أكدت المشاركات في المنتدى الدولي: “لوزان تصحيح المسارات وقضايا الاستقرار والأمن الإقليمي”، أن لوزان كانت فرصة تركيا لتقوية هيمنتها، وأن المرأة الكردية استطاعت بتمسكها بثقافاتها إحياء تاريخها، ويمكن إنهاء المؤامرات، التي تحاك على الشعب الكردي بتكاتف شعوب المنطقة تحت راية الأمة الديمقراطية.
مع اقتراب مئوية معاهدة لوزان، التي تم الاتفاق والتوقيع عليها في الـ 24 من شهرِ تموز عام 1923 في مدينة لوزان السويسرية، بين أطراف دولية وإقليمية، وبموجبها قسّمت كردستان إلى أربعة أجزاء، ألحقت بكلّ من تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وبهذا عقد مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية (NRLS)، منتدى دولياً تحت عنوان “لوزان، تصحيح المسارات وقضايا الاستقرار والأمن الإقليمي”.
وقد شاركت في المنتدى أكثرُ من مائةٍ وخمسين شخصيةً من أكاديميين، وباحثين، وناشطين، حقوقيين، وسياسيين، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، ومؤسساتٍ دينيةٍ، وقياديين بقوات سوريا الديمقراطية، وأعضاء في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الذين سلطوا الضوء على ممارسات الأنظمة القومية، وخاصة تركيا بعد لوزان بحق الكرد، والشعوب الأخرى، وما خلفته هذه المعاهدة من قضايا لا تزال عالقة إلى اليوم، وكذلك لدفع الجهات المعنية إلى إعادة النظر في تلك الاتفاقات، وردّ الحقوق لأصحابها، ورفع المظالم عن الشعوب المتضررة.
روح واحدة ضمن جسد ممزق
على هامش المنتدى أجرت صحيفتنا “روناهي” لقاء مع عضوة مركز جنولوجي في مدينة الحسكة “عليا عثمان” والتي بينت من خلال حديثها، أن الدولة التركية بعد الحرب العالمية، كان عليها استيعاب الكرد ضمن مناطقهم، التي كانت تشهد أخوةً كرديةً تركية، إلا أنها فعلت العكس فبعد لوزان أصبحت الدولةُ التركية فقط للأتراك، وأيضاً دولٌ عربيةٌ كسوريا والعراق، أصبحت دولاً عربيةً قومية، وبذلك: “كانت اتفاقية لوزان الضربة، التي جزأت كردستان إلَّا أنها لم تستطع، أن تجزئ شعوب كردستان، فبالرغم من تمزيق الجسد بقت الروح واحدة”.
ونوهت عليا إلى الضرر الكبير، الذي ألحقته اتفاقية لوزان على المرأة، وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا في قتل شعوب المنطقة، واستهداف النساء: “هذه الاتفاقية نسجت حقبة مظلمة في مسيرة الشعب الكردي، وتعد مؤامرة شاركت في صياغتها دول كانت تتقاسم النفوذ والسيّطرة في الماضي، ليكونَ الشعب الكردي الضحية الأكبر، فقد تلقى العديد من الطعنات، وعانى من الاستبداد، والاضطهاد، والقتل، والاعتقال، والتشريد، وتدمير الهوية، واللغة والوجود القومي، وكانت المرأة المتضرر الأول من كل هذا”.
تداعيات لوزان جرائم ضد الإنسانية
كما خصصت فسحة من المنتدى، ضمت معرضاً علقت فيه 52 صورة، وخريطة توضح المناطق الكردستانية، التي استهدفت في معاهدة لوزان، وصور وثقت ارتكاب المجازر بحق الشعب الكردي وقادتهم، وأخرى للجرائم، التي لا تزال مستمرة بحق الشعب الكردستاني في كردستان، إلى جانب الانتفاضات، والثورات التي شهدتها كردستان منذ ذاك التاريخ، ومقاومة شعوبها، وأخرى للمناضلين في وجه أعداء الشعب الكردستاني، وفي مقدمتهم دولة الاحتلال التركي.
حيث كانت الصور تعبر عن المأساة الإنسانية، التي لحقت بشعب كردستان، ومازالت مستمرة حتى اليوم، وهذا ما بينته عليا: “لم يكن هذا المعرض مجرد صور، بل هو قصص تحكي ما تعرض له الكرد عبر مائة عام، وما عانته المرأة من ظلم وتهجير، وقتل وإبادة، واجتماعنا في منتديات مثل هذه اليوم يدل على تكاتفنا، وأن معاهدة لوزان وغيرها من المؤامرات، التي حيكت ضد الشعب الكردي لم تنجح أمام عزيمتنا وقوتنا”.
واختتمت عضوة مركز جنولوجي في مدينة الحسكة “عليا عثمان” حديثها داعيةً جميع النساء للتكاتف، مبينةً أن لوزان كانت الجسر لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية على أطلال الشعب الكردي: “لم ينجح الاحتلال التركي في القضاء علينا، فقد أثبتنا اليوم أننا يد واحد، وأن مشروعنا الديمقراطي هو الحل الأمثل لأزمات الشرق الأوسط، لذلك يجب أن نحافظ على مكتسباتنا التي حققناها”.
بناء أمة ديمقراطيةٍ وأقاليمَ فيدرالية ضمن المنطقة
وبدورها استعرضت الكاتبة “كوثر مارديني” الوضعَ الحالي للمنطقة وشعوبها خاصة الكرد، من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتداعيات التي خلّفتها معاهدة لوزان، منذ قرنٍ وحتى الآن: “لقد واجهنا عدة تحديات في ظل سياسات الهيمنة من الدول القومية، إلا أننا مع مرور الزمن بحثنا عن سبل مواجهة حرب الإبادة التي تستهدف الكرد في ظل الآثار السلبية والتداعيات الكارثية للوزان، ولا سيما الوضع القانوني لهذه المعاهدة”. ترى كوثر، إن الخلاص من سياسات الإقصاء والتهميش، التي أسست لها معاهدة لوزان ضد شعوب المنطقة، وخاصةً شعوب شمال وشرق سوريا، يتحقق بنموذج الأمة الديمقراطية وتوحيد الكلمة والرؤى، وصولاً إلى نيل الحقوق، بالمشاركة في جميع المنصات والجهود الرامية لحل الأزمة السورية.
واختتمت الكاتبة “كوثر مارديني” حديثها مبينةً، أن نموذج الأمة الديمقراطية يكمن بنموذج الإدارة الذاتية، بوصفه تجربةً ديمقراطيةً تُعيد الاعتبار لشعوب المنطقة في الحكم الرشيد، الذي يقوم على أساس التعايش المشترك والعدالة الاجتماعية، والاعتراف بالآخر المختلف في إطار دولةٍ مدنيةٍ تعدّديةٍ لا مركزية، وبذلك: “نستطيع تمكين أنفسنا، وعدم تكرار لوزان جديدة في المنطقة”.