اتسمت الحربين العالميتين بخصوصية التقسيم على شكل دول وأقطاب، اعتماداً على مدى امتلاكهم لشكل القوة السياسية والعسكرية، وكانت لنتائجهما في منطقة الشرق الأوسط تأثيراً استمر لحين نضوج أرضية الحرب العالمية الثالثة وخاصةً بعد انهيار الاشتراكية المُشيّدة، والتي سُمّيت بحرب العولمة بسبب أبعادها واختلافها عن الأولى والثانية. أولى اختلافات هذه الحرب تكمن في إنها حرب إبادة توسعية، بحيث ما أن ثارت حتى شملت العالم.
أصبحت كردستان مركزاً هاماً لهذه الحروب واتخذوا منها موقعاً رئيساً لهم، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية وحافظت على الأهمية ذاتها في الثالثة أيضاً؛ نظراً لتقسيمها ما بين أعظم إمبراطوريتين العثمانية والصفوية البارزتان بصراعهما في تاريخ الشرق الأوسط، ونتائج هذه الحرب واضحة في كردستان، وما يعيشه الشرق الأوسط اليوم من صراعات وحروب تكاد تقضي على الأخضر واليابس، حيث تعاني العديد من الشعوب والأديان والمكونات خطر الإبادة الشاملة مثل الشعب الإيزيدي، حيث نعيش أيام استذكار مجزرة شنكال التي ارتكبت على يد داعش والأطراف الداعمة لها كدولة الاحتلال التركي وحزب الديمقراطي الكردستاني، ولم يسلم سكان غزة من هذه الحرب التي أنهكت كاهل شعب فلسطين برمته.
العثمانية الجديدة بقيادة حكومة العدالة والتنمية تلعب دوراً هاماً في تصعيد حرب النفوذ في المنطقة وتستغل قوة الناتو لتنفيذ مشروع الميثاق الملّي، حيث تسارعت خطواتها بعد الحديث عن مشروع خط التنمية إلى الهند وخوفها من خسارة الدور الوسيط ما بين الشرق والغرب اقتصادياً وحتى سياسياً، فاحتلت العراق بعمق 40 كم بذريعة وجود حزب العمال الكردستاني، وتخطط لغزو سوريا بالطريقة نفسها بعد احتلال جرابلس، عفرين، الباب، إعزاز، سري كانيه وكري سبي أيضاً. ولكن؛ هذه المرة تحت ستار التطبيع، ومن جانب آخر دعمت حركة حماس سراً وعلناً وحاولت استغلال الصراع بين اسرائيل وإيران عبر دعم حركة حماس في السر والعلن.
بعد مقتل إسماعيل هنية في طهران تحديداً، صعّدت هذه الحرب إلى درجة أخطر في المنطقة، من حيث توسع رقعتها في كافة مناطق تواجد النفوذ الإيراني وخاصةً العراق، سوريا، لبنان واليمن. لا تستطيع إيران التراجع بعد هذه المرحلة، ولا يمكن لتركيا أن تتنازل عن مآربها في استعادة دورها الاستراتيجي في المنطقة عبر تحجيم دور إيران، وفي هذه الحال تحول مقتل إسماعيل هنية إلى نقطة صراع سيؤثر بدوره على جميع بلدان المنطقة وأولها سوريا ولبنان، فالهجمات الإسرائيلية الأخيرة تُفيد بهذه الحقيقة والكل في حالة ترقّب حذر لماهية سير الأحداث الناجمة عن التهديدات المتبادلة ما بين إيران وإسرائيل. الحرب القائمة تضع كافة القوى في موضع إما الدفاع أو الهجوم، فلم يعد بإمكان الجبهة العربية التحكم بسير الأحداث ولا هي قادرة على لملمة أشلائها؛ نظراً لتجزئة المواقف والمصالح، وحتى لا يُحسب لها الحساب كما السابق وأكثرها الدور المصري والسوري. أما بالنسبة للاحتلال التركي فهو معركة الوجود واللاوجود. لذا؛ تستخدم كافة الجبهات بالتهديد والعويل تارةً وبتسيير سياسة الإبادة تجاه الشعب الكردستاني بشكل خاص تارةً أخرى، لكن الشعب الكردستاني يقظ تجاه كل ما يمكن مواجهته، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، فهو صاحب مشروع استراتيجي باستطاعته قلب موازيين هذه الحرب لصالح قضيته العادلة في الأجزاء الكردستانية الأربعة.