يمكن أن نصف الأمن الاجتماعي بأنه قدرةُ الإدارة على الحفاظ على سلامة الأفراد والجماعات من أي أخطار داخلية أو خارجية، أو أي مؤشراتٍ تهدد أمنهم وسلامتهم، مثل التهديدات العسكرية أو الاعتداءات الداخلية أو الخارجية على الممتلكات أو التخريب والسرقات والحدّ من الجريمة، والتصدي لها من خلال بسط سيادة القانون وفرض النظام، بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية والقضائية، أو استخدام القوة إن لزم الأمر.
إنّ الأمنَ والأمان يُعدّ مطلباً أساسياً لدى المجتمعات المختلفة، فالمُجتمعُ الذي يسوده الأمن ينعكس ذلك على درجة تقدمه وعلى سلوكياته ودرجة الرُقي فيه، فالمُجتمع الآمن مجتمعٌ مستقر، تنتشر طمأنينة النفس بين أفراده مما يحفزهم على العمل والإنتاج والابتكار والإبداع والحفاظ على الهوية الوطنية.
عوامل تهديد الأمن الاجتماعي
هناك العديدُ من العوامل التي تهدد الأمنَ الاجتماعي، وتزعزع استقرارَ المجتمعات، وهي:
آ- الانحراف: وهو انتهاكُ المعايير والحقوق والقواعد، من خلال اتباع المنهج الخطأ وتجنب الفطرة السليمة والميل عن المسار المحدد، مثل الاعتداء على النفس أو على الغير والاعتداء على الممتلكات، أو الجرائم التي تنافي الأخلاق، ومنها ما يعتبر تعدياً على الأمن الاجتماعي مثل الاحتكار.
ب-الفقر: يُشكل الفقر بيئةً غنية ومناسبة للانحراف الاجتماعي؛ لأنّ العوزَ والحاجة والحرمان تؤدي بأصحابها للجنوح الذي يدفعهم لارتكاب السرقات واللجوء إلى الانتقام، ويؤدي الفقرُ إلى التشرد والعدوان بسبب الحرمان من مقومات الحياة مثل الرعاية والمأوى والتعليم، مما يؤدي إلى خلل في التوازن الاجتماعي وانعدام الأمن.
ج- الغلو: وهو تجاوزُ حدّ الاعتدال بشكل مبالغ فيه ونوعٌ من أنواع التطرف. وأخطر أنواعه الغلو الاعتقادي الذي يبيح لأصحابه ارتكاب الجرائم، ونبذ الآخرين ومعاداتهم، والغلو الفكري أيضاً يزعم احتكارَ الحقيقة، مما يُولّد الكرهَ والحقد والضغينة والقطيعة بين أفراد المجتمع الواحد، وبالتالي إلى تهديد الأمن وزعزعة أركانه.
د- المخدرات: وهي من أخطر الآفات التي تهدد استقرارَ وكيان المجتمعات، فهي تعتبر بوابةً للجرائم كالسرقة والاعتداء وأحيانا القتل، فالمخدرات لها تأثيرٌ سلبي على العقول والأبدان، وتورث الخمولَ والاستهتار، مما يبدد الطاقات والثروات، وبالتالي إفساد العلاقات الاجتماعية.
و- البطالة: إنّ ازديادَ أعداد البطالة في المجتمع يؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة، فيؤثر سلباً على جميع نواحي الحياة للأفراد، فتزيد بذلك الجرائمُ وينتشر العنف وتتفشى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، مما يزعزع معيشة الإنسان ويزعزع استقرار الأمن.
هـ-الهجرة: وهي ظاهرةٌ عالمية تعاني منها العديد من المجتمعات، وأخطرها هجرةُ العقول والكفاءات العلمية، وخاصة في الدول النامية مما يُفقدها توظيف هذه الكفاءات لتنمية بلادها، وأيضا مشكلة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، فالتضخّم السكاني في المدن يؤدي إلى البطالة، التي بدورها تؤدي إلى الفقر ومن ثم إلى الانحراف والجريمة
آثار انعدام الأمن في المجتمعات
من أبرز آثار انعدام الأمن في المجتمعات هي:
ـ انعدام الأمن يؤدي إلى القلق والخوف وتفشي الجريمة.
ـ انعدام الأمن يؤدي إلى عدم الاستقرار وعدم القدرة على البناء والإنجاز.
ـ انعدام الأمن يؤدي إلى التشرد والهجرة.
ـ انعدام الأمن يؤدي إلى توقف مصادر الرزق.
ـ انعدام الأمن يؤدي إلى انهيار المجتمعات، وانهيار المقومات التي تساعد على استمرار وجودها.
وما ساد الأمن بلداً إلا وتراه في نموّ وتطور، وما غاب الأمنُ فيه إلا وانتشرت فيه الموبقاتُ والفساد وتهدمت فيه القيم والأخلاق، لذلك نجد أنّ وجودَ الأمن المجتمعي يعكس مدى وعي أفراد المجتمع ورقيهم، كما يعكس الهوية الثقافية لهذا المجتمع، ولا شكّ أنّ كل ذلك يساهم بشكل أو آخر في تحقيق التوازن والاستقرار بعيداً عن الاضطرابات ومظاهر العنف والتطرف؛ لذلك حثّ النبي محمد (ص) على بثّ روح المحبة والتسامح بين أفراد المجتمع، ودعا إلى تعزيز روابط الأخوّة التي من شأنها الحفاظ على أمن المجتمع، بإفشاء السلام والتحابب. وهو القائل: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَ لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»، كما نبّه من خطورة الانجراف مع الدعايات المغرضة التي تهدف إلى تمزيق أواصر الأخوّة وتقسيم المجتمع وإضعافه.
كما ينبغي على المجتمع أن يكون لديه مناعة قوية لمواجهة كل الأفكار والدعوات الشاذة عن هدي القرآن ورسالة سيد الأنام، وألا يكون إمعة كما جاء عنه (ص): «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَا تَظْلِمُوا».