يأتي انقطاع المياه عن النازحين في المخيمات مدينة إدلب بالتزامن مع مخاوف كبيرة من انتشار الأمراض بين النازحين نتيجة قلة المياه مع تسجيل عدة حالات مرضية خاصةً الأمراض الجلدية داخل المخيمات.
توقفت خدمات مياه الشرب المجانية عن قطاع المخيمات في إدلب مع بداية فصل الصيف هذا العام من قبل المنظمات الأممية ما ترك آلاف النساء والأطفال أمام تحديات تأمين المياه ومواجهة الأمراض الناجمة عن قلتها.
تأثير الظروف المعيشية وانقطاع المياه على الوضع الصحي في المخيمات
بحسب دراسة استقصائية أجرتها منظمة الصحة العالمية، انتشر مرض الجرب بشكلٍ مرتفع وغير عادي ضمن ست مناطق في إدلب، حيث يعيش 4.2 مليون شخص، معظمهم نساء وأطفال، وبات سكان المخيمات أكثر عرضة للإصابة بالجرب سبع مرات مقارنةً بالقاطنين خارجها.
وأوضحت الدراسة المنشورة في مطلع شهر أيار الماضي، أن 32.4 %من المخيمات، و51.6 % من المجتمعات لديها حالياً خدمات الاستجابة للجرب، ما يترك معظم المناطق ذات الأولوية القصوى من دون مساعدة، ولفتت الدراسة إلى أن الظروف المعيشية الصعبة ومحدودية الوصول إلى العلاج الفعال ساهما في زيادة خطر الإصابة. وحول ذلك قالت النازحة “فاتن الكوسا”، البالغة من العمر 31 عاماً، والمقيمة في مخيمات الخالدية شمال إدلب: “إن توقف دعم المياه المجانية كان له وقع صادم على حياتهم في المخيمات، حيث تضاعفت مأساتهم اليومية بتأمين المياه على نفقتهم الخاصة”.
وأشارت، إلى أن زوجها عاطل عن العمل منذ أشهر، بينما لديها خمس أولاد بحاجة للكثير من الاستهلاك اليومي من المياه بين الشرب والاستعمالات المنزلية، ولأنهم غير قادرين على تحمّل نفقة المياه المستمرة بدأت الأمراض بالظهور على أجساد أطفالها.
ونوهت إلى، أن انتشار الأمراض الجلدية كالجرب كانت نتيجة قلة مرات الاستحمام نظراً لندرة المياه خاصةً وأن أجواء المخيمات مليئة بالغبار والنفايات والعوامل البيئية الضارة، مضيفةً أنها في البداية كانت تواجه صعوبة في تأمين المياه، أما الآن أصبحت تفكر كيف ستحصل على الدواء لعلاج أطفالها من الأمراض الجلدية.
أما النازحة في مخيمات البردقلي شمال إدلب “سهام حاج طه”، فكان حلها الوحيد للحصول على المياه لأكبر فترة ممكنة، هي التقنين، وخاصةً، بعد ارتفاع سعر البرميل الذي لا يمكنها تأمينه باستمرار مقارنةً مع المصروف اليومي الباهظ وقلّة فرص العمل.
ويختلف سعر برميل المياه بين مخيم وآخر وفقاً لِبُعد المسافة عن الآبار وأسعار المحروقات، وكثيراً ما يلجؤون لشراء بعض ليترات من المياه لاستخدامها في الشرب فقط، نظراً لعدم توافر المال لتعبأة برميل أو خزان صغير. ولفتت سهام إلى أنها تسعى للاستفادة من المياه المتواجدة أكبر فترة ممكنة عبر استخدام مياه الغسيل وجلي الأواني في شطف أرضية الخيمة وسقاية مزروعاتها الصيفية، لتقنين مشتريات الخضار أيضاً، مضيفةً أن دعم المياه والمواد الغذائية في السابق كان يرفع الكثير من الأعباء عن كواهلهم غير أن توقفها جعلهم عاجزين عن شرائها على نفقتهم الخاصة في الوقت الذي يواجهون صعوبة في تأمين قوت يومهم وسط الفقر وانعدام مصادر الدخل.
وقالت: “إنها تضطر للاعتماد على عمل أبنائها اليافعين الثلاثة في الورش الصناعية من أجل تأمين متطلبات العيش بعد وفاة زوجها، على الرغم من أن الآجر الذي يتقاضوه لا يكفي لجلب الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية الموزعة بين الغذاء والمياه والدواء”.
وأكدت، على بداية ظهور الأمراض الجلدية عليها وعلى أبنائها لا سيما أمراض الحساسية واللاشمانيا والجدري والجرب، حيث أُصيبوا بها بعد نقل العدوى إليهم عن طريق ساكني المخيم الذين يعيشون المأساة ذاتها وسط ارتفاع حرارة الخيام المصنوعة من النايلون.
ولم تَعُد سهام حاج طه تطالب بإعادتها إلى منزلها الذي نزحت منه في ريف إدلب الجنوبي، إنما بتفعيل خدمات تزويد المخيمات بالمياه المجانية لأهميتها الكبيرة في الحياة اليومية، والتخلص من شعور العجز عن تأمينه بالنسبة لشريحة واسعة من النازحين الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
أهمية المياه
وللحديث عن أهمية المياه في الحياة الصحية، قالت الطبيبة “رهام الزكور”: “إن نقص المياه في الجسم يلعب دوراً أساسياً بضعف المناعة والإصابة بالأمراض لفترات أطول عبر صعوبة طرح السموم خارج الجسم، إضافةً للشعور بالتعب الدائم والخمول، واضطرابات الجهاز الهضمي وانخفاض كمية البول المُخرجة يومياً”.
وأوضحت الطبيبة “رهام الزكور”، في ختام حديثها، إن للمياه أهمية كبيرة في المحافظة على النظافة الشخصية وعدم الإصابة بالأمراض الجلدية المعدية، وصعوبة الحصول عليه بكميات كافية، يمكن أن تؤدي لنتائج صحيّة خطيرة ليس على مستوى الفرد وحسب وإنما على مستوى المجتمع أيضاً.