المشاهدات 2
أوضح الكاتب والأكاديمي من السويداء د. مهيب صالحة أنّ في كلّ مرّة يتواطأ فيها الطرف التركيّ مع الروسيّ يكون الثمن على حساب الشعب السوريّ، موكّداً على أنّ هذه المرة ستكون إدلب المحطة المقبلة ولكن لن تصل الأمور بينهما إلى حد القطيعة لأنهما يدركان أهمية العلاقات بينهما وبخاصة الاقتصاديّة منها، وسيتم تقاسم النفوذ والمصالح بينهما على حساب الشعب السوريّ.
وقال الكاتب والأكاديميّ مهيب صالحة إذ لم تثمر المفاوضات الدوليّة غير المعلنة عن تفاهمات فإنّ الإرهاب سيمارس وظيفته في جنوب سوريا من البادية السوريّة وفي شمالها ووسطها، وستتحوّل إدلب إلى ما يشبه تورابورا في أفغانستان، وما جرى فيها من قبل دول إقليميّة وأجهزة مخابرات دوليّة هو أجنداتها على حساب دماء السوريين.
جاء ذلك خلال حوار أجرته وكالة أنباء هاوار مع د. صالحة وكانت محاوره التطورات التي يشهدها جنوب سوريا بالتزامن مع استعداد النظام السوريّ لشنّ حملة عسكريّة على محافظة إدلب. وجاء الحوار على الشكل التالي:
-كيف تقيّمون آخر التطورات التي تشهدها مناطق جنوب سوريا؟
من المنظور العام يبدو أنّ المسألة السوريّة تشرف على نهايتها، لكن واقع الأمر عكس ذلك تماماً، لأنّ العملية السياسيّة أعقد بكثير من العمليات العسكريّة التي استمرّت سبع سنوات، كان فيها الكثير من الكرّ والفرّ بين جميع الأطراف المتقاتلة، إلا أنّ التدخلات الخارجيّة وبخاصة التدخل العسكريّ الروسيّ المباشر قلب الطاولة على أعقابها، حيث توّجها باتفاقات وتفاهمات في أستانه مع شريكيه المباشرين إيران وتركيا وبضوء أخضر أمريكيّ كما كان هناك دور بارز لإسرائيل.
-هناك حديث عن استعداد النظام السوريّ لشنّ حملة على محافظة إدلب، برأيكم هل سيتم الاتفاق بين النظام السوري والمجاميع المسلحة هناك كما حدث في باقي المناطق أم سيكون الخيار العسكريّ هو سيّد الموقف؟
لقد كانت مناطق خفض التصعيد المنبثقة من أستانه مناطق مؤقتة لمرحلة يحتاجها المتدخلون من أجل ترتيب أوضاعهم للمرحلة التالية السياسيّة الطابع، ومنذ تسليم حلب للطرف الروسيّ بتواطؤ تركيّ مقابل جرابلس وإعزاز والباب ودخول القوات التركيّة إلى الشمال الغربيّ، حتى تسليم الغوطة الشرقيّة مقابل عفرين إلى تسليم المنطقة الجنوبيّة مقابل إبعاد إيران عنها تمهيداً للمطالبة بخروجها من كامل الأراضي السوريّة. من هنا جاء الهجوم الداعشي الغادر على المدنيين السوريين في الريف الشمالي والشرقي لجبل العرب الأشم المحاذي للبادية السوريّة، حيث نقل مرتزقة داعش من القلمون الغربي ومخيم اليرموك والحجر الأسود إليها بالباصات الخضر، وبمرافقة أمنيّة وعسكريّة من النظام وحزب الله إلى المنطقة الجنوبيّة وجبل العرب تحديداً. والاتفاق غير المباشر عبر روسيا لإبعاد إيران كان المراد منه توصيل رسالة روسيّة لأهل الجبل أن يسلموا السلاح وأن يلتحق أبناؤهم بالخدمة الإلزاميّة والاحتياطيّة كخزان بشريّ للحرب القادمة التي يُحضِّر لها النظام وحلفاؤه في إدلب.
-كيف سيكون موقف تركيا إذا شنّ النظام حملة على محافظة إدلب؟
وصلت رسالة تركيا إلى روسيا التي سميت الورقة البيضاء لتفتح بازاراً بينهما حول إدلب يقضي باستلام تركيا السلاح الثقيل والمتوسط وتشكيل ما سمي بالجيش الوطنيّ من الفصائل التي تجمعت في إدلب، ودخول مؤسسات الدولة السورية إليها وإدارة المناطق بمجالس محليّة، وهي خارطة طريق لإدلب تشبه إلى حد بعيد إقليم شرق الفرات الذي ترعاه وتسانده الولايات المتحدة الأمريكيّة. كما ذكرت صحيفة يني شفق التركيّة عن مباحثات روسيّة ـ تركيّة لتسليم حلب لتركيا وضمها إلى مناطق النفوذ التركيّة.
إنّ تقديم خيار سياسيّ في مواجهة الخيار العسكريّ الذي لن يكون سهلاً كما في الغوطة الشرقيّة والمنطقة الجنوبيّة حيث في إدلب 3.5 مليون نسمة وأكثر من مائتي ألف مقاتل مدعومين من دولة إقليميّة مهمة كتركيا. والخيار العسكريّ لن يكون سهلاً إلا إذا تخلت تركيا عن إدلب كما تخلت غرفة عمليات الموك عن المنطقة الجنوبيّة، لكن هذا التخلي سيكون له ثمن بالتأكيد وقد يكون هذا الثمن على حساب شعوب الشمال السوريّ.
ـ برأيكم هل ستستمر العلاقة الجيدة بين الروس والأتراك، بخاصة وأنّها آخر منطقة ضمن ما سمّيت بمناطق خفض التصعيد؟
في كلّ مرة يتواطأ فيها التركيّ مع الروسيّ يقبض الثمن على حساب أطراف من الشعب السوريّ وهذه المرة في إدلب لن تصل الأمور بينهما حد القطيعة، إذ يدرك الطرفان أهمية العلاقات بينهما وبخاصة الاقتصاديّة ولن تكون سوريا موضع خلاف وقطيعة بينهما طالما يستطيعان تقاسم النفوذ والمصالح فيما بينهما على حساب الشعب السوريّ بخاصة وأنَّ ما حصلت عليه تركيا من روسيا في سورية لم تكن تحلم بالحصول عليه من أمريكا، بل ربما يتعزز التعاون بين البلدين أكثر في المنطقة الشماليّة الغربيّة وامتداداً إلى إدلب وريف حماه الشماليّ وريف اللاذقية الشمالي، والمقابل دعم تركيا لسوريا المفيدة كما تراها روسيا تحت سيطرة نظام الأسد. فإذا حصلت التوافقات الدولية سواء في شمال سورية بين الأمريكان والروس والأتراك أم في جنوبها بين أمريكا وإيران وروسيا وإسرائيل، فإن الإرهاب الدولي في سورية متمثلاً بداعش والنصرة وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى سيكون قاب قوسين أو أدنى من نهايته أو نقله إلى مكان آخر ليعبث به؟
ـ هل ستكون حملة إدلب بداية لنهاية الإرهاب وما تسمى بالمعارضة وأيضاً نهاية الأزمة السوريّة؟
إذا لم تثمر المفاوضات الدوليّة غير المعلنة عن تفاهمات فإنّ هذا الإرهاب سيبقى يمارس وظيفته في جنوب سوريا من البادية السورية وفي شمالها ووسطها، وستتحول إدلب إلى ما يشبه ترابورا في أفغانستان حيث يتم تشغيل الإرهاب القادم منها من قبل دول وأجهزة مخابرات وعلى حساب دماء ومصالح السوريين، ولن يتوقف نزيف الدماء السورية لطالما لم يتوصل المتدخلون والفاعلون إلى اتفاق سياسيّ نهائيّ للمسألة السوريّة ، ولكن في جميع الأحوال فإنّ الشعب السوريّ هو الغائب الحاضر عن أيّ اتفاق دوليّ لأنّ أيّ اتفاق سيُفصّل على مقاس هذه الدول وحسب مصالحها.