سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مدينة إيفران المغربية… سويسرا الأمازيغية

وكالات –

إيفران مدينة في شمال أفريقيا، لكنها تبدو أحد الأرياف الأوروبية العذراء ويطلق عليها “سويسرا العرب”، ومثال آخر على أن المغرب بلد التناقضات الجميلة، اقتبس اسمها من الطبيعة، فـ “إيفران” تعني الكهوف في اللغة الأمازيغية، وهي كلمة تشكل دلالة على محيط المدينة الجبلي، الذي ما زال يحافظ على أسرار الإنسان القديم الذي عمر تلك المساحة الجغرافية من الأرض.
تقع هذه المدينة الفاتنة في وسط الأطلس الأوسط، على ارتفاع حوالي 1700 متر وعلى بعد 68 كم فقط من فاس، ويقطنها حوالي عشرين ألف نسمة، ومن المدهش حقًا أن هذه المدينة الثلجية محاطة بذهب الكثبان الرملية.
وما أن تصل هذه المدينة حتى تجدها مختلفة تماماً ولا علاقة لها بالهندسة المعمارية التي تميز باقي المدن المغربية، ومن المثير للإعجاب أيضاً أنه في يوم واحد وفي البلد نفسه، يمكنك رؤية الصحراء والثلج والشاطئ.
منتجع جبلي
تم تشييد إيفران في أواخر عشرينيات القرن العشرين، خلال فترة الحماية الفرنسية في المغرب، كمنتجع جبلي، وهذا سر تمتعها بخصائص أوروبية مميزة. في سنة 1928م قرر جيش الحماية الفرنسي بناء قاعدة عسكرية في تلك الربوع الجبلية، ومن يومها عرفت بإيفران. كان الفرنسيون يسعون من إنشائها إلى أن يبثوا الروح الغربية في جبال مغربية، عبر بناء مدينة بمواصفات أوروبية وتصميم هندسي فرنسي.
وهكذا كلفت فرنسا المهندس إيريك لابون، بوضع تصميم المدينة الأولى، وبعد موافقة سلطة فرنسا على المشروع، بدأ في إنشاء المدينة، في 15 آب 1929م.
فرنسا لم تبن المدينة بسواعد أبنائها، بل اعتمدت على السجناء المغاربة في البناء، ورغم جمال المدينة المشيدة في منطقة أمازيغية، فقد ظلت مقراً وسكناً تقطنه قبائل صنهاجة، وبني مغيد، وبني مطير.
شكل المنازل
سعى الفرنسيون إلى جعل مدينة إيفران، مدينة سياحة ومتنزهاً، حيث اعتمدوا على إنشاء الفنادق والمطاعم وكذلك الحدائق والمنتزهات. ويكمن جمال هذه المنطقة في تنوع المناظر الطبيعية المتناقضة في بيئة هادئة، حيث نقاوة الهواء المعطر بجواهر الأرز التي تنعش روح الزائرين. ونظراً لموقعها الجغرافي، كانت إيفران دائماً منتجعاً صيفياً، ووجهةً للعطل، ومكاناً للاستجمام والراحة.
وتُعرف إيفران أيضاً باسم “سويسرا المغربية” ويرجع ذلك إلى شكل المنازل ذات الأسطح المنحدرة، والطرق الواسعة والحدائق المعتنى بها، وذلك سر حقيقة الشبه بين إيفران ومدن جبال الألب.
فإيفران قطعة من الجمال، هاربة من إطار الصورة النمطية للمغرب، فلا علاقة لها بالمدن المزدحمة والأزقة الضيقة والفوضى المميزة للبلاد. ورغم صغرها، فهي مدينة ذات قوة شرائية عالية وواحدة من الوجهات المفضلة من قبل الناس الذين لديهم أكبر قدر من الموارد خلال فصل الشتاء، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى منتجعي التزلج اللذين تنفرد بهما.
كما فيها الجامعة الأكثر أهمية والأغلى في البلاد، جامعة الأخوين، وهي خاصة، وتأسست “جامعة الأخوين” التي تعتمد المنهج الأمريكي في تعليمها عام 1993م لتصبح واحدة من معالم المدينة، التي تُخرِّج نخبة من مهندسي البلاد.
في هذه المدينة الهادئة، يوجد قصر ملكي يبلغ طوله حوالي ثلاثة كيلومترات، وحسب تقاليد المملكة فلا يمكن زيارته، وهناك من يقول إنه كان المفضل للملك الحسن الثاني، الذي كان يقضي جزءاً من عطلته الصيفية هناك، ويأتي أيضاً في الشتاء لاستخدام منتجع التزلج.
وتحد القصر حديقة البراري، التي تحتوي على بحيرة اصطناعية جميلة، كما توجد في وسط المدينة منحوتة حجرية لأسد الأطلس، الذي يبدو كأنه إله وثني، يحرس هدوء وسكينة المدينة.
إيفران مدينة سقطت من السماء، حجر نادر، فلهذه المدينة سحر خاص تكمن طلاسمه في محيطها الطبيعي، الجبال والغابات والينابيع والبحيرات، سحر يخلب بلا شك لُبّ عشاق الطبيعة والهواء النقي. ففي الخريف أو الربيع، تستحيل المدينة الصغيرة إلى لوحة مرسومة بالألوان والطقس الجيد، وفي الشتاء تتدثر ببياض الثلج، الذي يزيد طبيعة سحرها رونقًا آخر.
غابة الأرز
حديقة إيفران الوطنية مغطاة إلى حد كبير بغابات الأرز الرائعة، مع عينات قديمة جدًا، وهناك يتواجد الأرز الأطلسي المعروف في الريف والأطلس الأوسط وبعض أجزاء الأطلس الكبير.
وهناك أنواع أخرى تبقيك عند زيارة هذه الحديقة، أكثر وقت ممكن، مثل أشجار البلوط وأشجار الجوز، التي تحول ظلالها الوافرة ضوء النهار إلى مساء، ووقت المساء ليلاً بسبب طبيعتها المورقة. وتكون العينة الأكثر بروزاً هي شجرة “أرز غورو” العملاقة، نسبة إلى الجنرال غورو المقيم العام (الحاكم) الفرنسي، وتعتبر هذه الشجرة الضخمة، الأكبر في المنطقة بأكملها، بارتفاع تقريبي يبلغ 35 متراً وقطر 10م في القاعدة. على الرغم من أنها جافة حالياً، إلا أنها لا تزال قائمة على عروشها، تعطي جاذبية خاصة للمكان، كأنها سادن لذاكرة المدينة.
الينابيع والشلالات
من إيفران، يمكن السير لمدة ساعتين أو ثلاثة إلى الشلال، الذي تحيط به غابة من الأشجار. يؤدي إلى هناك مسار مشاة ملحوظ، حوالي 3 كم، يمتد على طول ضفاف نهر تيزغيت، ويمكن الوصول إلى هناك سيراً على الأقدام أو على الدراجة. وعلى طول الطريق هناك أيضاً بعض الكهوف التي كانت مأهولة على ما يبدو في العصر الحجري الحديث. وفي فصل الصيف، يرتفع عدد هواة ركوب الخيل في المنطقة.
ضاية عوا
ضاية عوا، هي واحدة من أجمل البحيرات في الأطلس الأوسط وتقع على بعد حوالي 15 كم من إيفران، وهي محاطة بمرج وغابة مليئة بأنواع الأشجار المختلفة مع العديد من المسارات الرائعة لمحبي المشي لمسافات طويلة. والمكان مناسب جداً لمشاهدة الطيور بأنواعها المختلفة للغاية، من البط البري والنسور ونقار الخشب أو مالك الحزين، كما أن المكان يوفر السكينة لمحبي العزلة من خلال التأمل في انعكاس ظل الأشجار على المياه المحيطة بها.
ضاية عوا، هي البحيرة الأكثر أهمية في المنطقة، على الرغم من أنها ليست الوحيدة. بحيث يوجد طريق محدد يسمى طريق “الضايات” (أو البحيرات) بطول حوالي 65 كم، يبدأ من ضاية عوا وينتهي حوالي 7 كم جنوب إيفران.
يمكن اعتبار مدينة إيفران رغم صغر حجمها من أجمل المدن العربية لمناخها الجميل وطبيعتها الخلابة وغابتها الكثيفة بأشجار الأرز الشاهقة، لازالت هذه المدينة محتفظة بطابعها المعماري الفرنسي الجميل.