روناهي / الحسكة ـ كان وما زال الشمال السوري سلة الغذاء السوري على مدى عقود طويلة؛ وذلك لغناه بالثروات الطبيعية سواءً أكانت الباطنية منها أو الزراعية، وبفضل المناخ المناسب لزراعة أنواع المحاصيل كافة، من القمح والشعير والقطن والزيتون إلى أنواع الأشجار المثمرة كافة.
ولعل هذا الغنى في الثروات جعلها مركزاً لأطماع الكثيرين من الغزاة والمحتلين، وكانت السلطات والأنظمة الحاكمة على مرِّ الدهر تقوم باستغلال ثروات هذه المناطق ونهبها ولم يحصل أهلها إلا على اليسير منها وتعيش فقراً مدقعاً, ومع اندلاع ثورة الشمال السوري وروج آفا بدأت الإدارة الذاتية الديمقراطية بالعمل على وضع هذه الثروات تحت إشراف الشعب نفسه ليدير أموره الاقتصادية بنفسه.
ويُعدُّ القطن من أشهر الدعائم الاقتصادية التي يشتهر إقليم الجزيرة بزراعتها وعلى مساحات واسعة، أنه الذهب الأبيض الذي يصنف من أفضل أنواع الأقطان في العالم والذي يدخل في صناعات كثيرة منها النسيجية والغذائية.
تشغيل وتأهيل لخدمة المزارع ودعم للاقتصاد الوطني
وبهذا الصدد؛ أعدت صحيفتنا “روناهي” تقريراً عن مركز وحلج الأقطان في مدينة الحسكة؛ حيث حدثنا رئيس مركز الحلج رامان عبد الغفور قائلاً: “بعد التطورات والأحداث التي جرت في مناطق سوريا؛ وبخاصة روج آفا وشمال سوريا، توقفت العديد من الشركات والمراكز الاقتصادية عن العمل ومنها محلج الحسكة للقطن؛ حيث تعرّض للكثير من الدمار والتخريب بسبب الأحداث والمعارك التي دارت في المنطقة”.
وبيّن عبد الغفور أن النظام السوري كان يعمل على استغلال هذه المشاريع والمعامل لزيادة نفوذه وقوته الاقتصادية؛ والمزارع لم يكن يستفيد من إنتاج محصوله، إلا أن الأمر اختلف بعد ثورة روج آفا وشمال سوريا، ففي بداية عام 2015 تم أعداد دراسة من قِبل الإدارة الذاتية الديمقراطية عن القطن وفوائده على الاقتصاد من جهة وعلى المزارعين من جهة ثانية، حيث توصلت إلى قرار يخدم مصلحة المزارعين وأبناء المنطقة.
إعادة تفعيل المحلج
ونوه عبد الغفور بهذا الخصوص بأن الإدارة الذاتية قررت إعادة تفعيل معمل المحلج، حيث استطاعت إعادة وصيانة الصالة، إحدى الصالتين الأساسيتين في المعمل من حيث الآلات وتشغيلها من أجل العمل فيها من قِبل مختصين، وأضاف: “وبحلول عام 2017 تم تجهيز المعمل، وبدأنا باستلام القطن من المزارعين بالرغم من الكميات الكبيرة وعدم وجود مراكز تصريف؛ إلا إن الإدارة قررت استلام هذه الكمية الكبيرة من أجل دعم مزارعي القطن وبأسعار تشجيعية مناسبة؛ وعدم استغلالهم من قبل التجار الذين يتحكمون بأسعار القطن، مما يعود بالضرر على المزارعين”.
والجدير بالذكر بأنه تم استلام القطن من قِبل مراكز الزراعة التي كانت تمد المزارعين بالسماد ومقومات الزراعة الأخرى، وتم افتتاح أربعة مراكز في كل من مناطق إقليم الجزيرة منها محلج الحسكة، مبروكة، الرقة، ومحلج جلبية في كوباني.
استلام أكثر من 25 ألف طن من القطن وبأسعار تشجيعية
وأكد رامان عبد الغفور بأن المراقبين والأخصائيين عملوا على استلام القطن وعددهم أربعة في كل مركز، وكانت عملية الاستلام تتم من قبلهم، وتحديد درجات الأقطان من حيث الرطوبة والنظافة والنوعية؛ وأكد: “وكانت أسعار القطن كالتالي: النوع الأول بسعر /280/ ألف ليرة سورية للطن الواحد؛ حيث استلم معمل محلج الحسكة لوحدها أكثر من ستة آلاف طن من القطن، تمكنا من استلام الكميات كافة التي تم زراعتها من قبل المزارعين، وبلغت كميات الأقطان التي تم استلامها من قبل المراكز الأربعة حوالي /25/ ألف طن من القطن”.
تنتج أقطاناً بمنتهى الدقة في الجودة والنوعية
وعن آلية العمل في المحلج أضاف عبد الغفور: “بعد استلام الأقطان من المزارعين كانت تصنف القطن حسب نوعها ودرجة نظافتها، حيث تم وضعها في المستودعات والتي بلغ عددها أربع وعشرين مستودعاً؛ ولكل مستودع نوع ودرجة واحدة، وكل مستودع يحتوي على /300/ طن من الأقطان، وهي تابعة لصالة واحدة، كما أنه يوجد صالتين في المحلج؛ يتبعها /24/ مستودعاً”.
طريقة حلج القطن
وأشار رامان عبد الغفور بأن عملية الحلج تتم عبر الطريقة التالية: يؤخذ على سبيل المثال المستودع الأول الذي يحتوي نوع القطن من الدرجة الأولى، حيث يتم شفطها من قبل الشفاطة في المستودع، وأخذه إلى الصالة ليصل إلى آلة لغربلته، وتقوم هذه الآلة بكسر جوزة القطن وغلافها الخارجي، إلى أن يصل القطن إلى آلة الخلط؛ حيث تقوم بفرمها ومنها إلى جهاز سحب الرطوبة لتجفيف القطن بشكلٍ كامل، وبعدها يصل إلى مناشير الحلج في اللندات التي تقوم بحلج القطن، ويمر القطن عبر المنظفين والفضال؛ ثم ينزل إلى اللندات التي تقوم بفرز القطن عن الغبار والبذار والقطن التالف (المودس)، الذي يُمرر إلى مكبس خاص به والقطن الصافي يتجه عبر مناشير الحلج ليصل لثلاث آلات تقوم بعملية التنظيف بدقة متناهية وخالية من كل أنواع الشوائب؛ وعندها يمر القطن إلى المكبس الرئيسي الذي يقوم بكبس القطن ويحدد وزنه بـ /180/ كيلو، وكل /250/ بآلة تسمى لوط، وتحدد هوية اللوط حيث توضع عليها الدرجة والنوع والقياسات النوعية لها والرطوبة, وهذه عملية الحلج تجرى على أنواع ودرجات القطن كافة”.
فرز بذور محصول القطن
والجدير بالذكر أنه بعد الحلج تتم فرز البذور عنها؛ وهو نوعان بذور زراعية وبذور تجارية، والتي تتم عن طريق آلة تعقيم البذور، فعند الحاجة إلى بذور زراعية تُمرر البذور عبر الآلة وتتعرض لدرجة لحرارة معينة لتتحول إلى بذور زراعية، أما البذور الصناعية؛ فهي البذور التي لا تتعرض إلى درجة حرارة ولا تمرر عبر آلة تعقيم البذور؛ ويتم بيعها إلى المعامل ومصانع ليتم استخدامها في صناعات عديدة؛ ومنها الزيوت والمواد العلفية، أما القطن الذي تم حلجه فيتم صرفه وتوزيعه إلى معامل الغزل والنسيج في شمال سوريا.
خلقت الآلاف من فرص العمل للعاملين الموسميين
وأكد رامان عبد الغفور قائلاً: “يبلغ عدد العاملين في محلج الحسكة أربعة عاملين مختصين في الكهرباء والإدارة والمحاسبة وقسم الآليات. ولكن؛ عدد العاملين الموسمين الذين عملوا في المحلج عن طريق مؤسسة الكادحين في المقاطعة والتي بلغ احتياجاتنا لأكثر من ألف عامل في المحلج خلال هذا العام؛ حيث خلقت فرص عمل كبيرة للعمال الموسميين، ومن أجل حماية المحلج تم تزويد المحلج بعدد كبير من الكاميرات للمراقبة من جهة، وعدد كبير من الحراس الذين كانوا يواصلون الليل بالنهار في حراسة المحلج، وبالإضافة إلى سيارات الإطفاء الجاهزة التي تقوم بجولات على مدار الليل بين الأقطان للتدخل السريع في حال حدوث اندلاع النيران أو أي طارئ”.
تشجع زراعة القطن وتدعمها
واختتم رئيس مركز الحلج في الحسكة رامان عبد الغفور حديثه بقوله: “باعتبار مادة القطن من أهم الدعائم الاقتصادية في بلدنا. لذلك؛ تقوم الإدارة الذاتية الديمقراطية بدعمها؛ وتعمل على زيادة إنتاجها من خلال دعم المزارعين، وتقديم كافة أنواع المستلزمات لهم من سماد وبذار ومواد مكافحة الأعشاب، وتقديم التوجيهات والتوعية السليمة لزراعة هذه المادة وحماية مزارعي القطن من جشع التجار والمستغلين”.