لم تضعف متاعب الحياة ومشقاتها، همة وإرادة رضوان، معيل لخمسة أفراد من ذوي الهمم، الذي يرى أن قيام الجهات المعنية بواجباتها، فسحة أمل لتحقيق أمنيات أبنائه.
وحده يعيل رضوان المحمد أحد عشر فرداً، (أخت وأخ لرضوان، والبقية أفراد عائلته من الزوجة والأبناء)، إلا أن زيادة المسؤولية والعبء لم يكن بكثرة عدد الأفراد، بل لأن خمسة منهم من ذوي الهمم (اثنان من أخوته وثلاثة من أبنائه) فلديهم إعاقة بالنمو العقلي وكساح بالرجلين الاثنين، حيث يخوض امتحاناً صعباً في مواجهة الظروف الاقتصادية العصبة، وما بين تأمين لقمة العيش للعائلة، والأدوية لأخوته وأبنائه من ذوي الهمم، يكافح رضوان المحمد بإرادة وصبر.
مشقة الطفولة
في داخل بيت طيني قديم بقرية الفرحانية النائية جنوب مدينة تل حميس ولد رضوان المحمد من بين ثلاثة أخوة معاقين وتوفي والده وهو بعمر أربع سنوات، لتتركهم والدتهم، رافضة تربيتهم، فعاشا الأبناء الأربعة يتامى الأبوين. تكفل الأعمام برعاية الأبناء، فكل واحد منهم اهتم بواحد منهم.
كبر المحمد وأصبح عمره 20 عاماً فزوجه عمه الذي رباه بابنته، وأخذ رضوان المحمد أخاه وأخته معه إلى بيته، بعد أن مات أحد إخوانه. من هنا بدأت رحلة حياة محمد الشاقة والمتعبة، في مواجهة ظروف الحياة وتأمين الدواء اللازم لأخوته.
ولمواجهة تلك الظروف بحث عن فرص عمل لتأمين الغذاء والدواء لعائلته وأخوته، أما رعايتهم والاهتمام بنظافتهم الشخصية، فقد كان يتشارك مع زوجته في ذلك، فيعبر عن حبهم لهم: “لم يبقَ لهم في هذه الدنيا سوى أنا وزوجتي التي كانت تحن وتعطف عليهم كثيراً”.
التصدي للتحديات
مع مرور السنوات كانت فرحة “المحمد” لا تقدر بثمن عندما رزق بتؤام إناث وسماهن (سارة، ومريم) لكنه فوجئ أيضا، من أنهما من ذوات الهمم، فلم يلن ذلك من إرادته وحبه لهم، فأصبح يعمل الليل والنهار من أجل تأمين العلاج لبناته وأخوته.
وبعد مرور ثلاث سنوات رزق بطفل آخر من ذوي الهمم وذهب إلى الطبيب، ليكتشف سبب إعاقة أطفاله الثلاثة وهو وراثي بسبب صلة القرابة بينه وبين زوجته، فرزق بعد ذلك بأربعة أطفال ذكور دون إعاقة.
يعد المحمد المعيل الوحيد لعائلته المكونة من أحد عشر فرداً، رغم ذلك يستمر بمكافحته لصعوبات الحياة وقساوتها.
مساعي دمجهم في القطاع التعليمي
ما يزيد المحمد حزناً على أخيه وأخته وأبنائه، هو عدم استطاعتهم التعليم والذهاب إلى المدارس، واللعب كما أبناء جيلهم “منزلنا قريب من المدرسة، وأبنائي يجلسون طوال النهار على الطريق وكلهم نظراً إلى الطلاب، كيف يلعبون ويمرحون”.
على الرغم من مصاريف علاج أبنائه الباهظة الثمن إلا أن المحمد لم يتوان عن تعليم أبنائه وإرسالهم إلى المدرسة فهم “أغلى ما أملك”، كما قال عنهم. إلا أنهم لم يسلموا من التنمر والسخرية من الطلاب، وهذا ما آلمه “لا أحب أن يؤذي أحداً أبنائي ولو بكملة”، وبذلك لم يستمر أبنائهم بالتعليم والذهاب إلى المدرسة.
آمال وتمنيات
حب الحياة عنوان وشعار يناضل به أبناء المحمد معركة الحياة، حيث يشارك الجميع في الاجتماعات والحفلات، في الأفراح والأتراح. ونظراً لما قدمته الوالدة والوالد لأبنائهم فقد أصبح أمنية الأبناء رؤيتهم سعداء، هذا ما أكدته إحدى بنات المحمد “سارة” البالغة من العمر 14 عاماً بقولها لصحفيتنا: “حلمي في الحياة أن أمسح لمعة الحزن التي أراها في عيني والديَّ، اللذين قدما الغالي والنفيس من أجل تقديم العلاج لي ولأخوتي الآخرين”.
ويبقى طموح سارة كما ذكرته أن يدرك الجميع قيمة ذوي الهمم، وتغيير نظرتهم السلبية تجاههم.
في ختام الحديث ناشد الأب رضوان المحمد الجهات المعنية بفتح مدارس خاصة لذوي الهمم في المناطق النائية والمنسية وتقديم يد العون لأهاليهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.