سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

منبج… ازدهار كبير بعد التحرير ـ5ـ

تحقيق/ أكرم بركات – جمعة محمد –
تحولت مدينة منبج بعد تحريرها على يد مجلس منبج العسكري من مدينة يلفها السواد ومغلقة المداخل والمخارج، لا حياة فيها ولا روح صديقة للجوار، إلى مدينة مزدهرة وآمنة أثرت بعواملها هذه على المنطقة برمتها وجذبت آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية إليها، لكن هذا لم يمنع الأعداء من التربص بها وإيجاد سياسات عدائية جديدة ضدها.
في الـ 12 من آب عام 2016م (يوم تحرير منبج)، خرجت بشائر النصر من مدينة منبج على يد مقاتلي ومقاتلات مجلس منبج العسكري الذين أعلنوا عن انتهاء حقبة داعش السوداء وبدء مرحلة جديدة سيرسم ملامحها أبناء المدينة.
منبج التي رزحت تحت حكم المرتزقة الذين جاؤوا إليها من مختلف أصقاع العالم، وتعرضت للتدمير، القتل، والسرقة، بدأت تتنفس هواء الحرية من جديد، وتقف وهي تستند على أبنائها الأصليين.
كان مجلس منبج المدني الذي تم تشكيله قبل أسابيع من بدء الحملة وتحديداً في الـ 5 من نيسان 2016م، حاضراً بقوة بعد تحرير المدينة كما كان حاضراً إبان الحملة، إذ بدأ فور التحرير بتنظيف المدينة من مخلفات الحرب بالتعاون مع المجلس العسكري إضافة إلى إزالة الركام وكل آثار الحرب.
الخطوة الأولى.. تشكيل المجالس والكومينات
على صعيد تنظيم أهالي المدينة والقرى، كان تشكيل الكومينات والمجالس أول خطوة لمجلس منبج المدني الذي شرع بعد أسابيع من تحرير المدينة بعقد اجتماعات للأهالي شرح فيها أهمية تشكيل المجالس المحلية للأحياء والكومينات للقرى.
وتضم المجالس والكومينات لجان خدمية مثل لجان الصحة، الخدمات، الصلح، الاقتصاد، التربية والحماية، تعمل على تقديم كل ما يلزم الأهالي الذين يقطنون في نطاق انتشارها الجغرافي. وبعد أشهر من العمل تمكن المجلس من تشكيل مئات المجالس والكومينات للأحياء والقرى لتبدأ عملها ويعتمد الأهالي على أنفسهم في التنظيم وتأمين متطلبات الحياة.
الإعلان عن الإدارة المدنية الديمقراطية لمدينة منبج
استطاع مجلس منبج المدني وبعد مضي أكثر من ثمانية أشهر على تشكيله أن يهيئ الأرضية للإعلان عن الإدارة المدنية الديمقراطية في مدينة منبج وتشكيل المجلس التشريعي لإدارة المدنية التي تحررت حديثاً من مرتزقة داعش.
وبهدف تنظيم العمل الخدمي والإداري في المدينة وإشراك ممثلي جميع مكونات منبج في الإدارة، أعلن المجلس في الـ 28 من شهر كانون الثاني 2017م عن توسيع صفوف مجلسه من 43 عضواً إلى 132 عضواً وعضوة ممثلين عن جميع مكونات المدينة من الشركس، الأرمن، الكرد والعرب والتركمان.
وفي الـ 28 من شهر شباط 2017م أي بعد شهر من توسيع صفوفه أعلن مجلس منبج المدني عن تغيير اسمه إلى الإدارة المدنية الديمقراطية لمنبج وريفها، وانتخاب زينب قنبر وابراهيم القفطان كرئاسة مشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة ذاتها.
وكلف المجلس التشريعي الذي كان قبلاً مجلساً مدنياً الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي بمهمة تشكيل لجان مجلسهم التنفيذي، حيث استطاعت الرئاسة تشكيل مجلسها مؤلفاً من 13 لجنة وهي لجنة الخارجية، الداخلية، الصحة، الدفاع، المرأة، الثقافة، البلديات، الشؤون الاجتماعية والعمل، المالية، الاقتصاد، الشباب والرياضة، التربية ولجنة عوائل الشهداء، لكل منها رئاسة مشتركة صادق عليهم المجلس التشريعي في الـ 12 من شهر آذار من العام ذاته.
واقع المدينة نحو الأفضل
وبعد تشكيل المجالس والكومينات والانتهاء من إزالة مخلفات الحرب والدمار الذي لحق بالمدينة جراء المعارك التي شهدتها إبان التحرير، دخلت مدينة منبج مرحلة جديدة وبدأت ملامح الحياة فيها بالتغير.
ففي ظل الأزمة التي كانت تعيشها مدن سورية كثيرة، شهدت منبج نهضة عمرانية، اقتصادية وخدمية ضخمة كان العامل الرئيس فيها هو الأمن الذي وفرته قوات مجلس منبج العسكري التي تدافع عنها. فتشكلت أغلب المؤسسات الخدمية، التعليمية، والاقتصادية والأمنية، وهي التي تكفلت بتنظيم شكل الحياة في المدينة، فتحولت منبج بفضل ذلك إلى عقدة مواصلات في الشمال السوري، إلى جانب تحولها لأكبر مركز تجاري في الشمال السوري، وهذا الأمر ساهم في تضخم معدل عدد سكانها، حيث شهدت منبج حركة تجارية كثيفة على صعيد الصادرات والواردات حتى باتت تمد مناطق الشمال السوري بالكثير من المواد التجارية الأساسية بكميات كبيرة.
وسعت الإدارة إلى نشر مفهوم الجمعيات التعاونية التي تم تشكيل العديد منها، وساهمت في افتتاح مشاريع عدة في المدينة من أبرزها الصيدلية المركزية وما يزال العمل جارِ على افتتاح مول تجاري مركزي في المدينة.
نهضة في قطاع
التربية والخدمات
فور تحرير المدينة ما كان لمجلس منبج المدني إلا العمل على افتتاح المدارس ودربت المئات من المعلمين والمعلمات للإشراف على العملية التربوية التي انطلقت بعد التحرير بعد أكثر من ثلاثة أعوام على الانقطاع من التعليم.
ففي عام 2017م افتتحت 340 مدرسة من أصل 400 مدرسة متواجدة في منبج، قصد هذه المدارس ما يزيد عن الـ120 ألف طالباً وطالبة. هذا غير افتتاح أكاديميات التوعية الفكرية، كأكاديمية الشبيبة التي تسمى بـ»أكاديمية الشهيد هوزان جان»، وأكاديمية الشهيد «اسماعيل أبو حسين» التي خرجت المئات من أعضاء المؤسسات العاملة في المدينة والريف.
وكان للمؤسسات الخدمية التي فعلتها إدارة منبج بعد التحرير دوراً بارزاً وكبيراً في إحياء المدينة، فمع تفعيل البلدية عاد للمدينة رونقها الجميل، حيث عملت الأخيرة على صيانة وتعبيد الشوارع إضافة إلى الجسور الرئيسية في المدينة، هذا غير العمل على صيانة شبكات الكهرباء وإيصال التيار الكهربائي من سد تشرين إلى مركز المدينة، إضافة إلى افتتاح العديد من الأفران أسوة بالمطاحن التي تسد حاجة المدينة من مادة الخبز.
كما سعت الإدارة للرقي أكثر بالواقع التنظيمي في منبج وريفها عندما شجعت خطوة تشكيل الاتحادات، مثل اتحاد الفنانين والمثقفين، واتحاد صاحبي المولدات الكهربائية وغيرها الكثير من الاتحادات.
الحماية
تكفلت قوات مجلس منبج العسكري بحماية حدود المدينة من هجمات الجهات المعادية، حيث تصدت في العديد من المرات لهجمات جيش الاحتلال التركي ومرتزقته على جبهات متعددة في منبج، فيما عملت قوى الأمن الداخلي التي تم تشكيلها عقب تحرير المدينة على صون الأمن داخل مدينة منبج وقراها.
وأقبل شبان وشابات منبج بشكل كثيف على الانضمام إلى قوات مجلس منبج العسكري، حيث افتتح المجلس العديد من الأكاديميات لتدريب المقاتلين والضباط داخل صفوفه، من أبرز الأكاديميات أكاديمية الشهيد «فيصل أبو ليلى» التي فاق عدد المنضمين إليها الآلاف في مسعى منهم الحفاظ على أمن وسلام مدينتهم.
الحضن الدافئ للنازحين
ولأن جميع مقومات الحياة توفرت في مدينة منبج وريفها ولا سيما عامل الأمن والسلام، تحولت مدينة منبج التي كانت فيما مضى سجناً إبان سيطرة داعش عليها إلى موطن للنازحين الذين توافدوا إليها من مختلف المناطق السورية التي شهدت حرباً ضروس.
ووصل عدد النازحين في منبج في بعض الأحيان إلى أكثر من 100 ألف نازح، فيما كان العدد ينزل ويصعد بحسب الأوضاع العسكرية والمدنية على الساحة السورية وبخاصة الرقع الجغرافية المجاورة لمنبج، واستقبلت إدارة منبج النازحين في مخيمين هما مخيم منبج الشرقي والغربي، ضمت هذه المخيمات مئات الخيم وأشرفت الإدارة بالتعاون مع بعض المنظمات الإنسانية على رعايتهم.
مثال في التعايش المشترك ونموذج لسورية المستقبلية
وأضحت مدينة منبج وريفها التي عرفت على مدى التاريخ بتنوعها الثقافي والعرقي والإثني بعد تحريرها من داعش مركزاً للتعايش المشترك فيما بين مكونات المنطقة من العرب، الكرد، التركمان والشركس، الذين تشاركوا سوية في إدارة منطقتهم في ظل الإدارة المدنية الديمقراطية وحموها إلى جانب بعضهم البعض في سياق مجلس منبج العسكري.
وفي حين كان الصراع القومي يتعالى في سورية، عملت المكونات هذه إلى جانب بعضها البعض على إدارة نفسها ومنطقتها، حتى أصبحت المنطقة نموذجاً لسورية المستقبل ومثال في التعايش المشترك.