عبد الرحمن ربوع
نعيش ثنائيات “النخبة والشارع” في العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والأدبية، حيث يبدو أن النخبة تقبع في قوقعة منعزلة عن محيطها وجمهورها وترصد المشكلات وتحلل الظواهر وتبتكر الحلول، وربما يتسنى لها نشر خُلاصاتها في كتب أو مقالات، أو تمريقها لمؤسسات وصُناع قرار فتصبح سياسات واستراتيجيات ونظام حكم وإدارة.
هذا فيما ينتظر الشارع من نخبه التي يحترمها ويقدّرها الحصول على سلة حلول لمشاكله وقضاياه، وتلبي حاجاته وتحقق طموحاته، لأنه يدرك أن كل حياته مرتبطة بسياسة دولته ونظامه الاجتماعي، كما أنه يثق في النخبة الفكرية أنها منسجمة مع مبادئها وثقافتها وعلمها الرصين الذي لا يُحابي حزبًا أو مسؤولًا، كما لا يحابي هوىً شخصيًا أو مصلحة فئوية ضيقة.
إن أي حديث عن تلاقي النخب بالشارع بطريقة أو صورة مباشرة، كما يحلو للبعض مناقشته، حديث عبثي لا طائل منه. لا يمكن لأفراد النُخبة الفكرية والعلمية والأدبية أن يكونوا مفيدين أو مؤثرين في عامة مواطنيهم مهما كانت درجة قُربهم منهم أو جوارهم لهم، فهناك فروق جوهرية وموضوعية بين الطرفين تجعل الحديث والحوار بينهما “حديث طرشان” أو حديثًا عقيمًا من مستويين لغويين وفكريين مختلفين أو متوازيين لا يلتقيان، وإن كان بالإمكان تبسيط كل القضايا وحلولها لتصبح مفهومة ومقبولة ومتوافق عليها من الجميع.
فالنُخبة السياسية على سبيل المثال لا يمكنها إدارة المجتمع أو تطويره بدون عامة المواطنين، فهم الحامل الرئيسي لأي مشروع وطني. سواء كان ذلك نضالًا لأجل التحرر والاستقلال أو التطوير والتحديث أو أي غرض عام آخر. ولا يمكن للنخبة السياسية الاضطلاع بأي مشروع وطني بدون قوة وجهد وتضحية كل أبناء الوطن أو معظمهم على الأقل.
ويعتقد البعض أن كل إخفاقاتنا سببها النخبة المقيمة في برجها العالي المتعالية على هموم المواطن البسيط وحاجاته وآماله، لكن هذا غير صحيح بالمطلق فالنخبة لا تكون نخبة طالما أنها لم تنغمس بهموم وحاجات وآمال مواطنيها، وعدا ذلك لا يمكن اعتبارها نخبة.