هيفيدار خالد_
متميزةٌ بصوتها، وبأغانيها، التي أنشدتها، وتركت، من خلال كلمات، وألحان أغانيها، أثراً بليغاً في نفس كلّ مَن استمع إليها، أنيقةٌ بزيّها المزركش، مزكين المعروفة، باسم هوزان مزكين، الفنانة الكردية الثورية، التي تألّقت بجمال صوتها الأصيل، وذاع صيتُها في أجزاء كردستان الأربعة، وهي تغني عن الوطن وعن الأرض، وعن الأمهات الثكالى، وكلّ شيءٍ في وطنها، تغنّت بقضية شعبها، أينما ذهبت، ولم تبخل عليه يوماً واحداً بأغانيها الشعبية تارةً، والثوريّة تارةً أخرى، وفي الفرص كلها، التي تُتاح لها.
كانتِ الأرضُ تهتز من تحت أقدامها، وهي تسيرُ نحو المسرحِ، وتستعد للغناء بلغتها، وبزيّها الكردي والفلكلوري، الذي كانت تتزين به دائماً، كرَّست الفنانةُ الكردية مزكين باسمها الحقيقي (غربت آيدن) جلّ حياتها للنضال في سبيلِ قضيّتها وشعبها، وعملت دون كللٍ، وملل لتطوير الفنّ الثوريّ ضمن حركة حرية كردستان، وتمكّنت من الحفاظ على الموروثِ الثقافي في كردستان، بعد أن عملت على إيصالِ معاناة، وآلام شعبها إلى العالم عن طريق الأغاني، التي كانت تنشدُها.
مزكين كانت فنانةً، ومقاتلة ومناضلة في آن معاً، فبعد انخراطها في النشاطِ الفنّيّ في أوروبا لفترةٍ طويلة، وتأسيسها للفرقِ الفنيّة، وتطوير النشاط الثقافي هناك، توجّهت من هناك إلى جبال كردستان، والتحقت بمسيرةِ النضال في ساحةٍ أكثرَ سخونةً، هذه المرة، فحملت السلاح، وارتدت الزيّ العسكري، وأصبحت مقاتلةً ومن ثم قيادية في صفوف قوات كريلا تحرير كردستان، لتقود الحرب، وتخوض المعارك في وجه العدو في جميع الساحات.
مزكين صاحبةُ الصوت الأصيل، غزت الجبالَ والوديان بصوتها الرنان، وهي تصعدُ الجبال، وتسير في السهول، وتمرُّ من جانب الأنهار، والينابيع، وكأنها تغني لهم، وتقول: إن جمالكم يستحق أن يُكرّس المرءُ حياته كلها من أجله، وأن يتغنّى به، وأن يبذل روحه ويضحي بها من أجله.
تناغمُ رقّةِ صوتها مع جمال طبيعةِ كردستان الخلّابة، كان يبعثُ في نفوس رفاق دربها شعوراً غامراً بالمحبة وبالوفاء، نعم غنّت للطبيعة، ولرفيقات ورفاق دربها، وأصبحت سيمفونية العشق للملايين، لقد كانت مثالاً يُحتذى به للعديد من النساء الكرديات، اللواتي سطرنَ ملاحم بطولية، وأساطير النصر على نهج الفنانة والشهيدة مزكين، لتقول للجميع: إنّ هذه الملاحم البطولية كلها، كانت نتاجَ النضالِ والكفاح والروح، التي ضحت بها الرفيقة مزكين، والآلاف من شهدائنا من أجل قضيتهم.
رحلت مزكين، إلّا أنّها مازالت خالدةً، وتحيا في قلب كلِّ كرديٍّ مؤمنٍ بعراقة الفن الثوري الكردستاني، رحلت عنّا، وصوتها مازال في أذهاننا، وكيف ننسى الكلمات، والألحان، التي كانت تخرجُ من حنجرتها الذهبية، والتي تمدُّ المرءَ بالقوة وبالإرادة.
رحلت، لكنها تركت لنا عدداً من أغانيها الجميلة، والتي كانت تغنّيها بالكردية، وبالتركية.
لقد أصبحت بفنّها، وببطولتها منبعَ إلهام، لمَنْ قدّموا قلبهم للحرية والحياة الكريمة، وعرفت كيف تدخل قلوب الملايين من الشعب بمعرفةِ قوة التلاحم ما بين الجمال، وبين الأخلاق والفنّ، والروح الثورية.