مازالت قضايا المرأة من أصعب القضايا في العالم العربي، لا سيما في السينما. لكن المخرجة التونسية هند بوجمعة تناولت قضية شائكة في فيلمها الأخير “نورة تحلم” بطولة هند صبري، من بين قضايا كثيرة مسكوت عنها في المجتمع العربي، وفي بيئة الطبقة العاملة التي قلما تظهر في السينما التونسية.
يدور الفيلم حول “نورة” وهي امرأة عاملة، وأم لثلاثة أطفال، تكافح لكسب قوت أولادها، بعد سجن زوجها في قضايا سرقة وقتل ونصب، لكنها تقاتل أيضاً من أجل سعادتها، ومن أجل حقها في الحرية والاختيار، في ظل الظروف الصعبة.
بعد سجن زوجها، تتعرف نورة على “لسعد” الذي يقوم بدوره الممثل “حكيم بومسعودي” وتقرر تطليق زوجها، بسبب سجنه وجرائمه المتعددة، ولكن قبيل التطليق بأيام، يفرج عن الزوج “لطفي عبدلي” بعفو رئاسي، وتفاجأ به فوق رأسها في مقر عملها. تتألق هند صبري في تمثيل دور المرأة التي لا تطيق زوجها، إنسانياً أو عاطفياً، ولا تحاول إخفاء تلك المشاعر عنه. ويظهر في هذا الجزء من الفيلم، تناقضات الأب، الذي يبدو محباً عطوفاً على أبنائه بالرغم من نفاد صبره، ومزاجه المتقلب. لا تجد نورة اللحظة المناسبة، لإخبار زوجها بشأن رغبتها في الطلاق، حتى يكتشف الحقيقة، فيظهر الجانب العنيف من شخصيته، وينتقم من نورة ولسعد بشكل قاس وهمجي.
لا يقدم الفيلم ملائكة وأشرار، ولا يطرح أحكاماً مطلقة، لكنه يقدم جوانب إنسانية من كل شخصية من شخصيات الفيلم، حتى أن المشاهد ربما يتعاطف مع الشخص القاسي في بعض ردود أفعاله، تبعاً لسياق الحكاية.
رؤى غير مألوفة
تقوم المخرجة بتشريح العلاقات غير المتكافئة بين الذكور والإناث، وكذلك عدم عقلانية العلاقات العاطفية، بفضل نص يستند إلى قصة حقيقية، كما ترسم صورة دقيقة للمجتمع التونسي الذي لا يظهر غالباً في وسائل الإعلام، وتعرض قضايا العنف المجتمعي، وفساد الشرطة، والهيمنة الذكورية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على نظرة المجتمع السلبية لأقارب المسجون وأبنائه، وعدم تقبله له بعد خروجه من السجن، مما يدفعه إلى الاستمرار في الإجرام.
لم يأتِ الفيلم رومانسياً كما يتصور المشاهد قبل متابعة مشاهدته، لكنه جاء واقعياً في قصته القاسية، يتأرجح بين الحلم والواقع في طريقة السرد التي اختارتها المخرجة لرواية تفاصيل الحكاية، بالإضافة إلى اللغة السوقية التي اختارتها في كثير من مشاهد الفيلم، والتي تعيدنا إلى جدلية قديمة عن طرق تقديم الواقع في السينما، وهل يقدم المخرج الواقع كما هو تماماً، أم يجعله أكثر جمالاً وأقل قسوة من خلال رؤيته الخاصة.
بدون أحكام
تحاول المخرجة أن تقدم القضية بدون أحكام منها على البطلة، إذ صنعت فيلماً بدون أي تلميحات أو تقييم للشخصيات، ورسمت الشخصيات الثلاث بتوازن، وركزت على المرأة التي تكسر الصورة النمطية المعتادة في السينما العربية عن المرأة الأربعينية. ينتهي الفيلم فجأة دون إيحاءات تدريجية بقرب النهاية، وتستفيق نورة من الحلم، على رنين الهاتف، دون أن نعرف كمشاهدين من المتصل، ولا أين بدأ الحلم وانتهى الواقع، لتترك المخرجة النهاية مفتوحة لكل الاحتمالات المختلفة، تبعاً لقرار كل مشاهد.
عن المخرجة
بدأت بوجمعة مشوارها الفني، خلال الثورة التونسية عام 2011م. وتقول في حديث إعلامي سابق لها عن الثورة “عندما يمر بلدك بهذا النوع من التغيير، يكون له تأثير على اللاوعي الجمعي، وتدرك أن كل شيء ممكن، ويتضمن ذلك كل الأشياء التي تريدها لنفسك. أراد الجميع أشياء مختلفة في ذلك الوقت، وبالنسبة لي كانت أمنيتي أن أصنع الأفلام”. تضيف “بدأت في أقل الفترات إثارة من حياة المرأة، عندما تكون في الأربعينيات، ينظر إليها العالم كأم، وشخص لديه واجبات تجاه عائلته. في ذلك الوقت قررت اتباع حلمي الذي كان مؤجلاً لأكثر من 20 عاماً”.