روناهي/ الشهباء: أنهى مهرجان ميتان المسرحي، دورتهُ الرابعة على أمل أن يغدو هذا المهرجان في دورته الخامسة مهرجاناً على مستوى سوريا والعالم وأن يُقام في أرضِ الزيتون “عفرين” بعد تحريرها، هذه كانت أُمنية القائمين والمُنظِمين لها في الشهباء، ورغم كل المصاعب، تميّزت هذه الدورة بالنجاح الباهر والحضور اللافت للجمهور رغم ظروف التهجير والحرب.
وبدأ حفل الختام على وقع صوت الطبل والزمر ولوحة فلكلورية راقصة من تراث عفرين قدّمتها فرقة “كفنا شوبي” للرقص الفلكلوري، وهدفت اللوحة الراقصة لتوعية الجمهور حول التكاتف وعدم الانجرار خلف الخلافات البسيطة البينية، وعرض المخرج المسرحي وعضو اللجنة التنظيمية محي الدين أرسلان “رؤية” للقائد الكردي عبدالله أوجلان حول ملحمة “درويشي عفدي” التي جُسّدت في مسرحية غنائية في اليوم الأخير من المهرجان.
وعُرض خلال أيام المهرجان الذي بدأ في السابع والعشرين من الشهر المنصرم بكرنفال ثقافي وفلكلوري. عشر مسرحيات دارات أفكارها حول حرية المرأة والصراع بين الخير والشر، وكيفية تحكم الأنظمة الحاكمة بعقول الشعوب ومقدراتها، ومسرحيات أخرى أثارت فكرة حماية الطبيعة والإنسان، وشاركت فرقتين مسرحيتين من حلب وإقليم الجزيرة في هذه الدورة، إضافة لمسرحية “سبع خيم” التي عُرضت في حفل الختام وتحدثت هذه المسرحية التي شاركت بها فرقة “خالقوا الأمل” في مهرجان الشهيد يكتا المسرحي، وتطرقت المسرحية إلى حالة عفرين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية قُبيل العدوان التركي، وكيف تحوّل أبنائها إلى ثوار ومدافعين عن أرضهم خلال العدوان وبعده.
تكريمُ الضيوف وإِلغاء المنافسة
وعلى مدار أثني عشر يوماً كانت قاعة المسرح التي تتسع لقرابة الأربعمئة شخص تكتظ بالحضور، وفي غالب الأحيان يعود عدد آخر أدراجهم لعدم توفر مقاعد فارغة، مما دفع باللجنة التنظيمية لوضع شاشة عرض كبيرة خارج المسرح ليتمكن أكبر عدد ممكن من متابعة عروض المهرجان.
وعلى خلاف السنوات السابقة لميتان، فضلت اللجنة التنظيمية إلغاء تقييم الأعمال المسرحية عبر اللجان الخاصة، وتقديم الجوائز للفائزين، واستعاضت عنها بتكريم الفرق المشاركة، إذ تم تكريم فرقة مركز جميل هورو للثقافة والفن وتسلمت المخرجة هيوا بطال درع المهرجان الذي صُنع اليوم من الفخار بدلاً من البرونز، وعن فرقة الهلال الذهبي “ساريا بارن” تسلّمت الممثلة شفين خليل الهدية، وبدروها قدّمت الإدارة الذاتية في عفرين هدية تذكارية للقائمين بالمهرجان وتسلمها عضو اللجنة التنظيمية سلام إيبو.
“عفرين جوهرة كردستان”
وقالت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي شيراز حمو في حفل الختام: “اليوم هذا المهرجان وصل إلى غايته، في توجيه رسالة للمحتل التركي وغيره، والتأكيد على أن هذا الشعب متمسك بثقافته، وهذه الثقافة هي رمز النضال والتمسك بالتراب والذي سيضمن العودة الأكيدة لعفرين”.
في حين شكر إيهان غورسيه باسم حركة الثقافة والفن في عفرين كل الحضور وجميع المساهمين في إنجاح هذا المهرجان، وتابع: “هذا المهرجان أظهر روح العفرينين، وتمسكهم بجوهر وحقيقة ترابط الإنسان بتراثه وأرضه”، ووصف إيهان الذي تعرّف على شعب عفرين في الشهباء، وصف عفرين بـ”جوهرة كردستان” وقال: “عفرين هي جوهرة كردستان، شعبها وطبيعتها وتراثها وثقافتها تجمع بين كل الثقافات والشعوب، وتمثّل جوهر كردستان، لذا لا نستطيع العيش دون العودة على عفرين المحررة”، وقدم غورسيه نجاح هذا المهرجان المسرحي كهدية لعوائل الشهداء وقائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان.
عائلة الدُمى ستستمر في ميتان للدورة الخامسة
وتخلل حفل الختام أيضاً، عرضاً للدمى المتحرك، عرض الدمى هذا ارتبط مع انطلاقة ميتان عام 2014م، وشكلت عائلة “هندي ورندو”، فقرة يومية في ميتان بدوراته الأربعة، وتهدف هذه الفقرة الترفيهية إلى إيصال بعض الأفكار بطريقة فكاهية وقريبة من الواقع لتضفي على ميتان نوعاً مميزاً على مرِّ السنوات، لكن هنا في الشهباء عائلة الدمى هذه أيضاً توسعت لتشمل طفليين “بوزان وهفرين”، لتشكّل عائلة متكاملة تشارك ميتان مسيرته المقبلة أيضاً.
وساهم كل شخص في حركة الثقافة والفن أو المؤسسات الأخرى بعمله في إنجاح هذا المهرجان، وتقول صباح علي الإدارية في كومين الرسم “شاركنا نحن في هذا المهرجان كمساعدين في عملية المكياج وبعض الديكور، وهذا المهرجان أثبت نجاحه وتميّزه رغم ضيق الوقت والإمكانيات”.
ثورة ثقافية رائدة
وشارك الفنان التشكيلي “أردلان إبراهيم” الذي شارك العرض المسرحي “درويشي عفدي” كتجربة أولى له إلى جانب عمله في مكياج الممثلين والمساهمة في تصميم الديكور، وقال عن المهرجان: “هذا المهرجان كان نقلة نوعية في الفن المسرحي بعفرين عامة، وهنا في هذه الدورة أثبت شعب عفرين قدرتهم على متابعة نضالهم وصون ثقافتهم، إذ كانت غالبية الأعمال المسرحية هادفة وذات معاني اجتماعية وسياسية لذا يمكننا توصيف هذه التجربة بالثورة الثقافية الرائدة”.
وهذه المرة الأولى التي تقام فيها مثل هذه المهرجانات في الشهباء، إذ قال نائب الرئاسة المشتركة في مقاطعة الشهباء إسماعيل محمد: “هذا المهرجان أعطانا نحن أهالي الشهباء دفعةً معنوية متميزة، إذ لم تشهد أرض الشهباء مثل هذا المهرجان سابقاً، ونحن الآن إلى جانب أهالي عفرين نشاركهم نضالهم وهدفنا مشترك وهو طرد الاحتلال التركي من كافة الأراضي السورية”، وأكد إسماعيل على أن مضي الإنسان في مسار الفكر الذي يؤمن به هو الضمان الأمثل لنجاحه في إشارة إلى فكر الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية الذي تمسك به أهالي عفرين والشهباء رغم التهجير القسري.
المهرجان أظهر المواهب الشابّة وصَقَلَها
وفي هذه الدورة، اكتسب العديد من الممثلين والممثلات خبرات عدة، إذ خاض عدد منهم تجربة الإخراج إلى جانب التمثيل للمرة الأولى، من بينهم الممثلة والمخرجة زينب محمد، حيث وصفت تجربتها في الإخراج بـ”القفزة النوعية”، وأشارت زينب إلى أن ميتان فتح المجال أمامها وأمام رفاقها لاكتساب الخبرة وصقل مهاراتهم المسرحية، إضافة للعمل كمخرجين للمرة الأولى، وقالت: “هذه التجربة الإخراجية أعطتني دفعة جديدة للمضي في هذا المجال، وتقديم الأفضل للمسرح الكردي”، وتعهدت زينب إلى جانب أصدقائها في فرقة “خالقوا الأمل” المسرحية بأن يكونوا مرآة المجتمع بنقل أوجاعهم ومشاكلهم عبر المسرح، وبطريقة شفافة وصريحة، وتقدمت زينب بالشكر لأهالي عفرين الذين أغنوا المهرجان بحضورهم اللافت، في إشارة على أن هذا الحضور اكسبهم الشجاعة والإصرار لتقديم الأفضل.
“التمسك بفكر القائد آبو ساهم بإِنجاح ميتان”
وربط الحضور نجاح هذا المهرجان المسرحي، بفشل الدول المتآمرة على القضية الكردية والتي تعود في شخص قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان عبر المؤامرة الدوليّة التي استهدفت هذا الشعب، قالت المواطنة ليلى حسن: “نحن نؤمن بالمستقبل المشرق الذي ينتظرنا بفضل نضال أبنائنا وتضحياتهم، ومتابعة فكر القائد آبو، لذا نستطيع القول أن هذا المهرجان الذي قدّم العديد من الرسائل نجح بفضل تمسك هذا الشعب بفكر القائد، لذا هذا دليل قاطع على أن المؤامرة الدولية ضد أوجلان لم ولن تصل لهدفها”.
ميتان الرابع انتهى، لكن مسيرة النضال الثقافي والفكري لم تنتهِ بعد، وهي مستمرة في صيرورتها الدائمة، لأن البقاء للحضارة الأنقى دائماً، وتعهّد الفنانون المسرحيون وشعب عفرين بأن يقام المهرجان المقبل على خشبة المركز الثقافي في عفرين الحرة.