إن حاجة المجتمع لتنظيم ذاته ضرورة كانت ولازالت قائمة للمجتمعات التي تعاني التفكك والانصهار ضمن بنيتها الاجتماعية والتي لم تعد قادرة على إيجاد حلول قائمة لقضاياها تلك.
فالحياة البشرية منذ القدم بدأت بنمط حياة طبيعية وعفوية بتنظيم ذاتها دون أن يخطط لها أحد أو يتدخل بشأنها أيَّ قوى خارجية, وحفاظها على نمط تلك الحياة هو من أهم المميزات التي تمتع بها المجتمع على الإطلاق. أي امتلكت المجتمعات منذ نشوئها وتطورها خاصية التعاون والتفكير ببعضهم البعض وخاصةً عند حاجة أحدهم للآخر، وكان نمط الحياة المسمى بالكومين أحد أهم النماذج الاجتماعية على الإطلاق.
ومن أهم الخلايا الأساسية والتي تعد كحجر أساس للمجتمع الديمقراطي هو الكومين، أي التجمع الصغير للأفراد بهدف إحياء حياة ملؤها التعاون والتشارك من جهة وتقوية شعور انتماء الأفراد لمجتمعاتهم أينما كانوا.
فالكومين أساساً له انطلاقة تاريخية وتجربة قديمة عبر التاريخ، ونجح في تحقيق ثورات اجتماعية كبيرة، أي أن وظيفة الكومين هي تولي تنظيم الأفراد في إطارين أساسيين وهما:
أولاً؛ إن نموذج الكومين أو المجتمع الصغير الذي كان انطلاقته من الكلان- القبيلة – العشيرة – فالقرية إلى المدنية وحتى إلى أكبر نموذج اجتماعي – اعتمد بشكل دائم على تطوير المفهوم الجماعي أو التشارك في السراء والضراء وخاصةً من ناحية طراز الحياة والتعاون فيما بينها وكانت حقيقة ناجحة في حياة تلك المجتمعات لما جلبته معها من نتائج إيجابية حققت الوحدة والتكاتف وزادت من محبة وألفة المجتمعات.
ثانياً؛ يعتبر وجود الكومينات في حياة المجتمعات اليوم ضرورة أكثر إلحاحاً مما سبق, حيث يتكفل نمط الكومين في الأنظمة التي تعتمد على بناء النظام الديمقراطي وبشكل هام السبيل إلى تحقيق ذاك المجتمع, أي أن وجود الكومين معني بتأسيس كل ما يخص المجتمع وبأفراده، فمثلاً هناك حاجات ضرورية وشبه يومية يحتاجها الإنسان في حياته اليومية كالمأكل والمشرب والأمور الصحية – الخدمية – التعليم – الحماية – الصلح الاجتماعي… وإلخ، كل هذه الأمور تحتاج إلى راعٍ واحد يقوم به ألا وهو الكومين. ويتم تحقيق ذلك عبر تنظيمه للّجان المختصة بذلك محققةً خطوة هامة نحو النظام الديمقراطي.
ويقول القائد عبد الله أوجلان في تطرقه إلى العصرانية الديمقراطية التي يتوجب عليها لعب دورها كأحد أهم سبل الحل للقضايا الاجتماعية الراهنة بما يلي:
“النقطةُ الثانيةُ الهامةُ بشأنِ العصرانيةِ الديمقراطية تتعلقُ بعدمِ تنظيمِها لِذاتِها أو عجزِها عن تنظيمِ ذاتِها كثقافةٍ أيديولوجيةٍ وماديةٍ بقدرِ أنظمةِ المدنية. فنظراً لأن المدنياتِ مُرغَمةٌ على تفعيلِ وتنشيطِ أجهزةِ الاستغلالِ والسلطةِ الاحتكاريةِ يومياً، فهذا ما يقتضي أنْ تَكُونَ مُجَهَّزَةً ومُنَظَّمَةً لآخِرِ درجةٍ أيديولوجياً، وأنْ تَكُونَ ضمن اتحادٍ وتَماسُكٍ وممارسةٍ على صعيدِ البنيةِ المادية. وأدواتُ التاريخِ وفيرةٌ قدرَ المستطاعِ في هذا السياق. ومَن يَشَأْ ذلك، يمكنُه العثور على ما يَرومُه. أما وحداتُ Birim العصرانيةِ الديمقراطية، فهي ليست بالوضعِ عينِه. أو بالأحرى، إنها عاجزةٌ عن التَّحَلّيِ بنظامِ البنيةِ الأيديولوجيةِ والماديةِ نفسِه، نظراً لِتَذَبذُبِها وتَخَبُّطِها بين وضعِها المُقاوِم ووضعِ استعمارِها، ولأنّ الوحداتِ Birim المستقلةَ الباقيةَ في الأقاصِ وعلى ذُرى الجبال وفي أواسطِ البوادي لَم تتطوَّرْ كثيراً. لا أقصدُ بذلك أنها غيرُ قادرةٍ إطلاقاً على تطويرِ النظامِ والأيديولوجيا والبنية. فالتاريخُ بلا ريب مليءٌ بما تَعرضُه من الثقافاتِ الأيديولوجيةِ والبُنى الماديةِ الأغنى بكثير”.