No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح إيبو –
الزيارة الخاطفة لجيمس جيفري المستشار الخاص لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون التسوية في سوريا إلى مدينة منبج واجتماعه مع أعضاء الإدارة المدنية لمدينة منبج وريفها الأسبوع المنصرم يدل على أنه ثمة خطوط حمراء كثيرة وضِعت أمام التهديدات التركية التي أعرب عنها رأس الهرم التركي رجب طيب أردوغان باجتياح منبج وشرق الفرات في حال لم تعمل الولايات المتحدة على تطبيق خارطة الطريق التي وافق عليها الطرفان في الثامن من حزيران الماضي.
منبج التي تعتبر البوابة الوحيدة لقوات التحالف الدولي في غرب الفرات ومنها يتم بناء التوازنات بين القوى الدولية المتواجدة في سوريا (روسيا وأمريكا) ومحاولة القوى الإقليمية للاستفادة من تناقضات القوتين، لكن بالنسبة للإدارة الذاتية الديمقراطية تعتبر منبج التي تضم المكونات العربية والكردية والتركمانية إضافة للمسيحين نموذجاً حياً وواقعياً، على مدى قدرة مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الصمود في وجه التحديات الخارجية والمؤامرات التي تستهدفها في الداخل والخارج.
الاتفاق الأمريكي ـ التركي حول منبج مطلع حزيران الماضي والذي لم تتضح بعد كامل تفاصيله، أعطى فرصة ذهبية لأردوغان للنجاح في انتخابات الرئاسة التركية واعتبار هذا الاتفاق مكسباً سياسياً يضاف إلى احتلال عفرين، ويعزز فُرص نجاحه السياسي، ولكن اليوم يحاول أردوغان استثمار منبج وتهديد شرق الفرات لأهداف سياسية مماثلة ويفصح المجال أمام مناورة قد تقضي على أحلامه في سوريا في حال قرر النظام السوري استئناف حملته العسكرية على إدلب يحاول الروس إبقائها تحت الحماية التركية وفق اتفاقية سوتشي الأخيرة.
لكن يبدو أن تركيا التي بدأت تستشعر دنو أجل علاقاتها الوطيدة مع روسيا في سوريا والمنطقة، بدأت بالتقرب من أمريكا والغرب، عبر الإطلاق المفاجئ لسراح القس الأمريكي برانسون، والهرولة لتهديد شرق الفرات ومنبج بهدف خلط الأوراق السياسية ومحاولة حصد بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية من أمريكا وروسيا في الآن ذاته، وترافق ذلك مع هجمة روسية على أمريكا وشرق الفرات والتي عززتها تصريحات دمشق في إشارة إلى توافق في محور آستانا، على نقل الإرهاب من إدلب إلى حدود منبج الآمنة وكسر حاجز الجليد في العلاقات الروسية ـ الأمريكية وفق استراتيجية جديدة قد تعيد رسم خارطة القوى على الأرض وتعيد محور المفاوضات لمسار جديد بلاعبين جدد.
التخلي الغربي عن مدينة منبج لصالح تركيا أو الروس، يعني إن استراتيجية التحالف الدولي المناهض للإرهاب في سوريا فشلت، وباتت هذه الدول التي تقود العالم في مهب الريح وتسقط هيبة أمريكا التي ما لبث رئيسها ترامب أن يفاجئ العالم بقراراته الغريبة والتي آخرها إمكانية انسحاب بلاده من اتفاقية حظر الأسلحة النووية المتوسطة المدى مع روسيا، وهو ما يفتح المجال أمام إعادة صراع التسلح بين هاتين القوتين إضافة للصين في هذا المجال، ويصعد الخلاف السياسي والذي قد يؤدي مجبراً لسلسلة لقاءات تجمع مسؤولي الدولتين وتعديل اتفاقياتهما فيما يخص سوريا وإعادة إعمارها.
من هنا يتضح أن أمريكا وفرنسا لن تتخلى عن منبج لصالح تركيا أو روسيا، لأن ذلك يعني انتهاء نفوذيهم في الشرق الأوسط، ولا سيما أن تحرير منبج من مرتزقة داعش على أيدي مقاتلي مجلس منبج العسكري ووحدات حماية الشعب كان باتفاق مع تركيا، والذي كشف عنه مسؤولين أمريكيين وقادة قوات سوريا الديمقراطية سابقاً، وتسقط هذه المعلومات ما يروجه الأتراك من مخاوف، لكن كيف يمكن أن يكون مستقبل منبج؟.
من خلال سياق حديث جيمس جيفري الأخير على موقع وزارة الخارجية الأمريكية عن وضع منبج وخارطة الطريق الأمريكية التركية حول منبج، يتضح أنه لن يتم السماح بدخول قوات عسكرية تركية إلى منبج، وهناك خطوات سياسية لاحقة، لكن لم يتم إيضاحها بعد، وقال جيفري أن 40 % من الأراضي السورية خارجة عن سيطرة النظام، في إشارة إلى المناطق التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية والمناطق التي تحتلها تركيا بما فيها إدلب.
هذا التصريح الأمريكي يُخفي في طياته خطة غربية لتأطير المجموعات المسلحة وربما تغير القوى الفاعلة في الشمال السوري المحتل، ويمكن التخمين والتأكيد على أنه ثمة ضغوط غربية خفية على تركيا لسحب قواتها من الشمال السوري في وقت لاحق، وما يؤكد ذلك هي تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن وجود شروط تركية للانسحاب من سوريا، في ظل الحديث الدائر عن ضرورة كف يد القوى الإقليمية الفاعلة في سورية.
إذاً منبج المدينة الصغيرة، تحولت اليوم إلى مركز ثقل دولي وحجر التوازن بين القوى المختلفة، لكن ما يهمنا هنا هو أن منبج هي القاعدة الخلفية لتحرير عفرين وبوابة دمقرطّة سوريا عبر نموذجها الديمقراطي الذي اثبت نجاحه وصموده في وجه الفتن.
No Result
View All Result