تعيش المنطقة العربية والإسلامية حالة من الانفلات والفوضى والعبث السياسي، وهي حالة قد تُدخل المنطقة في صراع دام تضيع فيها أرواح الملايين من المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، لا ذنب لهم إلا أنهم يعيشون في منطقة المأساة، ونرصد أهم مقدمات هذا العبث.
الدفاع الأمريكي الدائم عن الكيان
الموقف الأمريكي الذي أعقب العدوان الإسرائيلي ضد العاصمة اللبنانية بيروت، وضد العاصمة الإيرانية طهران، واغتيال إسماعيل هنيه وفؤاد شكر، كان الموقف الأمريكي واضحًا في تقديمه عرضًا شديد الوضوح للجهتين اللتين تعرضتا للعدوان، وهو عرض وزير الخارجية الأمريكي أن يتقبّل حزب الله الضربة ويسكت، وأن تستوعب إيران الصفعة وتسكت، أو أن يكون الرد شكليًا، بحيث لا يُغضب إسرائيل ويدفعها للحماقة والجنون من جديد، وهي الرؤية التي تعتمدها الإدارات الأمريكية، وليس ذلك فقط، فقد جاءت البوارج الأمريكية بالعشرات في المنطقة، لتحمي إسرائيل من أي رد فعل، أو ترك إيران وحزب الله لضربات شكلية لحفظ ماء الوجه فقط لا غير، ثم ترك الإعلام العربي للسخرية من الضربات الشكلية.
المشكلة في التصرفات الصهيونية والصمت العربي (كما قال الأستاذ أسامة الغريب في جريدة المصري اليوم في5/8/2024) سوف يجعل لإسرائيل اليد العُليا في المنطقة بشكلٍ مطلق، بحيث توجه عدوانها حيث تشاء، وتغتال من الخصوم من تشاء، وهي في مأمن من العقاب.
والحقيقة أن إسرائيل تُريد أن تأخذ المنطقة للمشهد العبثي الذي نعيش أحداثه، وهي تعلم علم اليقين أن أي حرب تقع في المنطقة، ستتحول لحرب عالمية ثالثة، ليس داخل منطقة الشرق الأوسط فقط، بل توجد الصين وروسيا، ولن تتوقفا للنظر فقط، والكيان معه أمريكا وحلف شمال الأطلسي، وتحدث الكارثة التي يموت الملايين بسببها، ولا أحد يدري إذا حدثت الحرب العالمية، كيف ومتى تنتهي.
مأزق الدول العربية
ليست هذه هي المشكلة فقط،، فهناك ما هو أخطر، ويتمثل في أن الدول العربية والإسلامية التي أبدت ترددًا في التطبيع والتحالف مع إسرائيل، ستجد من مصلحتها أن تكون مع الطرف القوي المنتصر، الذي يسمح بالحياة إذا رضي، ويأخذ الأرواح إذا غضب، اللوم فيما يتعلق بإقامة علاقات طبيعية مع نظام متوحش، يقتل الأطفال لا يقع على المطبعين وحدهم، وإنما على من سمح لإسرائيل بأن تقدم نموذجًا ملهمًا يقهر أعداءه، ويعيش على الاحتلال ويتحدى القانون الدولي، ويعترض على الأمم المتحدة وقراراتها، بحيث يرغب الجميع في مصادقته واتقاء شره بصرف النظر عن الشعور الحقيقي نحوه، وكل هذا ناتج عن الضعف العربي المزمن ومحاولة الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل، ولولا هجوم حماس يوم السابع من تشرين الأول لكانت جولة الإبراهيمي الجديدة قد انتهت وأضحى العرب أصدقاء دائمين للكيان، ولكنهم يسعون اليوم للتحالف مع العدو بعد أن تنتهي حرب غزة، وفيما بعد يتم ترك الباب مفتوحاً مشجعاً لإحياء المشهد الإبراهيمي من جديد، بعد أن خشيت الدول الخليجية من ردود أفعال شعبية، ولكن مع توالي الضربات الإسرائيلية بدون رد فعل حقيقي وعدم إنهاء الحرب في غزة، يشجع بعض العرب في إلقاء اللوم على حماس وإيران وحزب الله والحوثيين، وهو ما نلاحظه الأيام الأخيرة، رغم أن بعض الدول حاولت غسل يديها من الدماء الفلسطينية، حيث ألقت باللوم على المقاومة الفلسطينية، ومحملين إياها سقوط عشرات الآلاف من القتلى ومصابين وهدم كل الأحياء السكنية، ولا يذكرون العدو المتوحش إلا بقليل من اللوم والعتاب.
منطق الأمة الديمقراطية
وربما الأغرب من ذلك، هو مثلما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بغزو إسرائيل وهو تهديد أجوف يحاول به دغدغة مشاعر الشعب التركي لزيادة شعبيته، وهو الأمر الذي يتكيف مع طبيعة أردوغان المتقلبة التي لا تدين إلا بالمنفعة للأقوى وليس للأصلح، والدليل على ذلك هو ما يقوم به أردوغان من اضطهاد للشعب الكردي وعدم إطلاق سراح القائد عبد الله أوجلان من معتقله.
كل الملفات مترابطة وتقودنا لمشاهدة عبث سياسي في صورة موائمات وصدامات، قد تشعل الحروب، ولا تتمكن من إنهائها، وذلك هو العبث بعينه.
وربما كان التذكير بمنطق الأمة الديمقراطية، التي نادى بها القائد عبد الله أوجلان، هو بداية السلام الحقيقي، وهو ما كتبنا وكتب فيه غيرنا، ويحتاج تبنّي الفهم الأممي الديمقراطي، حتى يسود السلام والعدل والمساواة، ذلك لقوم يعقلون…