يشير مصطلح الآثار إلى كل ما يعود إلى العصور والعهود القديمة التي تعاقبت على منطقة معينة من الأرض، وتعتبر إرثاً تاريخياً شاهداً على الحضارات القديمة، والطقوس التي كانوا يمارسونها في تلك المعالم التي تدل على التفكير وإبداع في العمارة والفنون وفلسفة حياتية عظيمة، الآثار أجمالاً ليست حكراً على منطقة دون المناطق الأخرى، فهي موجودة في كافة أصقاع الأرض، فلا تكاد تخلو دولة ما من معلمٍ أثري هام استطاع أن يخلد الحضارات الغابرة خلفها العديد من الآثار التي بقيت شاهدة عليها، ودالة على ما كان يتميز به أبناؤها من عمق حضارة، وإبداعاً، وعظمة. جميعنا يعرف تاريخ سوريا العريق وغناها بالأماكن الأثرية الهامة ومنها مدينة معلولا التي يوجد فيها دير القديسة “تقلا” في مدينة معلولا، محج يستقطب المؤمنين من سورية والدول المجاورة كونها أقدم مدينة مسيحية في سورية
موقع مدينة معلولا:
تبعد معلولا خمسة وستين كيلومتراً عن دمشق إلى الشمال الشرقي، وترتفع ألفاً وستمائة متر عن سطح البحر. معلولا، هذه المدينة استظلت آخر سلسلة من السلاسل الجبلية الثلاث التي تشكل منطقة القلمون، فتمتعت بعزلة وحماية طبيعيتين، ما يفسر إلى حد كبير ثبات سكانها على الإيمان المسيحي وتمسكهم بالآرامية، لغتهم الأصلية ويحمل اسم معلولا معنى “الدخول” باللغة الآرامية، ويدل على موقع المدينة في ثغرة ممر جبلي ضيق، وقد ذكر اسم معلولا في المؤلفات الكلاسيكية، كما وجدت في البلدة آثار عدة من بينها تماثيل وأصنام. والأهم من ذلك كله القناطر والمقابر والنقوش من المرحلة الهلنستية التي عثر عليها في عدد من المغاور الموجودة فوق القرية وبقايا معبد روماني في السهل المجاور.
النجاح في المحافظة على اللغة الأم:
غرائب معلولا الأثرية وأهميتها التاريخية تجعل منها هدفاً سياحياً وعلمياً خصوصاً وأنها تحتفظ اليوم باللغة الآرامية الأصيلة العريقة الآخذة بالانقراض، فسكان هذه المدينة يشكلون علامة فارقة وهم يتحدثون هذه اللغة ذات الثلاث آلاف سنة من العمر، واللافت إصرار سكان تلك المدينة على تعليمها للجيل القادم وحمايتها من الانقراض، وتتميز بيوتها بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات حيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتتحول بذلك سطوح المنازل إلى أروقة ومعابر لما فوقها من بيوت لتكون ذات طابع متميز.
معجزة القديسة “تقلا”:
دير مار “تقلا” قديسة هاربة ومعجزة شطرت الجبل، القديسة “تقلا” هي ابنة أحد الأمراء السلوقيين وتلميذة القديس “بولس” أسطورة ميثولوجية أحبها الناس وتناقلوا قصته، فارتبطت جغرافية المكان وحتى تكويناته الجيولوجية بها، فالحكاية تدور حول الدير الذي يعد أول دير رهباني في بلاد الشام وحول “الفج” وهو شق في الجبل يشكل ممراً ضيقاً من طرف الجبل إلى طرفه المقابل وفي هذه الشق ساقية ماء تزيد وتنقص وفق الفصول والمواسم، وتحكي القصة أن الفج تكوّن عندما أراد السيد المسيح حماية “تقلا” الهاربة من حكم الإعدام الصادر بحقها، وفيما يتبعها الجنود الرومان ويتعقبونها للقبض عليها، فانشطر الجبل وانشق مبقياً تقلا في شطر آمن والجنود في شطر آخر لا يصلون إليها، وهي معجزة تشبه معجزة شق البحر في قصة “موسى مع فرعون”، ولقد تحول الفج الآن إلى مكان لتقبل “النذور” والتبرك حيث يتقاطر الناس من كل مكان ليرشفوا من مياهها المقدسة، وينالوا نعمة الشفاء من المرض والطهارة والنقاوة، حيث يعتقدون أنها مياه مقدسة مباركة شافية ويحتفل العالم المسيحي بعيد القديسة “تقلا” في 24 أيلول سبتمبر من كل عام.
أخيراً لا يمكن أن نعد الآثار شيئاً ثانوياً لأنها تحتل مكانة عظيمة وأهمية في ربط الماضي بالحاضر وتعطينا فكرة عن الحقب التاريخية القديمة وشكلها وطبيعتها، ويتوجب علينا المحافظة على هذا الإرث الحضاري والحفاظ على آثارنا وتاريخنا.