تقرير/ عصام عبد الله –
ضمَّت موزبوتاميا وما زالت عشرات الشعوب التي تكاملت ثقافتها وتوارثت جوانب من حضاراتها، وكاد بعضها أن يقضي على الآخر في تناحرها، غير أنها في النهاية أوجدت أخصب وأغنى منطقة في العالم قديماً وحديثاً في التكامل الثقافي والعراقة في الحضارة والتنوع الميثولوجي والفكر الفلسفي الانساني.
ومن الشعوب التي كان لها الدور البارز في تاريخ وحضارة المنطقة الشعب السرياني والكلدو آشوي. ولإلقاء بعض الضوء على تاريخ هذا الشعب العريق حدثنا الباحث والمؤرخ بهجت أحمد والذي يعرف بأصوله الأرمنيّة، وحاصل على إجازة جامعيّة في التاريخ من جامعة دمشق، ويعمل في ديريك وله العشرات من المقالات والأبحاث القيمة في التاريخ، وكتاب عن مدينة ديريك، إضافة إلى اهتماماته وأعماله في مجال الأدب.
الشعب الكلدو آشوريّ العريق ينحدر من أصول ساميّة
عن أصول الشعب الكلدو آشوري يقول الباحث: (يؤكد علماء الأنتروبولوجيا على أنَّ هذا الشعب العريق ينحدر من مجموعة الشعوب السامية والتي أنشأت امبراطوريات عديدة ومنها: أكادية وآشورية وكلدانية فضلاً عن ممالك آرامية عدة نذكر أهمها:
ـ آرام بيت رجوب في قرية الطيبة قرب مدينة بصرى الشام، وآرام جشور على سفح جبل الشيخ، وفدان آرام وبيت زماني وعاصمتها آميدي (آمد) بيت آغوشي شمال حلب وبيت بخياني وعاصمتها غوزانا، وهذا الشعب هو شعب واحد، ولكن اختلافات الكنسية بعد اعتناقها المسيحية لعبت دوراً في تقسيمهم إلى شرقيين وغربيين، علماً أنَّ «التوراة» أكدت على أنَّ آشور هو ابن سام بن نوح، حيث أن كلمة آثوريا والسريان فيما بعد هي تحريف يوناني لكلمة آشور، وقد برز ملوكٌ عظماء من هذا الشعب على اختلاف العصور التاريخية مثل: صارغون الآكادي و نارام سين وحمورابي البابلي، وملوك آشور العظام من مثل آدد نيراري الأول، و آسرحدون، وسمير أميس، وشلما نصر الثالث، وتغلات فلاصر، وملك الكلدان نبوخذ نصر قاهر ممالك اليهود، فضلاً عن الممالك الآرامية، وأشهر ملوكهم ملك دمشق ابن حدد وكذلك الملك «أمريشو» علماً بأن التسمية السريانية لم تظهر إلا بعد اعتناق هذا الشعب المسيحية، منذ القرن الأول للمسيحية ويؤكِّد الأب الفاضل جوزيف ايليا «على أنَّ اعتناق السريان جاء عن طريق مجموعة من تلاميذ السيد المسيح وفي مقدمتهم القديسان بطرس الرسول وبولص اللذان يعدان أهم القديسين في تاريخ المسيحية وبخاصة عندما أثمرت تلك الجهود باعتناق ملك الرها أبجر المسيحية وتعود أقدم وثيقة باسم السريان إلى عام 132م».
و أضاف أحمد حول اللغة السريانية: «تنسب اللغة السريانية إلى اللغات السامية والتي يقدر الباحث النمساوي شلوتزر ظهور هذه العائلة إلى الألف السابع ق .م، ومنذ القرن الرابع عشر حتى العاشر قبل الميلاد أصبحت لغة سائدة في كل الشرق، حتى أن أجزاء مهمة من العهد القديم قد كتبت بهذه اللغة ولا سيما سفري «عذرا ودانيال» كما أنَّها اللغة الغالبة في التلمود.
إنشاء المدارس ونشر اللغة كانت من أهم الأولويات
أما فيما يخص اللغة ونشرها فيضيف بهجت: (قام مار أفرام بإنشاء مدرسة نصيبين لتعليم اللغة، فكانت أول أكاديمية تاريخية لدراسة اللغة في العالم، وبفضل التجارة ونشاط المبشرين وصلت اللغة السريانية إلى التيبت ومنغوليا حتى اليابان، ويقدر عدد الناطقين بها في الطقوس الدينية وحدها في وﻻية «كيراﻻ» الهندية التابعة لأسقفية القديس توما بحوالي 6 مليون. وفي عام 431 قام مجمع «أفس» بإدانة نسطوريوس وكذلك في مجمع «خلقدونية» عام 451.م، وتركز معظم أبناء هذا الشعب في المنطقة الخاضعة لسيطرة الساسانين. وبدأ البيزنطيون باضطهاد منظم ضدهم في بيزنطة، والساسانيين لم يكونوا أقل اضطهاداً من بيزنطة وﻻ سيما شابور الثاني وبهرام الثالث وقباذ وكسرى الثاني، ولكن لم يتمكنوا من التأثير على إيمان هذا الشعب بخاصة وأنَّها اللغة التي تكلَّم بها يسوع المسيح، حتى الموارنة ليسوا إلا جزءاً من الشعب السرياني، ولكن بعد حروب الفرنجة عمدوا إلى تبني اللغة اليونانية في طقوسهم الدينيّة وتبني العربيّة كلغة تخاطب يوميّ).
واستطرد أحمد في حديثة عن اللغة السريانية قائلاً: (اللغة السريانية تتألف من 22 حرفاً صامتاً وثلاثة حروف علة، كما يمكن تشكيل أصوات إضافية من بعض الإضافات نقطة فوق الحرف أو تحته، والخطوط السريانية تنقسم إلى ثلاثة: خطوط رئيسة وهي:
ـ السرطو :التي تتبناها الكنائس الغربية والسريانيّة الأرثوذكسية والكنيسة المارونيّة.
ـ مدنحايا : ويستخدم في كتابات الكنائس السريانية الشرقية مثل كنيسة المشرق الآشورية والكلدانيّة.
ـ السطر نجيليّ: أو خط الإنجيل نسبة إلى استخدامه بشكل خاص في كتابة الأناجيل، وهنالك العديد من الأساتذة الكبار عبر التاريخ منهم ميخائيل الكبير ويعقوب الرهاوي وحنين ابن اسحق فضلاً عن مشاهير في الطب مثل: يوحنا بن ماسويه وعائلة بختيشوع التي كانت تخدم الخلفاء العباسيين من الرشيد والأمين والمأمون، وجبرائيل القرداحي.