سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مقتطفات عن حياة شاعر التسكع والغربة

الشاعر حسين مردان، شاعر لم يكن يخشى مغبة الجهر بأسراره الذاتية والفكرية والحياتية، فكان يكتب وهو مليء بالكبرياء.. ولم تكن حياته الا مغامرة بذاتها، في ما كتب من حيث الأفكار في فترة العراق كان في غليان سياسي، فهي فترة مبنية على الرفض للواقع القائم وعلى التمرد على الكثير من أوجه الحياة. والشاعر حسين مردان من مواليد 1927، محافظة ديالى، قدم إلى بغداد عام 1947 حيث مارس العمل الصحفي، عاش حياة خاصة مشوبة بالتمرد والانفعال الوجداني الأمر الذي جعله يترك الدراسة لينشغل مع همومه الذاتية، فقد انسجم مع الحركة الوطنية، وعلى أثر ذلك سجن عام 1952 لمواقفه السياسية. وتوفي عام 1972 إثر نوبة قلبية.
له من الاعمال: “قصائد عارية 1950 ـ اللحن الأسود 1950ـ طراز خاص ـ الأرجوحة هادئة الحبال ـ رجل في الضباب 1951”.
للشاعر جماهيرية كبيرة من المثقفين والنخبة، وحتى وقتنا الحاضر. كان صريح في مجاهرته لذاته في مواجهة الآخرين.
تكاد المرأة في أدبه أن تكون القاسم المشترك للكثير مما كتبه من شعر ونقد ادبي ونثر مركز، وقصص قصيرة ومقالات صحفية، كان يحب الحياة، ويكره الموت كما لوكان قريناً بالصمت. وعن المرأة يقول في قصيدته (الأرجوحة)
“بكل منعطف خليع
تصطاف ازهار الربيع
هل انت من ماء وطين؟
ام سلة من ياسمين”.
الشاعر يبرر غربته وضيقه بالعالم حيث يقول..
“كيف لا أضيق بهذا العالم
نصفه من المراهقين
والآخر لا يجيد غير
صناعة الرصاص
أنه لعالم مخيف”
أنه يحافظ هنا على اطروحات الشعر المنثور وتقنياته، فهو متمرد على طريقته، ومجدد على طريقة الشعر النثري، الذي يحفل بالمفارقات والصور المتضادة ليخلق منها القصائد الشعرية التي يستعاض بها عن الموسيقى المعتادة في الشعر التقليدي وإما الرومانسية الثورية، تجعل حسين مردان يطفوا على سطح أفكاره حين يرفض الحب بانتظار الحلول الشاملة للمجتمع إذ يقول…
“سأترك الحب إلى حين
إلى أن نجد العسل لكل طفل
وعندئذ سأعود
إلى حبيبتي الجميلة كقنديل من ماس
وإلى جسمها القهوائي”
الاحباط في شعر حسين مردان بارز حيث يرسم صورة المحبط المازوم، وصولاً إلى غرض يرمي منه إلى جعل المتلقي يلقي بأسباب ذلك الاحباط على المجتمع، الذي عاش فيه الشاعر في الاربعينيات من القرن الماضي، وعلى سياسة الدولة وحكامها الذين قيدوا حركة المثقفين الأحرار، وأفرغوا الثقافة من محتواها الأصيل. والمحبط هو سوداوي النظرة متشائم، حزين يعيش أزمته بتوحد، ففي قصيدة (براكين) يشبه وجوده بلطمة عار سوداء، حينما يقول..
“يا ليالي لم أكن غير خطّ
أسود اللون في جبين الدهور
لعنة جئت للحياة وأمضي
مثلما جئت لعنة للقبور..”
تأثر الشاعر بالفلسفة الوجودية، من خلال كتابات سارتر، وحيث اتفق مع قول القاص عبدالرزاق الشيخ، حين قال (الوجودية ليست فلسفة اباحية مدمرة كما وصفها أنصاف المثقفين، وإنما هي مرحلة فكرية، هدفها تحرير العقل من القيود والتقاليد تناسب تطور الفكر البشري، ورفع الإنسان إلى قمة البطولة ليتحمل مسؤولياته وأخطاءه وحده). وفي تلك الفترة كانت الوجودية منتشرة في جميع العالم، وكانت ظاهرة لم يمر مثلها الكثير في تاريخ الأدب، حياة تجتمع على رغبة متأصلة على التمرد، مليئة بالحركة والتوتر، مشحونة بالجدة، متداخلة بالريبة والشك في عالم مضطرب، ويمتاز بلغة أنيقة المظهر، ولكنها أيضاً لغة جارحة يهمها أحداث الصدمة. وكان مهوساً بذلك الأبيقوري الملتهب…
من نماذج شعره:
“أنا الغريب
أنا وحدي أعوم في الثلج
وعندما يضرب الليل عيني
سأذهب إلى بيتي الصغير
لأسهر مع الكتب
الكتب.. السرطان
الذي يأكل أحداقي
إن وجهي كله ورم
وجسمي بحيرة كحول
أما رأسي
فهو مأوى لأفعى الكوليرا
وقلبي كله تجاعيد
فابحثي عن رجل مهذب
ففي شفتي ما في الأسد
من نتن
أنا بقايا وحشية الغاب
غداً سينبثق فجر يوم جديد
وبغداد غرقى بالأضواء
والشفاه التي ظلت يابسة
سنة سنة كاملة
تبسم للنسيم البارد
حتى القلوب الميتة
الموغلة في الموت
تتحرك مبتهجة”