ربما كانت مقولة إن “التاريخ يعيد نفسه” لها نصيب من الحقيقة بعض الأحيان إن توفرت الظروف الموضوعية والذاتية لذلك، لكن يبقى للتاريخ مساره الخاص الذي لا يمكن لأحد أن يحدد اتجاهه مهما كانت درجة قوته وعظمة مهاراته، حينها ربما يبطئها ويقلل من سرعتها لكنه بكل تأكيد لا يمكنه مطلقًا تغيير وجهة التاريخ مهما عمل ومهما كان يمتلك من عناصر القوة. وهنا لا يمكن قياس التاريخ سنوات عدة أو عقود لأن التاريخ يحقق ديمومته بشكل بطيء وطويل نوعًا ما، بخلافنا نحن البشر الذين نسعى للحصول على ما نبتغيه في أقصر وقت ممكن.
نتحدث عن التاريخ لأن ما نعايشه في هذه المرحلة شبيه تقريباً وربما يكون شكله المكثف ما تم معايشته خلال القرن المنصرم، وخاصة خلال فترتين مهمتين كانتا فاصلتين ومحددتين للقرن العشرين، فترة الحرب العالمية الأولى والثانية على وجه التحديد. ما نراه الآن شبيه تقريباً بتلك المرحلتين وإن كنا نعيشهما بشكل مكثف وسريع للغاية، حتى أنه كثير من الأحداث تحصل ونحن لم ندرك ما حصل قبلها.
تقسيم المنطقة في وقتنا الحاضر إلى دويلات وشبه إمارات على غرار ما حصل في الحرب الكونية الأولى، ربما ما يخطط له هو هذا الأمر إن بدأ من العراق وسوريا واليمن ونراه الآن في ليبيا والتدخل التركي فيها يوحي إلى هذا الشيء يقينًا وإن لم نمتلك الأدلة لذلك. ونفس الأمر ما حدث في الحرب الكونية الثانية من ظهور قوتين نديتين في أوروبا حاولتا السيطرة على العالم وهما الفاشية الإيطالية المتمثلة بموسوليني والنازية الألمانية والتي تمثلت بهتلر. وكلاهما تم القضاء عليهما بعد أن دمرتا أوروبا بشكل كامل وكانت من نتائجه ظهور أمريكا كقوة عالمية مهيمنة بلا منافس.
هتلر الذي طَلَّ على مسرح التاريخ كقائد فذ من غير منافس استطاع أن يجعل من ألمانيا قوة عسكرية هائلة في وقت قصير، وكذلك بناء جيش ضخم من شعوب شتى إن كانت من الدول التي كان يحتلها أو من الذين أيقنوا بأن هتلر سينتصر وسيكون القائد الملهم على العالم، أم كانوا من مسلمين البوسنة وفلسطين وغيرها من الدول، الذين شكلوا فرق عسكرية لدعم هتلر في حربه ضد فرنسا وإنكلترا وروسيا بتحريض من مفتي القدس أمين الحسيني. لم تصمد أمامه كل دول أوروبا التي تم تدميرها الواحدة تلو الأخرى وجيش هتلر يسير رافعًا يديه اليمنى يحيي فيها قائده في كل بلد يتم احتلاله. نشوة النصر هذه جعلت من هتلر يعيش جنون العظمة كالشخص الذي لم يعد يرى أمامه سوى ظله الممتد حتى الأفق.
حاول هتلر أن يتجه نحو الجنوب بعد الانتصارات التي حققها في أوروبا وأسمه الذي غزا العالم وكذلك صيته ووحشيته بتدمير الدول والمدن التي يحتلها، بعد أن يُطلق يد جنده في شعوبها ليعيثوا قتلًا ونحرًا واغتصابًا وسرقة وفساد. أراد بهذه السمعة التي صنعها لنفسه أن يحتل الشمال الإفريقي أيضًا ليكون سيدًا على العالم أجمع. لكن كما قلت أن التاريخ لا يضحك للإنسان دائمًا وربما تكون بلاد الرمال المتحركة هي التي تقضي على جشع ووحشية كل مستبد وظالم. فكانت معركة العلمين 1942 التي هُزِمَ فيها هتلر في مصر وشواهد تلك المعركة ما زالت شاخصة على شواطئ المتوسط بين رمال مصر المتحركة. ولتكون هزيمة هتلر على أسوار موسكو هي متممة لهزيمته في العلمين لا أكثر.
الآن وبعد عقود سبعة يطل علينا أردوغان وهو يتشبه بهتلر ويسعى للسيطرة على المنطقة وإعادة الخلافة العثمانية من جديد. دمر العراق ولا يزال مستمرًا في ذلك بعد أن دمر سوريا ونقل آلاف المرتزقة السوريين والمتطرفين الأجانب إلى ليبيا ويعمل على إيصالهم إلى اليمن، بعد أن نشر جنوده في قطر والصومال وغيرها من الدول في إفريقيا.
هتلر الذي اعتمد على العرق الآري كي يهيمن على العالم هو نفسه أردوغان الذي يعتمد على العرق العثماني ليحتل المنطقة ويستحضر أجداده في كل مرة كي يعيد أمجادهم. هتلر الذي اعتمد على جيشه والمرتزقة من المسلمين في حروبه ومعاركه هو نفسه أردوغان الذي يعتمد على جيشه والمرتزقة الذين يدعون الإسلام إن كانوا من الدول العربية أو دول العالم على أساس أنهم يحاربون الكفرة. هتلر الذي كان يتفق مع اليهود سرًا ويحاربهم علنًا إلى أن تأسست إسرائيل على أنقاض سقوط هتلر، هو نفسه أردوغان الذي يعادي اليهود علنًا ويتفق معهم سرًا وينفذ ما يريدون. العامل المشترك بين هتلر وأردوغان ربما تكون رمال الشمال الإفريقي التي هزمت هتلر في 1942 في العلمين، ربما تكون نفس الرمال التي ستهزم أردوغان ومرتزقته من الفرق الأردوغانية وتقضي عليهم في 2020.
لعمري، كيف أنه ليس لهتلر والشعب الألماني أية علاقة بالعرق الآري وهو منهم بريء وكذلك الأصحاب الحقيقيين للعرق الآري وهم الكرد بريئين من هتلر ومن أفعاله ووحشيته، كذلك الأتراك بريئين من أردوغان وعثمانيته لأن أصوله ترجع للشعب اللاز ويقال أنه من أصول يهودية، وهم ليس لهم أية علاقة لا بالأتراك ولا بالعثمانيين. ولكنها السلطة والمال حينما تُعمي البصر والبصيرة تكون النتيجة هي ظهور الدكتاتوريين والمستبدين من أمثال هتلر وأردوغان.
ويبقى سؤالنا الذي لا يزال ينبغي البحث عن إجابة له؛ من المستفيد من هتلر وأردوغان؟ ربما تكون الإجابة السريعة هي أنه كيف بنهاية هتلر ورغم كل شيء تأسست دولة إسرائيل الصغرى بعد الحرب العالمية الثانية، ربما يكون أردوغان هو السبب بعد القضاء عليه طبعًا كما هتلر، السبب في ظهور إسرائيل الكبرى بعد الحرب العالمية الثالثة.