( إنّ النهضة لا تتحقق بدون ذاتية حرة ومتحررة، أكيدة وواثقة من قوتها، ومن هنا كان حل مشكلة الثقافة هي المسألة الأولى من مسائل النهضة).
هذا ما قاله الدكتور برهان غليون، وهذا ما أثبته التاريخ على مرِّ العصور، إنْ كان في الحضارة الغربية أو الحضارة الشرقية.
ومن هذا الاقتباس نستنتج أنّه لا يمكن لأمة أن تنهض وهي تعاني من مشكلات في ثقافتها، وبالرغم من وجود ايجابيات لكن لا بدّ من الإشارة إلى مواضيع حرجة، ساهمت وتسهم في شلل التنمية البشرية لدى الشعوب الشرقية مما جعلها تتقاعس عن مواكبة النمو الاقتصادي الذي يحصل بشكل سريع في هذا العالم. وأهم تلك المشكلات التي ذُكرت عند الباحثين في المجال الثقافي، والمهتمين بالنهضة الثقافية ومشكلات الثقافة أردت أن أنقلها علّنا نستفيد شيئاً من تلافيها، وأهمّها:
1- التجزئة والانقسام والتبعية العمياء وذلك حدث بسبب التعرّض للاستعمار الأجنبي
2- عدم تكامل جهود التنمية بين البلدان الشرقية بسبب عدم التكافؤ فيما بينها من حيث الموارد المالية والبشرية.
3- اعتماد الثقافة الشرقية على السلطة ذاتها في نشرها وتنميتها مما أوقف أي طرح لأفكار جديدة من أي جهة أخرى.
4- الاتجاه إلى الماضي والعزوف عن النظرة المستقبلية، ويتّضح ذلك بالأخص على التراث الأدبي الذي يشكّل جُلّ مضمون التعليم.
5- ضعف المستوى السياسي، وهذا يؤثر على تطوير سلوكيات المجتمع ديموقراطيا.
6- ثقافة تهمل نصف المجتمع الشرقي وهو النصف الأمّي وتركّز على الأقلية المتعلمة، مما يوسع الفجوة بين الطرفين.
إنناّ الأمة التي ترى مصيرها ونجاحها معلّقاً على إقامة صناعة الثقافة وتنمية المجتمع من الداخل، حتى يتم إعادة هيكلتها واسترجاع مفهوم الثقافة الأصيلة مع الأخذ من روافد الثقافات الأخرى، ثقافات حديثة تساعد على إبراز هويتنا وتنمية قدراتنا البشرية، وهذا من شأنه مساعدتنا في أن نكون قوة يمكنها التصدي لأي شائبة تقترب منّا وتحاول أن تنزع وتسلخ لباسنا الثقافي الأصيل بآخر مزيّف مبطّن بثقافات غيرنا.
ومن هنا علينا الحذر الشديد في الأخذ من الثقافات الأخرى بشكل مفرطٍ وبلا تمييز وانتقاء ومسؤولية، فنحن شعوب لها تاريخها وعراقتها وجذورها الثقافية التي تميّزها عن غيرها، وتعطيها صفة خاصة فيها، وثقافة لها طابعها الخاص الذي يوضّح صورتنا للعالم، لا عيبَ أن نطّلع على الثقافات الأخرى بل علينا أن نحرص دائماً على الاطلاع عليها، وأخذ كل ما من شأنه أن يسهم في نهضتنا وتطورنا، ولكن على ذلك أن لا يسهم بطمس هويتنا الثقافية الأصيلة، بل علينا تطوريها ضمنياً فالحياة تتقدّم وعلينا أن نواكب سرعة العصر وتطوره، وأعتقد أننا قادرون على ذلك حالياً
حيث أن الشعوب تناضل من أجل حريتها، ومن هنا تبدأ بوادر النهضة، حيث العدل والمساواة والحرية