إعداد/ هايستان أحمد –
على امتداد عقود من الزمن، استطاع الإنسان أن يرسم ملامح وجوده ويبرز قدرته على تسخير الطبيعة مهما كانت صعبة وقاسية ليصنع ظروفًا ملائمة للعيش والسكن والإعمار، ليخلف بذلك أثرًا معماريًا مميزًا وهو ما سنشهده ونحن نكتشف مدينة تحت الأرض، في إحدى مدن الجنوب التونسي.
على بعد 450 كيلومترًا من العاصمة التونسية وفي قلب صحراء الجنوب الملتهبة بحرِّ ووهج الشمس الساطعة والحارقة، تجذبك لافتة مدينة مطمامة، مدينة الكهوف والقصور تحت الأرضية، هذه القرية التي تقع في الجنوب الشرقي التونسي، غرب مدينة “قابس” وتعرف بـ”مطماطة القديمة”، التي تبعد نحو 42 كيلومترًا غربي “خليج قابس” و60 كيلومترًا جنوبًا عن ولاية “مدنين”.
نماذج فريدة من نوعها
في بلدة مطماطة الجبلية توجد نماذج فريدة من البيوت المحفورة تحت الأرض، وهي أشبه بالكهوف، وتعود إلى تراث المجتمعات الأمازيغية التي سكنت هناك، وما تزال عدة أسر تتشبث بها. هذه البيوت التي تضم قاعدة دائرية وعدة غرف محفورة في الصخر تقي ساكنيها من شدة الحر في فصل الصيف ومن الرياح في فصل الشتاء، وهي تقع في منطقة تنتشر فيها أشجار النخيل وبساتين الزيتون على مسافة 365 كلم جنوب العاصمة التونسية.
هذه البيوت تختلف اختلافاً كبيراً عن غيرها، وإن كانت توجد إنشاءات مشابهة لها على الجانب الآخر من الحدود في ليبيا إلى الجنوب الغربي. وفي أنحاء أخرى من المنطقة توجد بيوت ومخازن منحوتة في الصخر فوق الأرض. وبينما هجرت أسر كثيرة بيوتها المحفورة تحت الأرض لأسباب مختلفة، لا يبدو بعض من بقوا فيها مستعدين للتخلي عنها. ويعتمد سكان مطماطة في معيشتهم على زراعة الزيتون والسياحة، وقد أصبحت البلدة وجهة منشودة بعد تحويل أحد كهوفها إلى فندق استُخدم في تصوير فيلم “حرب النجوم” خلال السبعينيات.
هندسة معمارية تُجاري المناخ
توجد الكثير من المدن التاريخية على امتداد الوطن العربي وجميعها تتميز بخصائص معمارية لا نجدها في غيرها، إلا أن مدينة مطماطة في الجنوب التونسي تبقى من أكثر المدن تميزاً وغرابة بحكم طابعها المعماري الذي عرفت به على امتداد العصور وأخذت اسمها من إحدى القبائل البربرية التي استوطنت مناطق شاسعة من تونس قبل الفتح الإسلامي. وقد أصبح النمط المعماري المختلف لهذه المنازل المبنية داخل الكهوف ذا دور هام في جذب السياح، وهو أمر يحرص عليه سكان المدينة، من خلال حسن استضافة الزائرين.
ففي الوديان القاحلة بالمنطقة الجبلية في جنوب تونس يعيش بعض السكان منذ قرون في بيوت تحت الأرض توفر لهم الوقاية من شدة الحر في فصل الصيف ومن الرياح في فصل الشتاء. وعرفت مدينة مطماطة باسمها البربري “اتوب” وبنيت منازلها في كهوف مكونة من غرف منها ما يستخدم لحفظ المؤونة ومنها ما يستخدم للنوم وتربط بين ذلك جميعاً ممرات أرضية، وكذلك تربط بين أفنية الكهوف سلالم محفورة في الأرض. والمثير للدهشة أن هذه الخصائص المعمارية الفريدة قد أوجدت للمدينة آلية تكييف طبيعية تمنحها الرطوبة في الصيف والدفء في الشتاء.