنشاء المشاريع التجارية والصناعية والزراعية».