No Result
View All Result
المشاهدات 0
حاوره/ خضر الجاسم –
قيل في منبج إنها مدينة الشعراء، وهي بذلك لا تنفك من إنجاب الشعراء الذائعين الشهرة على مرّ العصور، كما أنها أنجبت سابقاً دوقلة والبحتري وأبو فراس وغيرهم.
وفي حاضرها أولت الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج النخبة المثقفة اهتماماً ملحوظاً، وذلك بفتح ذراعيها لهم من خلال إقامة المنتديات والندوات والأمسيات، وضمان مشاركتهم فيها رغبة منها في تشجيعهم وتحقيق طموحاتهم في مختلف المحافل الثقافية. وللتعرف على المواهب الشابة الطموحة لدعمها التقينا بالشاعر الشاب خضر الحمادي أحد هذه المواهب، مكان لنا معه الحوار التالي:
ـ ماذا يعني الشعر للشاعر خضر الحمادي؟
الشعر هو أوكسجين الروح، هو الجسر الواصل إلى فضاء رحب، يأسر الشعر فيه دقائقاً هاربةً من اللاشعور، في الوجود لحظات خفية، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الشعور أو عبر الفن عموماً، هذا إذا تجاوزنا أهميته الثقافية، والشعر العربي يحمل ملامح الهوية العربية والثقافية التي يعتز بها العرب عبر العصور، وقد تكون منطقاً لوعي حضاري قادم.
ـ كيف كانت بداياتك الأولى في قرض الشعر وما الدافع إليها؟
أي بداية في أي تجربة شعرية لا يمكن أن تأتي من فراغ، في المرحلة الإعدادية كانت تجذبني القصائد الموجودة في المنهاج الدراسي، وكنت أحمل تفكيراً حالماً من الممكن أن يكون بداية لكتابة الشعر، ولم أكن أعرف بعد موسيقا الشعر العربي، فكانت محاولاتي خربشات طفولية، وفي بداية المرحلة الثانوية تعرّفت على موسيقا الشعر العربية، وبدأت أكتب على عروضها، وكنت أعرض محاولاتي على أساتذتي، ولقيت منهم التشجيع الكبير، ومن بين هذه المحاولات:
الحب يضني قلوب الناس من كانا ويشعل القلب والأحشاء نيرانا
طيف الأحبّة يضنيني ويجعلني أشدو بقيثارة الأزمان أحزانا
ـ كيف ينظر الشاعر خضر الحمادي للمرأة في شعره؟
لا يستطيع إدراك قيمة المرأة ومعنى وجودها إلا الشعراء، ربما لأنهم يملكون قلوباً وعواطف أرق من سواهم، وهي منبع الجمال والعاطفة الإنسانية، فالمرأة أيقونة الشعر، وهي الشجرة التي تخفي الغابة، هي هاجس الشعر العربي على العموم، والمحرّض على الغوص في فضاء الحنين والألم والانتظار، حتى وجدت نفسي أتخلّى عن وجودها الماديّ والحقيقيّ، كلما اكتشفت بأنني منفيّ عنها، واحتفظ برمز هويتها المتأصّلة في خاطري، هي المناخ الخصب الذي يروي جدول الشعر.
ـ الشاعر ابن بيئته، هل يصدق هذا القول عند الشاعر خضر وأين يتجلى ذلك؟
لا بدّ من أن تلعب البيئة دوراً في هوية الشاعر أو اتجاهه الشعري، لكن نحن الآن في عالم أصبح التجوال فيه سهلاً عبر وسائل التواصل وصفحاته، لذلك قد يتأثر الشاعر ببيئات متعددة، ويكون منتمياً بشكل أو بآخر لعوالم متعددة جداً، ومن خلال الكتب التي يقوم بقراءتها، ومن خلال اتجاهاته الفكرية وميوله وطريقة نظرته للثقافة والعلم، وبالنهاية الطبيعة الجغرافية والمناخية، والبيئة الاجتماعية … كل هذه الأمور تلعب دوراً في تشكيل شخصية خاصة بشاعر ما.
أمَحْيـَاكِ قَلْبِيْ وَلَيْسَ حـَلَـبْ
وَشِعْرِيْ عَلِيْلٌ وَأنْتِ السَّبَبْ
فَقَالَتْ: وَمَا حـَلَـبٌ مَسْكَنِيْ
فَإنِّيْ أُقِـيْـمُ “بِعـَيْـنِ العَـرَبْ”
وَمَنْبِجُ تَرْكُضُ خَلْـفَ الجَّـوَى
تُلَمْلِمُ طَيْشِـيْ إذَا مَا انسكِبْ
ـ للطبيعة وما يحيط بالشاعر دورها ووجودها أين ذاك في شعر خضر الحمادي وما أثرها؟
قد ترسم الطبيعة تضاريساً في ذهنية الشاعر؛ ليتأمل الوجود من خلالها، لكن لا أراها أكثر من مخزن ينهل منه الشاعر صوره وتراكيبه في رسم صور الخطاب عنده، وعند الرومانتيكيين فللطبيعة شأن آخر.
ما يلهمني على الأرجح هو الألم، أجده صدى لأيّ حرف يخطًه القلم، هو يقين أيّ شيء، والفرح أمر عابر غير مألوف، كذلك المزاج المتقلًب يجعل الشاعر يبحر في خطر دائم، وفي هواجس لا تنتهي، أستطيع أن أقول بأن المرأة محور كتاباتي الشعرية بشكل أو بآخر.
ـ الشاعر في أوربا اجتاز القضايا الواقعية بل أنه ذهب أبعد من ذلك إلى قضايا ما بعد الحداثة، لماذا برأيك؟
الأدب الغربي الآن فَقَد توهجه القديم الناصع، الذي كان ابن ثورة، فكان المجتمع صدى للقصيدة، واليوم أصبح منشغلاً في روتين مدنيّ حياتيّ، ولم يعد يحمل ذلك الفكر النبيل. وهناك إحصائيات تدلّ على تدنًي نسبة تعاطي الشعر لدرجة مذهلة. ومهما كان منخرطاً في السريالية وما بعد الطبيعة فلن يخاطب إلا فئة نادرة. ومصطلح (ما بعد الحداثة) أجده هروباً من تطور الشعر الطبيعي إلى ضياع مشروع، ويوتوبيا ضائعة، لأن الشعر لا يجب أن يغيب عن المجتمع؛ ولن يغيب.
أكلّما ذرفَ المساءُ صباحَهُا
تضحكُ دمعةٌ
فأهيمُ أشنقُ دمعةً أخرى
ويرثيها البكاءْ
ـ أي مدرسة أدبية يجد الشاعر خضر الحمادي نفسه فيها، وما أنماط القصيدة المثالية لديه؟
في الحقيقة أدبنا العربيّ، لا يمتلك مدرسة أدبية أو نظرية أدبية أو بما يعرف بالمذهب الأدبي، كيف لي أن أنتمي إلى مدرسة أدبية غربية، وهي نشأت ضمن ظروفها السياسية والاجتماعية، والواقع الذي أعيشه وطبيعة مجتمعي مختلفة تماماً. نستطيع أن نقول: كل ما ذهب إليه الشعراء العرب من خضوع لنظريات أدبية غربية، لن يخدم المجتمع العربي على الأرض، وإن وجدت المتعة في تعاطي هذه الأدوات في التقليد.
الغرض الشعري ومزاج الشاعر؛ يفرض عليه اختيار النمط المناسب في القصيدة فإذا تطلب شكلاً تقليدياً لا بأس في ذلك، وإذا تطلًب شكلاً حداثياً بحيث يتناسب مع تطورات الأدب العربي المستمرة، فلا يجب أن تبقى القصيدة التقليدية بثوبها القديم، فالمجتمع قد تغيّر، ولا بد من تغيير القصيدة لكن بما يناسب هوية الشعر العربي، وتطوره الطبيعي الذي بدأ منذ العصر الجاهلي … من المهلهل حتى هذه اللحظة. فالحداثة إشكالية طارئة على الشعر العربي، سوف يحكم عليها التاريخ في يوم ما.
عيـناكِ غابـةُ طـيفٍ داعبَـتْ أرقِي
أُثْنِي على الوردِ مِن عِطْرٍ لِمَثواكِ
كنْـتُ الخَلِيَّ ولمْ أخـضـعْ لِفَاتِـنَـةٍ
حتَّـى أتَـتْ تُلـهِمُ الأشــْعَارَ عيناكِ
ـ من وجهة نظر نقدية، أين يضع الشاعر خضر الحمادي نفسه؟
مهما كان الشاعر يرى ما لا يراه الأخرون، فلن يستطيع بأن يصف نفسه بشكل دقيق، فهذه مهمة النقاد، والواقع الثقافي يعبر عن ذلك أيضاً. لكن إذا حاولت وصف ذلك، على الرغم من حداثة وجودي على المشهد الشعريّ، أحاول أن أتطلّع لبناء آلية تستطيع إيصال الشعر إلى ذهنية جديدة، تدعو إلى تقبل الآخر، والانفتاح على العالم الثقافي.
وسألتُ نفسي كيفَ يكتبُ شاعرٌ
شـعـراً يغيـبُ الآنَ عن نـقـَّادِهِ
ما جنَّ خصرُ الليلِ يرشفُ نجمةً
كانَتْ ترى الإصباحَ مـن أضدادِهِ
ـ أي جديد من الشعر قد يظهر لنا عوالم شعر الحمادي ونسج أفكاره؟
لديً دواوين مخطوطة، والآن أقوم بإعداد ديواني البكر الذي سيصدر قريباً، أما الجديد في الشعر، فأنا من الذين يدعون إلى تجاوز التقليدية العمياء حتى نصل إلى الشعر الحداثيّ الذي يليق بتراثنا الأدبيّ.
No Result
View All Result