روناهي/ قامشلو- “لا تلزمني هذه الكميات من الأدوية التي تجلبينها لي كل يوم، فرؤيتي لأطفالي سعداء تغنيني عن تناول هذه الأدوية، لذا اشتري بثمنها طعاماً لهم”! بكلامه هذا يؤكد عزالدين معو مدى تفانيه وتضحيته ليعيش أطفاله حياة هانئة بالرغم من وضعه الصعب.
ذوي الاحتياجات الخاصة أو كما يطلق عليهم ذوي الهمم أشخاص يعانون اضطرابات ربما تكون جسدية أو حسية أو عقلية أو نفسية أو حتى عصبية كل حسب حالته فيحتاجون لخدمة أكثر من الإنسان الطبيعي ولكن هناك الكثير منهم ممن أثبتوا بأن لديهم قدرات كما غيرهم وتجاوزوا الصعاب وعاشوا حياتهم دون مد يد الحاجة لأحد.
كيف يعيل معو نفسه وأسرته؟؟؟
عند رؤية شخص من ذوي الهمم في وضع معيشي صعب تتحرك مشاعرنا نحوه مباشرةً دون استئذان رغبةً منا بمعرفة كيفية تدبيره لأموره المعيشية، لأنه في مناطقنا تهمش هذه الفئة من قبل المنظمات الإنسانية، وفي معظم الأحيان من قبل الجهات المعنية أيضاً، والتي بسبب قلة إمكاناتها لا تستطيع تقديم يد العون بالشكل المطلوب لهم.
في إحدى أحياء مدينة قامشلو بحي الهلالية بالتحديد، وجدنا رجل من ذوي الهمم “يعاني إعاقة في رجليه وضعيف البصر بسبب أمراض حلت به” جالس في دكان إسمنت غير مخدم وشديد الحرارة ليس فيه أي تكييف وأمامه كمية من الخضرة يبيعها بمفرده، وجدناه منهمكاً في البيع دون اكتراث لظرفه الصحي وحرارة المحل الشديدة.
معاناته مع المرض..
ولعزيمته وقوة الإرادة التي كانت بادية على ملامحه زادت رغبتنا بالتعرف عليه عن قرب أكثر ومعرفة كيف يعيل نفسه وأسرته، وما إذا يُقدم يد العون له من جهة ما؟ حيث حدثنا عزالدين معو الذي يبلغ من العمر واحد وأربعون سنة من أهالي حي الهلالية في مدينة قامشلو، الأب لأربعة أطفال “ثلاث بنات وولد” بأعمار لا تتجاوز خمسة عشر عاماً بالقول: “بعد انتظار طويل وصبر تجاوز ثلاثة عشر عاماً من زواجي رزقت بأول طفل لي، وهنا بدأت معاناتي مع المرض”.
حيث شكى معو في بداية مرضه من ألم في عينيه ورافقه نقص في الرؤية اضطر إلى ترك عمله كسائق لسيارة كان يملكها، وبسبب احتياجات العائلة المادية وأجرة المنزل الذي يدفعه كل شهر اضطر معو إلى بيع سيارته وبقي ملازماً للمنزل عاطلاً عن العمل، وبعدها بفترة وجيزة أصابه مرض السكري وضغط الشرايين ونقص حاد في الرؤية مما تسبب له بشلل نصفي أيضاً.
عن يوم إصابته بالشلل النصفي قال معو: “في إحدى الأيام قبل عدة أشهر استيقظت من النوم فجأةً ولم استطيع تحريك رجلي ويدي اليسرى، لم يخطر ببالي فعل شيء سوى مناداة زوجتي وإخبارها بما يجري معي”.
لم يستطع إكمال معالجته؟
وعند ذهابه لطبيب في مدينة دمشق برفقة زوجته لتلقي العلاج، صرح له الطبيب بأن حالته سببها نقص في تروية الأعصاب، وبأن فرصة الشفاء لديه ضئيلة، ولسوء وضعه الاقتصادي وعدم تلقي المساعدة من أحد لم يستطع إكمال معالجته، منوهاً بأن أطفاله صغار لم يستطيع الاعتماد عليهم ولم يجد أحد من أقاربه يساعده، والشيء الذي أثقل كاهله أكثر كان أجرة المنزل الذي يسكنه ومصاريف دراسة أولاده، على حد تعبيره.
وبعد هذه الأمراض التي حلت به وإعاقته والضائقة المادية التي بدأ يعانيها وأسرته، أثر ذلك على نفسيته سلباً، بالرغم من قوة إرادته وعزيمته الصلبة ولكن عجزه عن تأمين حياة هانئة لأطفاله كانت تملئ عينيه بالدموع كلما تحدث عن وضعه المعيشي، فكان كالمد والجزر يتقلب بين العزيمة والإرادة وبين الوضع المعيشي والمعنوي المتأزم الذي يعيشه، وبين رغبته بالاعتماد على نفسه دون طلب مساعدة الآخرين وتحدي الظروف المعيشية الصعبة الراهنة في وقتنا الحالي دون استسلام.
ويتابع معو قائلاً: أقول لزوجتي كل يوم: “لا تلزمني هذه الكميات من الأدوية التي تجلبينها لي كل يوم، فرؤيتي لأطفالنا سعداء تغنيني عن تناول هذه الأدوية، لذا اشتري بثمنها طعاماً لهم”.
“العمل لم يؤمن ما نحتاج إليه”
وحول كيفية عمله في بيع الخضروات، قال عزالدين معو: “رغبتي في العمل بكرامتي دون أن أحتاج لمد يدي لأحد دفعتني لأطلب من أحد الجيران أن يؤجرني محله الذي هو بالقرب من منزلي لأعمل فيه كي أؤمن لقمة العيش لأولادي، فوافق جاري، وأصر أن أعمل فيها من دون مقابل، فبدأت بالعمل بهذا المحل أذهب كل صباح إليه متكئاً على عكازتي بمساعدة من زوجتي وأخي الذي كان يحضر لي الخضرة من السوق، فأفتح محل الخضرة منذ ساعات الصباح إلى الظهيرة ومن ساعات العصر حتى المساء”.
وبعد أيام قليلة زرنا معو مرة أخرى لنطمئن على وضعه وجدنا محله مسكراً، فتساءلنا منه حول السبب في إغلاقه لمحله قال: “هذا العمل لم يؤمن ما نحتاج إليه أنا وعائلتي، وكنت أخسر في بيع الخضرة لذا سكرت المحل وبقيت عاطلاً عن العمل، فكيف سأعيل أسرتي لا أعلم؟؟؟”!
ليس كل فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة كما يراه بعض الأفراد في المجتمع عاجز، فالعجز يأتي من اليأس والاستسلام وكثيراً ما نجد الناس الأصحاء عاجزين، بعكس الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين نراهم يتمتعون بعزيمة ثابتة وبالرغم من عدم توفر أبسط المقومات التي تساعدهم في مجتمعاتنا إلا أنهم بقوة إرادتهم وحبهم للحياة يتغلبون على كافة مصاعبهم، ولكن مازالوا يحتاجون الكثير من الدعم ليعيشوا الحياة التي يتمنوها، فالكثيرين منهم جل أمانيهم الحصول على عمل يعيلهم كي لا يحتاجوا أحداً، وتبقى أمانيهم برسم المعنيين.