سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من سفر برلك إلى النيجر… حرب الارتزاق مستمرة بطوباوية عثمانية مستحدثة

 حمزة حرب_

لطالما اعتمدت دولة الاحتلال التركي منهجية طوباوية في استخدامها السوريين مرتزقة مأجورين تقاتل بهم في أصقاع مختلفة، تنوعت بين أذربيجان وليبيا والصومال واليمن وصولاً إلى النيجر؛ لأنها عمدت إلى استخدامهم ترياقاً فعالاً حتى لا تقع في فخ اصطياد جنودها، قد يكون لهم ارتدادات سلبية على الداخل التركي بينما السوريون تكون وطأة تأثيرهم تكاد لا تذكر؛ لأنها في الغالب تكاليف اقتصادية هي تحصيل حاصل من المصالح، التي تجنيها بثروات البلدان التي أرسلت إليها المرتزقة، لكن هم فقط ولا أحد سواهم السوريون من يدفعون ثمن هذه السياسية، التي فتتت المجتمعات وعاثت فساداً في القيم الأخلاقية خصوصاً مع انهيار كينونة الأنظمة الحاكمة في أفريقيا، وهشاشة شرعيتها وخنوعها من خلال وضعها القارة الأفريقية، كمرعى خصب للدول المستعمرة، وذات التاريخ الدموي في العالم مثل دولة الاحتلال وتاريخها المليء بالجرائم والمجازر على الرغم من أن أفريقيا تتمتع بثرواتٍ لو قدر لها استثمارها بحرية ووفق معايير أخلاقية تصب في صالح الشعوب الأفريقية لكانت في مصاف الدول المتقدمة، هذا إن لم تتقدمها لكنها لعنة الطبيعة والثروات والجهل المفتعل والممنهج.
أفريقيا بوصلة الارتزاق العالمي
بقيت أفريقيا على مر التاريخ بوصلة للارتزاق حول العالم على الرغم من أن اتفاقيات عدة فرضتها حركات التحرر الوطنية في أفريقيا على رأسها اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية، للقضاء على أعمال المرتزقة عام 1977 والتي أتت بثمارها في القارة الأفريقية حينها على الرغم من كونها اتفاقية إقليمية، وليست دولية إلا أنها كانت الأكثر فعالية في وقتها بمسألة تجريم الارتزاق، وتقديم تعريف أكثر واقعية له من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، حيث عرفت الارتزاق سواء تم ارتكابه من قبل فرد، أو مجموعة أفراد، أو دولة، أو ممثل لدولة، فهو جريمة يحاسب عليها كل من ساهم في إيواء أو مساعدة أو تدريب أو تجهيز أو الترويج أو دعم أو توظيف أو تجنيد المرتزقة من أي جهة كانت.
ومن هنا وبناءً على تاريخ هذه الاتفاقية يتبين أن الأثر التاريخي المتمثل في تصاعد الحركات التحررية في أفريقيا في ذلك الوقت، في وجه القوى الاستعمارية، وتوظيفها للارتزاق سلاحاً فعالاً، هو ليس وليد لحظة وكذلك استجابة لعدم قدرة المجتمع الدولي على الإجماع على تجريم الارتزاق على الرغم من كل ما تم التوصل إليه من أحكام في البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف في العام نفسه، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام معاناةٍ استمرت إلى يومنا الحاضر باستثمار قوى الهيمنة والسطوة في سرقة ونهب مقدرات الشعوب المستضعفة، وهو ما اتبعته دولة الاحتلال التركي في استغلالها السوريين وتحويلهم مرتزقة مأجورين.
ليأتي القانون الدولي باتفاقية مناهضة الارتزاق عام 1989 التي جرمت حالة الارتزاق بنواحيه وتبعاته كافة، إنما الأطراف تمكنت من الالتفاف حول هذا المفهوم وسعت لتطويعه بشكل يلبسه عباءة قانونية، إلا أنه وبحسب تقرير نشره مركز WATHI المتخصص في دراسات منطقة غرب أفريقيا، أن دولة الاحتلال تواجه العديد من الاتهامات بأنها ترعى منظمات إرهابية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وأن جزءا أساسيا من تحركاتها في المنطقة يعتمد على تسليح المنظمات الإرهابية والمرتزقة بهدف تعزيز وجودها، والسيطرة على الموارد الطبيعية والثروة، ودعم تيارات الإسلام السياسي، وتعد ليبيا بوابة مهمة لتعزيز النفوذ في منطقة الساحل الأفريقي وأفريقيا عموماً، وتنفيذ أجندتها التوسعية في المنطقة. ومن ثم، تسعى إلى تشكيل حلفاء إقليميين لهم مصالح جيوسياسية مع ليبيا، مثل النيجر وتشاد، بهدف استخدامهم مركز تنسيق للاحتلال بغية التوغل في غرب أفريقيا.
الارتزاق.. سياسة دولة الاحتلال التركي العميقة
ليس بالجديد على دولة الاحتلال التركي استخدام المرتزقة لتحقيق أجنداتها ومصالحها، فلطالما انتهجت الطورانية العثمانية سياسة الارتزاق من “سفر برلك” التي نُفذت في عهد السلطان العثماني البائد محمد رشاد بتاريخ 1914 والتي أجبرت خلالها رعايا البلاد العربية إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية في حروب الإمبراطورية العثمانية في الخارج، ومن هول ما حدث حينها أطلق عليها العراقيون اسم “أيام الضيم والهلاك”.
فأيام الضيم والهلاك التي مرت به مسار الأزمة السورية زادتها المصالح الإقليمية والدولية تعقيداً فوق تعقيد لتتزاحم فيها المشاريع الخارجية، التي أفرغت الأهداف الداخلية من مضامينها حتى أضاع السوريون بوصلتهم، وتبددت أحلامهم بالتغيير والنهوض بمجتمعاتهم لتتحول رؤيتهم من مصلحة جامعة إلى فئوية ضيقة تشوبها المنفعة المطلقة.
وعلى هذا النحو؛ استغلت دولة الاحتلال التركي السوريين الرافضين تسوية أوضاعهم مع حكومة دمشق لتحشرهم في الزاوية الضيقة إلى جانب إرهابييها في المناطق، التي تحتلها شمال غرب سوريا ومن بديهيات الواقع المعاش في المناطق المحتلة، التي ينعدم فيها أي أفق سياسي أو إداري؛ باتت رحلة الارتزاق مهنة صالحة للاستعمال في حروب دولة الاحتلال الخارجية.
وبناء عليه وقبل ذي بدء في رحلة الارتزاق الطويلة نرى بأن دولة الاحتلال حولت السوريين مرتزقة داخليين للقتال بهم ضد أبناء بلدهم، أولا حين دفعت الشباب السوري تحت الضغط والتحكم والاستفراد بهم للقتال في معارك لاحتلال الأرض السورية في عفرين، وسري كانيه، وكري سبي.
فمرتزقة الاحتلال التركي من السوريين، الذين أصبحوا مخزوناً لا ينضب من الطاقة البشرية يُستخدمون بشكلٍ جلي لتأمين مصالح دولة الاحتلال في القوقاز، وأفريقيا، التي تعدُّ أحد أهم النقاط الجغرافية الأكثر حساسية من مخاطر تقاطع الخطوط اللزجة لكل من ثنائية الإرهاب، وتدخلات جيوش المرتزقة، كأحد المعادلات الأمنية العصية على الكثير من مناطق العالم والتي سال لها لعاب دولة الاحتلال التركي كونها تحمل في جوفها الكثير من الثروات الطبيعية المهمة.
مرتزقة سوريون بشهادات اعتمادٍ رسمية
ولحماية المصالح التي تطمع لتحقيقها دولة الاحتلال في القارة الأفريقية؛ وثقت جهات حقوقية تسخير السوريين مرتزقة بهدف حماية مشاريعها ومصالحها على نحو مماثل لتجارب عديدة أجرتها في أذربيجان، وأوكرانيا وليبيا، واليوم تزج بهم عبر مجموعات من المرتزقة إلى النيجر، الدولة الأفريقية، التي تخوض صراعاً جديداً في ظل تراجع السيطرة الفرنسية في القارة الأفريقية، وانقلاب المزاج ضد الولايات المتحدة وتوسع الدور الروسي هناك، والذي يكاد لا يخلو من ورقة الارتزاق أيضاً.
شركة سادات التابعة للاحتلال التركي، والتي تعدُّ سلاح دولة الاحتلال في حروبها الخارجية على غرار فاغنر الروسية وبلاك ووتر الأمريكية وجميعها شركات ارتزاقٍ تعمل بالاعتماد على جماعاتٍ مسلحة وفصائل كما عمدت دولة الاحتلال على استغلالهم في المناطق التي تحتلها، وعراب دولة الاحتلال لتنفيذ هذه المشاريع هم مرتزقة السلطان مراد الإرهابية التي تعمل كمكتب تجنيدٍ لصالح شركة سادات في المناطق المحتلة.
مصادر حقوقية وثقت، أن السلطان مراد الإرهابية تعمل على تجهيز المرتزقة وفق جداول رسمية وبعمولاتٍ تحصل عليها مقابل كل مرتزق تجنده لصالح هذه الشركة، وإرسالها بطرق متعددة نحو أفريقيا انطلاقاً من كلّس المدينة، التي يجري فيها سحب الهواتف النقالة من أيدي المرتزقة لمنع تواصلهم لأنهم معدومو الثقة من دولة الاحتلال ما يعني انقطاع الاتصال حتى مع ذويهم.
المصادر أضافت أيضاً أن مرتزقة السلطان مراد إلى جانب استخبارات دولة الاحتلال التركي يقومون بجدولة أسماء المرتزقة لتوجيهم إلى مناطق الصراع، كان آخرها النيجر وإغراؤهم بالأموال، التي يتحصلون عليها شهرياً والتي وصلت في أفضل أحوالها إلى نحو 1500 دولار، إلى جانب تعويضات تدفع لذويهم في حال قتلوا أو تعرّضوا لإصابات بالغة، إلا أنها تعهدات خلبية لم تنفذ خلال عقود ارتزاقٍ سابقة في مناطق أخرى.
من جهته وثق المركز السوري للعدالة والمساءلة وعوداً كاذبة بمنح الجنسية التركية لمن يقاتلون تحت سيطرة دولة الاحتلال في نزاعاتها الخارجية على غرار ليبيا وأذربيجان” مضيفاً أن السوريين تحولوا إلى مرتزقة في الخارج، وهو “استمرار لسلوك الجانب التركي في استغلال الفقراء السوريين”.
فهذه الشركة التي تنشط بشكلٍ فعال في المناطق المحتلة تعطي عمولات لكل شخص يتمكن من إقناع أكبر قدر ممكن من المرتزقة للقتال في الخارج بغض النظر عن عمر المرتزق، أو مدى خبرته في التعامل مع السلاح، إذ لا تطلب الشركة ممّن يرغب في القتال تحت إمرتها أيّ وثائق، باستثناء وثيقة تثبت اسمه ونسبه بهدف استكمال عمليات التسجيل لأسباب تتعلق بالميزانية، التي تمّ رصدها والرواتب التي من المفترض دفعها.
السوريون … وقودٌ نار الارتزاق
دفعات المرتزقة الذين حولتهم دولة الاحتلال من المناطق المحتلة إلى النيجر، توالت كانت أولى الدفعات منها تضم أكثر من 200 مرتزق نقلوا عبر الطائرات العسكرية إلى المثلث الحدودي بين النيجر ومالي، وبوركينا فاسو قبل إدخالهم وتمركزهم داخل هذه الدول، بعد أن يتلقوا تدريبات لمدة أسبوعين في معسكرات تدريب على حمل السلاح، وأخذ التعليمات والتوجيهات، التي معظمها تصب في حماية مصالح دولة الاحتلال بما فيها منابع الطاقة، ومناجم المعادن الثمينة على رأسها الذهب والماس.
ووفق محللين، فإن دولة الاحتلال بنت علاقاتها الوطيدة مع أطراف محلية تتمتع بالسطوة العسكرية في البلدان، التي تشهد اضطرابات سياسية وأمنية واعتمدت على العلاقات المنسوجة سابقاً مع التنظيمات الإرهابية مثل: مرتزقة داعش الإرهابي وأجنحتهم في أفريقيا ومرتزقة بوكو حرام وتنظيم القاعدة والإخوان الإرهابيون، وهو ما استدعى دعم هذه التنظيمات الإرهابية بالموارد البشرية، التي تحافظ على سطوتها وهيمنتها من خلالهم.
وفي معظم الأحيان يعود هؤلاء المرتزقة محملين بصناديق خشبية بطائرات الشحن، التي تهبط على أراضي دولة الاحتلال ويتم إدخالها إلى المناطق المحتلة داخل سوريا بعد أن كانوا قد خرجوا منها على أقدامهم للقتال في الخارج، وجلهم يقتلون فور وصولهم إلى الدول الأفريقية، وذلك لجهلهم في بنية وطبيعة القتال هناك، ومن ناحية أخرى فقدانهم الخبرة القتالية اللازمة والتنظيم الكافي للعمل المسلح إلا أن دولة الاحتلال حولتهم لوقود ارتزاق تحقيقاً لمصالحها وتلبيةً لأطماعها.
ومن المثير للاهتمام أن تحول السوريين إلى مرتزقة لا يقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال التركي إنما الجانب الروسي أيضاً الساعي إلى الهيمنة في الدول الأفريقية، يجند السوريين في مناطق سيطرة حكومة دمشق لإرسالهم إلى القارة الأفريقية حفاظاً على المصالح الروسية هناك أيضاً.
ليتحول السوريون إلى مرتزقة مأجورين إما لصالح شركة سادات التابعة للاحتلال التركي، أو لصالح شركة فاغنر التابعة لموسكو، وهذا ما أثبتته الميادين وساحات القتال في ليبيا وأذربيجان وصولاً إلى النيجر، التي شهدت تواجداً روسياً لملء الفراغ بعد انسحاب القوات الفرنسية.
المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق بدوره أن المرتزقة السوريين يقاتلون في النيجر، ومن المفارقات، التي تثير اهتمام المتابعين والمحللين أن المجتمع الدولي لا يتخذ أي إجراءات بحق دولة الاحتلال التركي، التي تمهد وتيسر عملية الارتزاق والنقل إلى أفريقيا وعلى وجه الخصوص إلى النيجر على الرغم من الاتفاقات والعهود الدولية والإقليمية آنفة الذكر، والتي تجرم هذه الحالة.
فـ”أين ما تركت دولة الاحتلال التركي بصماتها حل الخراب” وهذا ما تبرهنه سياسات دولة الاحتلال من “سفر برلك” إلى النيجر بحرب الارتزاق المستمرة وبطوباوية عثمانية مستحدثة غير آبهة بمصائر الشعوب حول العالم بغية سلب مقدراتهم، وذلك كله تلبية لتطلعاتها ومصالحها النفوس الضعيفة، التي انزلقت إلى التهلكة لصالح طورانية لا تعير أي اهتمام لحياة من غررت بهم، واستغلتهم ولوثت حاضرهم، ومحت تاريخهم، وشوهت مستقبلهم.