في أكواخ متهالكة وخيام ممزقة، يقطن مهجرو سري كانيه بمخيم واشو كاني، الذي يفتقر إلى أغلب الأمور الحياتية الأساسية من مأكل ومشرب وتعليم ورعاية صحية وحماية من العوامل الجوية، ما يجعلهم عرضة للأمراض والأوبئة، ويواجهون صعوبة في مجالات الحياة كافة، في ظل اعتمادهم على المساعدات الإنسانية من الجهات المعنية والمنظمات التي لا تقوم بدورها بشكل فعلي.
بتاريخ التاسع من شهر تشرين الأول 2019، اُحْتُلَّت مدينتا “سري كانيه وكري سبي”، من المحتل التركي، حيث هجر سكان المدينتين آنذاك قسراً، ليقطنوا بمخيم واشو كاني، وسط معناتهم من قلة توفير الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية وتجديد الخيم، في ظل انسحاب منظمة الصحة العالمية ورفع يدها عن خدمة قاطني المخيم، والذين أكدوا إصرارهم على البقاء وتحمل الظروف القاسية، وعدم الاستسلام حتى تحرير أرضهم والعودة إليها. ففي بداية تأسيس مخيم واشو كاني من الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، لم تتدخل المنظمات الإنسانية، أو تقدم لها أي مساعدة، حيث مرت أوقات وظروف عصيبة جداً على قاطنيه، كما أنه على الرغم من وجود عدة منظمات غير حكومية تعمل في المخيم حالياً، إلا أن الوضع الإنساني فيه مزرٍ.
الصمود والإصرار على العودة
وللحديث أكثر عن تفاصيل واقع مخيم واشوكاني؛ التقت صحيفتنا “روناهي” الرئيس المشترك لإدارة مجلس المخيم “برزان عبد الله”، والذي أكد: “هناك 2226 عائلة تضم 16023 شخصاً يقيمون هنا، ويتبع هذا المخيم نظام الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
وتابع: “هناك كومينات ولجان ومجالس ومحاكم، كما أن هناك خمس بلديات، وكل واحدة تتكون من 400 – 500 أسرة – وثماني لجان مثل الصحة والأمن والخدمات وما إلى ذلك، يشارك فيها سكان المخيم جميعهم، فعند احتياجهم لشيء مثل الوثائق، يتوجهون إلى الكومين مباشرةً، لأنه الركيزة الأساسية للمجتمع”.
وأشار، عبد الله، إلى أن قاطني المخيم ما يزالون يحتفظون بثقافة قوية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأرضهم، مبيناً آراء سكان المخيم: “نحن من طبقة العمال، نحب ترابنا وبيوتنا، ولن نترك أرضنا مهما حصل”.
مضيفاً: “فيمكننا أن نذهب إلى أوروبا ودول الخارج، لكننا لن نفعل ذلك، فلن ننسى أراضينا وسنبقى متمسكين بها للأبد، خاصةً، وأن مخيمنا يقع على بعد 40 كم فقط من سري كانيه، وهذا دليل على أننا لن نتخلى عن أرضنا، فسري كانيه لن تُنسى، ونريد العودة إليها بأسرع وقت، هذا مطلبنا، لذا، ندعو المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، والجهات المعنية كافة، أن تعيدنا إلى مدينتنا سري كانيه”.
قلة مساعدات المنظمات
وتتعدد احتياجات الحياة وصعوباتها في المخيم، فأكثر الأشخاص الذين يعانون هم الأطفال والنساء، حيث يعيشون مع نقص الأدوية، وصغر الخيم، وهناك بعض الخيم يعيش فيها 15 شخصاً، ولا يوجد أي تقصير من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فإنها تقدم المساعدات لقاطني المخيم قدر المستطاع.
مؤكداً: “يبلغ عدد الخيم في مخيم واشوكاني 2300 خيمة، ولم يتم تغيير أي خيمة منذ افتتاح المخيم، وحتى الآن، سوى بعض عمليات الصيانة التي أجريت عليها، علماً أن هناك معايير دولية للمخيمات تنص على تغيير الخيم بعد مرور عام وثمانية أشهر على نصبها”.
كما وأشار عبد الله، إلى أن هناك الكثير من الصعوبات لم تُحَل حتى اللحظة، لذا، يتوجب على المنظمات القيام بدورها. ونوه: “فمن ناحية الرعاية الصحية للمهجرين يقوم الهلال الأحمر الكردي فقط بالمساعدة، لكنها ليست كافية”.
وفيما يتعلق بموضوع التعليم فقد بيَّن عبد الله، بأنَّ الإدارة الذاتية؛ بنت ثلاث مدارس في المخيم، وساعدت التلاميذ قدر المستطاع، ولكن من المفروض أن تغطي المنظمات احتياجات الطلاب ونواقصهم المدرسية كافة.
واقع صحي مرهق مع انسحاب منظمة الصحة العالمية
وفيما يتعلق بالعناية الصحية بالمرضى أوضح عبد الله، إنه مع قدوم المفوضية السامية للاجئين وتبنيها المخيم بداية عام 2023 الماضي، بدأت منظمة الصحة العالمية معها بالنشاط في المخيم، واستقبال الحالات الطبية التي كانت تقيّمها بالحرجة جداً، وأوضح أن وجود سيارة إسعاف واحدة في نقطة الهلال الأحمر الكردي، من الحالات الصحية المأساوية، وكانوا يصادفون أكثر من حالة حرجة في اليوم الواحد، ولكن الحالة التي ينقلها الهلال الأحمر هي الوحيدة التي يتم استقبالها، وما تبقى من حالات كانوا يتعالجون على حسابهم الشخصي.
وانعكس انسحاب منظمة الصحة العالمية من المخيمات في العام المنصرم سلباً على المهجرين وفي مخيم واشو كاني على وجه التحديد، لأنه وبالرغم من الخدمات الضعيفة ووجود فرق كبير بين الدعم الذي كان يُقدَّم في مخيمات مدينة الحسكة ومخيم الهول.
وطالب الرئيس المشترك لمجلس إدارة مخيم واشوكاني، المنظمات الإنسانية والدولية، والجهات المعنية بمتابعة الأمور الصحية والطبية، ودعم هذا المخيم وسكانه، لأن الوضع الاقتصادي في المنطقة صعب جداً، وهؤلاء المهجرون بالأصل هجّروا من منازلهم قسراً، فلا مأوى لهم ولا يملكون أي مردود مالي، فإن أي تقصير ونقص من الدعم الطبي للمهجرين، يسبب معاناة حقيقية لهم.
توسيع المخيمات لاستقبال الوافدين من لبنان
وحول وضع الوافدين من لبنان إلى مناطق الإدارة الذاتية والتجهيزات لاستقبالهم في المخيمات، قال عبد الله: “نحن في الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا وفي مقاطعة الجزيرة بشكل خاص لدينا ستة مخيمات، ونحن جاهزون لاستقبال الوافدين من لبنان والقاصدين مناطقنا، وذلك من خلال توزيعهم على المخيمات وبشكل خاص المخيمات، التي تتوفر فيها مساحات إضافية، بالإضافة لتوسيع بعض المخيمات إن لزم الأمر من خلال زيادة أعداد الخيم”. حيث تمَّ تجهيز خيم الآن في مخيم سري كانيه وعريشة ونوروز، استعداداً لاستقبال الوافدين.
الواقع التعليمي في المخيم
وللحديث عن الواقع التعليمي في إحدى مدارس المخيم، بين الإداري في مدرسة مخيم واشو كاني “عبد العزيز الحسين“، بأنَّ المدرسة تضم 300 طالب تحت إشراف 20 معلما ومعلمة، وينقسم الدوام إلى قسمين: صباحي، ويضم طلاب الإعدادي والثانوي، ومسائي يضم المرحلة الابتدائية.
مضيفاً: “المدرسة تضم تسع شعب ثمانٍ منها للشعب العربي، وشعبة للشعب الكردي، وهناك نواقص كثيرة للمدرسة تكون في أعداد المقاعد واللوازم، والأهم من ذلك أنَّ بناء المدرسة بحاجة للترميم وبشكل خاص مع اقتراب فصل الشتاء، إلى جانب صيانة دورات المياه المعطلة، وتسرب الطلاب من المدرسة وغيابهم بسبب التحاقهم بأعمال مجهدة لهم، ومن الممكن توفر لهم بعض الدعم لأسرهم؛ يشكل عائقا كبيرا امام تعليمهم والتحاقهم بالمدارس”.
وزاد: “سنعمل من أجل البقاء ضد الظروف العاتية، وسنعلم أبناءنا قيم ومبادئ الصمود والمقاومة، في سبيل تحرير أراضينا والعودة إليها”.
وناشد بإعادة المهجرين لديارهم وأوطانهم، وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في مخيم واشوكاني من المنظمات المعنية.
نقص الاستحقاقات للمواد
“محمد سليمان” من ريف مدينة سري كانيه؛ أب لعشرة أطفال ومن قاطني مخيم واشوكاني منذ أربع سنوات، والذي استذكر بدايةً نزوحهم من مدينة سري كانيه، وقال، إنهم سيحاربون ظروف الحياة القاسية، التي يعيشونها في المخيم منذ أربع سنوات، في سبيل البقاء والصمود وبالتالي تحرير أراضيهم والعودة إليها.
وتحدَّث عن الوضع المعيشي في المخيم مبيناً، أنَّه أصبح سيئاً في الوقت الحالي، بسبب نقص مستحقاتهم من المواد التموينية، وبشكل خاص المنظفات منذ فترة خمسة أشهر من الآن، وسابقاً لم يكن هذا النقص موجوداً، أما المواد الغذائية فتصل إليهم بشكل شهري، ولكنه شكا من قلتها.
وحسب “سليمان” فإنَّه يتم توزيع (السلة الغذائية) للمهجرين، والمؤلفة من (رز، سكر، عدس، برغل، زيت نباتي، شاي أسود) حسب عدد أفراد العائلة، حيث يتم توزيع سلة في كل شهر بشكل دوري، ولكل شهرين سلة إضافية للعوائل التي يبلغ عدد أفرادها عشرة أشخاص وما فوق، وسلة لكل شهر للعائلة التي يبلغ عدد أفرادها دون عشرة أشخاص، أما العوائل التي يكون عددها أربعة أشخاص وما دون، فيتم منحهم سلة لكل شهرين، ولكن هذه الكميات غير كافية كما أوضح.
للشتاء معاناة لم يتم الاستعداد لها
كما أشار سليمان، إلى أنَّ الخيم التي يعيشون داخلها مهترئة ولم تعد مستعدةً لاستقبال فصل الشتاء وهطول الأمطار، حيث أصبحت قديمة، والتي قد سُلِّمت لهم بداية تهجيرهم إلى المخيم، مبيناً أنَّهم في العام المنصرم ساءت بهم الحال خلال هطول الأمطار بسبب تسرب المياه داخل الخيم.
وكان سليمان وأغلب المهجرين في المخيم قد لجؤوا لبناء غرف طينية بأقل الإمكانات، لتقيهم حرارة الصيف وبرد الشتاء وتحميهم من مياه الأمطار، في ظل عدم الاستجابة لمتطلباتهم لتبديل خيمهم.
وذمَّ قلة اهتمام المنظمات الإنسانية التي تقوم بزيارتهم كل حين وآخر، ومنها منظمة الـ (RC)، موضحاً أنهم مراراً يزورون المهجرين ويدَّعون أنهم سيقدمون لهم احتياجاتهم ولكن دون جدوى.
ومن ناحية الرعاية الصحية توجد في المخيم منظمة الهلال الأحمر الكردي، والتي تقدم للمهجرين الاحتياجات الدوائية ولكن قليلة جداً ومحدودة، بالإضافة لنقل الحالات الحرجة التي تحتاج للمشافي، وللعلم توجد سيارة واحدة فقط في المخيم، متسائلاً، فماذا عساها أن تكفي هذه السيارة لأكثر من ألفي عائلة؟
وأكَّد “محمد سليمان” في ختام حديثه، على صمودهم ومقاومتهم ومحاربة الواقع المأساوي والعيش بأقسى الظروف، إلى حين تحرير ديارهم من الاحتلال التركي والعودة إليها.