سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من أروقة الإبداع/ الشاعر: إيليا أبو ماضي/ القصيدة: فلسطين

عبد الرحمن محمد –

ولد إيليا أبو ماضي في منطقة المحيدثة في المتن الشماليّ من جبل لبنان سنة ألفٍ وثمانمائة وتسع وثمانين للميلاد، وتنقل بين العديد من الدول العربية، حيثُ هاجر إلى مصر عام1900م.، وسكن الإسكندرية، وهناك أولع بالأدب والشعر، فحفظ منه الكثير، وطالع كتب النثر.
عمل في تجارة التبغ، حيثُ كانت مصر مركزاً للعديد من المفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك. ومنذ أن بدأ كتابة الشعر نشر قصائده في مجلاتٍ لبنانيّة كانت تصدر في مصر كمجلة العلم والإكسبرس، وهناك التقى وتعرف بالأديب أمين تقي الدين، الذي تبناه ونشر أولى أعمال إيليا في مجلة الزهور.
كان أول دواوين إيليا أبو ماضي الشعرية هو” تذكار الماضي” الذي أصدره سنة 1911م. وقد كان يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً. ومن الأغراض الشعرية التي كتب فيها (الشعر السياسي والوطني) مما جلعه عرضةً لمضايقات السلطة الرسميّة، فاضطر للهجرة نحو أمريكا الشمالية سنة 1912م.؛ وتنقل بعدها في الولايات المتحدة حتى استقر في نيويورك، وعمل هناك نائباً لتحرير جريدة مرآة الغرب.
 تعرَّف إلى عظماء الأدب في المهجر، فأسس الرابطة القلمية مع جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، والتي كانت نافذة لإيليا أبو ماضي لينشر فلسفته الشعرية.
 أصدر إيليا أبو ماضي العديد من الدواوين الفلسفية والفكرية والتي من أهمها: تذكار الماضي، إيليا أبو مستقبل، الجداول، الخمائل، تبر وتراب، الغابة المفقودة، قصص “الأغرش ومرأته الهبلة”. وتوفي عام 1957م.
“فلســـــــــــــــــــــــطين”
“ديارُ السلامِ ، وأرضُ الهنا
يشقُّ على الكلِّ أنْ تحزنا
فَخَطْبُ فلسطينَ خطبُ العلى
وما كانَ رزءُ العُلى هيِّنا
سَهِرنْا لَهُ فكأنَّ السيوفَ
تخزُّ بأكبادِنا ههنا
وكيفَ يزورُ الكرى أعيناً
ترى حولَهَا للرَّدى أعينا ؟
وكيفَ تطيبُ الحياةُ لقومٍ
تُسدَّ عليهمْ دروبُ المنى ؟
بلادهمُ عرضةٌ للضَّياعِ
وأمَّتهمْ عرضةٌ للفنا
يُريدُ اليهودُ بأنْ يصلبوها
وتأبى فلسطينُ أنْ تذعنا
وتأبى المرؤةُ في أهلِها
وتأبى السيوفُ ، وتأبى القَنَا
أأرضُ الخيالِ وآياتِهِ
وذاتُ الجَلالِ ، وذاتُ السنا
تصيرُ لغوغائهمْ مسرحاً
وتغدو لشذَّاذِهمْ مَكْمنا ؟
بنفسيَ (أُردنُّها) السلسبيلُ
وَمَنْ جاوروا ذلكَ الأُردنا
لقد دافعوا أمسِ دونَ الحمى
فكانتْ حروبهمُ حربنا
وجادوا لكلِّ الذي عندهمْ
ونحنُ سنبذلُ ما عندنا
فقلْ لليهودِ وأشياعهم
ألا لَيتَ (بلفورَ) أعطاهمُ
بلاداً لَهُ لا بلاداً لنا
(فلندنُ) أرحبُ من قُدسِنا
وأنتمْ أحبُّ إلى (لندنا)
ومنَّاكمُ وطناً في النجومِ
فلا عربيَّ بتلكَ الدنى
أيسلبُ قومَكم رشدَهمْ
ويدعوهُ قومكمُ محسنا ؟
ويدفعُ للموتِ بالأبرياءِ
ويحسبهُ معشرٌ دِّينا ؟
ويا عَجَباً لكمُ توغرونَ
على العَرَبِ (التامزَ والهدسنا)
وترمونهمْ بقبيح الكلامِ
وكانوا أحقَّ بضافي الثنا
وكلُّ خطيئاتهمْ أنَّهمْ
 يقولونَ ؛ لا تسرقوا بيتنا
فليستْ فلسطينُ أرضاً مشاعاً
فَتُعطى لمنْ شاءَ أن يسكنا
فإنْ تطلبوها بسمرِ القنا
نردُّكمُ بطوالِ القنا
ففي العربيِّ صفاتُ الأنامِ
سوى أنْ يخافَ وأنْ يجبُنا
وإنْ تحجلوا بيننا بالخداعِ
فلنْ تَخْدعوا رجلاً مؤمنا
وكانتْ لأجدادنا قبلَنا
وتبقى لأحفادِنا بعدنا
وإنْ لكمْ بسواها غنى
وليسَ لنا بسواها غنى
 تحسبوها لكُمْ موطناً
فلمْ تكُ يوماً لكمْ موطنا
وليسَ الذي نَبْتغيهِ مُحالاً
وليسَ الذي رُمتمُ ممكنا
نصحناكُم فارعووا وانبذوا
 (بلفورَ) ذيَّالكَ الأرعنا
وإمَّا أبيتمْ فأُوصيكمُ
بأنْ تحملوا معكمُ الأكفنا
فإنَّا سنجعلُ من أرضِها
لنا وطَناً ولكمْ مدفنا !”