نحن جميعاً ننتظر أن تنهي المرأة الحرب، فمنذ اليوم الأول للحرب في سوريا، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم، كان للمرأة دور رئيس فيها، لكن عندما يستلزم الأمر مشاركتها سياسياً، تكون على الهامش، فتحضر بأعداد رمزية قد تصل لامرأة واحدة أو اثنتين، ليهلل الإعلام لتلك المشاركة مؤكداً على منح المرأة حقها في المشاركة السياسية؛ مما استدعى مطالبة نساء سوريات لمجلس الأمن بالضغط لإشراك المرأة السورية في عملية التفاوض للتوصل إلى حل سياسي في سوريا، والتأكيد على حضورها بنسبة 30% في كل لجان التفاوض وكل مراحل العملية التفاوضية في جنيف.
لقد لعب الإعلام دوراً سلبياً في تغطيته مشاركة المرأة السورية في العملية التفاوضية، فضخم ذلك الدور، كونه يصور وجود المرأة في العملية السياسية على أنه معركة ضد الرجل، وليس كحق يجب أن ترعاه القوانين باعتبارها طرفاً أساسياً في الحياة المدنية والسياسية، ويحق لها ممارسة أي نشاط فكري أو سياسي.
ومما لا شك فيه أن التركيز على مشاركة النساء في صنع السلام، الذي تُعتبر العمليات التفاوضية جزءاً أساسياً منه، هو أمر شديد الأهمية ولا يحتاج إلى مناسبة، لكن الإعلام يبالغ كثيراً في إظهار النساء كمنتصرات حصلن على الكثير من المكاسب، وربما أكثر مما يستحققنه، علماً أن المرأة حصلت على هذه المكاسب من خلال نضالها وقدراتها الثقافية والفكرية. لذا؛ يتعين أن يكرس الخطاب السياسي للإعلام المساواةَ الكاملة بين المرأة والرجل، وأن يجسد هذا الخطاب في الممارسات الميدانية باعتماد المعايير الموضوعية والقانونية لحق المرأة في التمثيل السياسي، المعايير التي تعتبر مشاركتها في العملية التفاوضية وحل النزاعات جزءاً أساسياً منه، بالإضافة إلى حشد الدعم لمشاركة النساء بشكلٍ كبيرٍ في عملية المفاوضات وتمثيل النساء سياسياً في أي عملية انتقال سياسي أو عدالة انتقالية في سوريا.
تاريخياً، بقي مجال المرأة على طاولة صنع القرار خلال النزاع غائباً أو هامشياً، لكن أعداداً متزايدة من النساء والجماعات النسائية أصبحت اليوم تدرك مغزى مشاركتها النشيطة ومساهمتها في عملية السلام. لذا؛ تستخدم أولئك النساء الدعوة لاعتماد نظام الحصة (الكوتا) كإجراء هام لضمان تواجدهن على طاولات المفاوضات. وقد ساعدت هذه الحصص النساء على المناداة بمطالبهن ومصالحهن خلال عمليات المفاوضات في دول مثل (كينيا، أوغندا، رواندا، ناميبيا والصومال). وهل ننسى الليبيرية “ليما غبوي”، التي ساهمت في وقف الحرب الأهلية في ليبيريا عبر ثورتها النسوية السلميّة، التي استحقت عليها جائزة نوبل للسلام، والأهم من ذلك أن جهودها وغيرها من نساء حركتها مهدت الطريق لوصول امرأة للرئاسة، كانت الأولى لذلك البلد الأفريقي.
وفي الوقت الذي يلعب فيه المجتمع الدولي دوراً رئيساً في إقرار هذه الإجراءات في دول النزاعات، علينا الاعتراف بجهود النساء أنفسهن والمدى الذي حظيت به هذه المطالب من التأييد من القواعد ومنظمات المجتمع المدني. في المقابل؛ على النساء الاستفادة من الإعلام، من خلال التواصل والعمل مع مؤسساته للتأكيد على ضرورة أن تحظى جهودهن لبناء السلام بالتغطية الإعلامية.