سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من شغف الطفولة إلى كسر النمطية..

تبلور شغف سيميلي مالكي (25 عاماً)، من سكان قامشلو، بالأعمال اليدوية إلى نشاط فني تلته إقامة معارض فنية خاصة بها، ورغم أن مسيرتها لم تخلُ من صعوبات عرقلت نشاطها أحياناً إلا أن طموحها لم يتوقف يوماً. وتجد الفتاة في الأعمال اليدوية مهرباً من ضغوطات الحياة، فخلال دراستها في معهد العلوم المالية والمصرفية باللاذقية، كانت تلجأ لصناعة القطع اليدوية للترويح عن نفسها من ضغوط الدراسة.
وأنجزت سيميلي مالكي حتى الآن أكثر من /500/ قطعة فنية، باعت قسماً كبيراً منها في المعارض التي أقامتها، بينما تحتفظ بالباقي لتزيّن غرفتها وأرجاء منزلها.
موهبة بدأت منذ الطفولة
وكانت ميولها قد بدأت تظهر في وقت مبكر من عمرها، لتثير موهبتها انتباه والدتها التي عملت على دعم طفلتها الصغيرة في صناعة القطع اليدوية والأعمال الفنية منذ ذلك الوقت.
وقد كانت الأقمشة البالية والملابس القديمة قيّمة بالنسبة لـ”سيميلي”، الفتاة الصغيرة التي لم تكن قد تجاوزت العاشرة من عمرها، فكانت تحولها لقطع جميلة تزينها بالخرز، لتحاكي بها الأيقونات الدينية وتعرضها على زوار كنيسة قريتها “قصروك” بريف تربه سبيه شمال وشرق سوريا. لكن؛ موهبتها تلك تطورت مع سنوات حياتها، ليتطور إنتاجها من مجرد قطع يدوية ملفتة للأنظار إلى تحف وقطع فنية تحظى بإعجاب من حولها.
تقول سيميلي، لـ”نورث برس”: “بدأت عائلتي تشعر بميولي لصناعة الأعمال اليدوية، لكنهم تناولوا الأمر كمجرد هواية لطفلة صغيرة واعتبروا أمر تطور هذه الموهبة شيئاً غير واضح المعالم”.
وتتحدث الشابة كيف تطورت موهبتها مع الأيام، فكانت تعمل أثناء الأعياد في كنيسة القرية على صناعة بعض الأيقونات والقطع الدينية والتي تعتبرها بداية إنتاجها، وظهور الدافع لانطلاقتها في هذا المجال.
ومن خلال التشجيع الذي لاقته من قبل زوار كنيسة قريتها وإعجابهم بأعمالها وهي لا تزال طفلة صغيرة، زاد طموحها لمتابعة خطواتها لإنجاز المزيد.
الإبداع عنوانها
ومع انتقال عائلتها لمدينة قامشلو، بقيت سيميلي ترتاد مؤسسات الكنيسة وخاصة كنيسة الحي الغربي وانضمت للجنة “مار أفرام” التابعة للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والتي فتحت المجال أمامها لتبدأ العمل على أول معرض خاص بها في العام 2013.
تقول مبتسمة: “كنت في الصف الحادي عشر عندما سنحت لي الفرصة للعمل على معرض خاص بي بدعم من معلمتي في الكنيسة، والتي كانت أيضاً معلمة للفنون الجميلة، ومن خلال نصائحها وما علمتني إياه من أساسيات للمهنة، عرضت أعمالي الخاصة المتواضعة”.
بعد تخرجها من المعهد التقاني للعلوم المالية والمصرفية في اللاذقية عام 2016، عادت سيميلي لمدينتها وبدأت دوامها في مؤسسة “أسرة مار أفرام الجامعية”، والتي أعطتها المجال لإقامة معرضين متتاليين أحدهما خاص بأعمال عيد القيامة وأقيم في العام نفسه، والذي اعتبرته الشابة العشرينية “تحدياً وكسراً للصورة النمطية الخاصة بزينة هذا العيد”.
تضيف: “كانت الصورة النمطية لعيد القيامة محددة بزينة تعتمد على الريش والألوان والبيض، فاستخدمت بأعمالي الألوان المائلة للترابية والخشبية ليستطيع مقتنو القطع أن يستخدموها طوال السنة وليس فقط أيام عيد القيامة”.
وترى أن المعرض الثاني في العام 2018 كان مميزاً بالنسبة لها، فقد حاولت أن تظهر مهاراتها ولمساتها فيه عبر العمل على المهملات والزجاج وأغصان الأشجار. المعرض الثاني كان إعادة تدوير المهملات، حيث استخدمت الكثير منها كالأحجار وقطع الخشب المرمية وأغصان الأشجار، وبقايا الزجاج متكسرة وزجاجات الماء الفارغة وغيرها.
وترى الموهبة الشابة أن القطعة الجميلة والمميزة لا تحتاج لمواد ثقيلة أو باهظة الثمن بقدر ما تحتاج إلى “لمسة بسيطة أو فكرة جميلة”.
التغلب على العادات البالية
واستطاعت سيميلي، مع مرور الوقت، تجاوز كثير من الصعوبات التي عانت منها وأبرزها التعليقات السلبية من أصحاب المحلات خلال سعيها لتأمين مواد أعمالها الأولية من الأسواق.
تقول: “كنت أحياناً أضطر للبقاء في محل النجارة لوقت طويل من أجل أن أشرح للنجار القطعة التي أريدها وطريقة نشرها، فعندما كنت أذهب لجلب هذه المواد كنت ألاقي عدم اهتمام من الباعة، وقسم منهم لم يكن يستجيب لطلباتي لأنني فتاة تطلب مواداً (مثل الأخشاب والزجاج والمسامير والدهانات) التي يعتبرونها خاصة بأصحاب مهن من الشباب فقط”.
وحاولت الفتاة في إحدى المرات أن تقص الخشب لوحدها، معتمدة على آلة قص كهربائية جلبها لها والدها، لكنها أصابت يدها ولم تستطع العمل على تلك الآلة، “لأنها كانت تحتاج إلى قوة عضلية للتحكم بها”.
وتضيف أنها أصرت على كسر الصورة النمطية المتعلقة بخصوصية هذه المواد الأولية للشباب، وكانت تصر على الذهاب إلى السوق وإحضار موادها بنفسها، حتى بدأ الباعة يعتادون عليها ويتعاونوا معها شيئاً فشيئاً، وخاصة بعدما علموا أنها تعمل في مجال الأعمال اليدوية.
كانت الفتاة الشابة تتمنى أن تختص في الجانب الأكاديمي لموهبتها، لكن الفرصة لم تسنح لها سابقاً لدراسة الفنون الجميلة، لأن المسابقة الخاصة بالقبول في كلية الفنون الجميلة باللاذقية كانت تحتاج لمهارات الرسم أولاً.
“لم أنجح بمسابقة المعهد، فأنا لا أحب الرسم كثيراً، ولكن لا أزال أفكر بالاختصاص بمجال الأعمال اليدوية ودراستها، ليكون عملي أكاديمياً ومتقناً أكثر، فأنا لا أريد أن تقتصر إمكاناتي على الموهبة فقط”.
إلى جانب عدم قدرتها على دراسة الأعمال اليدوية والفنون، لم تستطع سيميلي أن تفتح لها محلاً خاصاً لبيع أعمالها، فالأوضاع الاقتصادية لم تساعدها كثيراً، ولكنها لم تتوقف عن صناعة القطع المزينة والأعمال اليدوية في منزلها، فلا تزال تعمل على طاولتها البلاستيكية التي صنعتها ولونتها بيديها وتصنع قطعها المميزة.
وتعمل سيميلي مالكي، الآن، في مؤسسات الكنيسة الأرثوذكسية بقامشلو وتشارك في كافة نشاطاتها الفنية، وتعمل حالياً على إكمال قطع وأعمال يدوية تعمل عليها منذ مدة قصيرة، وذلك تحضيراً لافتتاح معرض جديد خاص خلال الفترة القادمة.