No Result
View All Result
المشاهدات 6
عبد الرحيم علي ـ من صفحته الرسمية على الفيس بوك –
بعد برنارد لويس جاء روبرت رايت ليقوم بتطوير مخطط برنارد لويس، ذلك المخطط الذى قام بنشره في صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان «كيف يمكن لخمس دول أن تصبح ١٤ دولة؟»، استند رايت في مخططه إلى قراءة الشكل الظاهري للصراع في العراق وسوريا، حيث يُقدَّم الصراع بصفته طائفيًّا إثنيًّا له جذوره التاريخية، ويسير ضمن صيرورة تاريخية تفرض نفسها لـ«تصحيح أخطاء وقعت في الماضي»، حسبما ادَّعى سابقًا برنارد لويس، وروّج له على امتداد عشرات السنين.
فقد تم تقسيم سوريا التي تعاني حربًا أهلية مدمرة إلى ثلاث دويلات: الأولى علوية، والثانية كردستانية، والثالثة سُنية، فيما تظهر الخارطة تقسيم السعودية إلى خمس دويلات، هي السعودية الشمالية، والشرقية، والغربية، والجنوبية، فضلاً عن الدولة الوهابية، أما اليمن، فقد تم تقسيمه إلى دولتين، وليبيا إلى ثلاث دويلات، وذلك بسبب النزاعات القبلية، ولم تشر الخارطة إلى لبنان والسودان وهي دول تتصدر قائمة الدول المتنازعة على أسس طائفية وعرقية ودينية وسياسية وقبلية.
وبصرف النظر عن التسمية، فإن مصطلحَي الشرق الأدنى والشرق الأوسط يعكسان وجهة نظر غربية ترى أن أوروبا، هي مركز العالم، وأن الأقاليم الأخرى تتجمع حوله، في مقابل إدراك الغرب منذ زمن بعيد، أن الموقع الجغرافي الذي يتمتع به ووفرة إمكاناته الاقتصادية الهائلة وثرواته النفطية ووزنه الحضاري ووجود الإسلام فيه كطاقة روحية، يشكل خطرًا على مصالحه ويحد من أطماعه. فتم تقديم مشروع الشرق الأوسط الجديد لأول مرة من قبل (التجمع من أجل السلام) وهي هيئة غير حكومية تشكلت في القدس سنة ١٩٦٨، بهدف تشجيع المبادرات الرامية لإزالة أسباب الصراع العربي الإسرائيلي وتضم الهيئة كتابًا ومفكرين ومثقفين وصحفيين، ويقول بيريز إنه طرح المشروع سنة ١٩٨٥ وسماه مشروع “مارشال الشرق الأوسط”. ويعد مؤتمر مدريد الذى عقد سنة ١٩٩١ بمثابة عملية انطلاق لترسيم «خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط»، حيث طرحت فكرة السوق الشرق أوسطية بمبادرة إسرائيلية وأمريكية مع الجماعة الأوروبية والبنك الدولي، ويعد شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق من أشهر الداعين لهذه الفكرة، فقد ركز عليها في خطابه الذى ألقاه في المؤتمر السنوي لحزبه «حزب العمل» في أيلول ١٩٩١م.
وإذا كانت فكرة النظام الشرق أوسطي الجديد وفق مفهوم «آندك» تعنى إعادة هيكلة هذه المنطقة على بِنًى جديدة أو مفهوم بيريز الذي يقصد به إقامة نظام التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية يرتكز على اعتبارات التقارب الجغرافي والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة، وإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية في المنطقة في إطار مشروعات شرق أوسطية مشتركة. وأن هذه الحدود تعمل على إثارة الحروب في المنطقة، ولذلك يجب تغييرها وإعادة رسمها لإعطاء الأقليات المذهبية أو القومية والإثنية حقوقها المسلوبة، فضلًا عن أن الحدود المرسومة للدول ليست ثابتة على الإطلاق والعديد من الحدود من الكونغو إلى القوقاز مرورًا بكوسوفو تتغير الآن، ومن هنا، فإنه لا يجب التجاوب مع الحجة القائلة إن هذه الحدود لهذه الدول لا يجب تغييرها، لأنها تعبّر عن واقع موجود منذ آلاف السنين، وأن المحافظة عليها تتطلب تحمل ضريبة المشكلات التي تحصل فيها، كما أن حدود الشرق الأوسط تسببّ خللًا وظيفيًّا داخل الدولة نفسها، وبين الدول بعضها البعض، خصوصًا من خلال الممارسات ضد الأقليات القومية والدينية والإثنية، أو بسبب التطرف الديني أو القومي والمذهبي، ولذلك يجب إنهاء هذا الأمر.
والبداية كانت مع قيام اللجنة الأمريكية للأمن القومي، وهي لجنة استشارية فيدرالية تُعرف باسم لجنة «هارت رودمان»، بوضع تقرير كبير في شباط ٢٠٠١ بعنوان «البيئة الأمنية الكونية الجديدة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين»، وقد تضمن التقرير عددًا من الدراسات والأبحاث عن المناطق المختلفة في العالم ومن بينها ما يسميه التقرير الوثيقة الشرق الأوسط الكبير. هذا التقرير يُعرّف منطقة الشرق الأوسط الكبير بأنها «تلك المنطقة التي تضم كلًا من العالم العربي، إسرائيل، تركيا، آسيا الوسطى، القوقاز، ومنطقة شبه القارة الهندية»، وتمثل هذه المنطقة، كما جاء في التقرير «أكبر مستودع للطاقة في العالم»، كما أنها «ساحة نزاع بين عدة قوى طموحة تسعى لفرض الهيمنة على المنطقة»، «وللولايات المتحدة حلفاء فاعلين في هذه المنطقة. كما أن لها مصالح ذات أهمية، إلى جانب ذلك فإن المنطقة تشهد تطورًا واسع النطاق لأسلحة الدمار الشامل، ولم يكن من قبيل الصدفة، أن شهدت هذه المنطقة حربًا كبيرة للولايات المتحدة وذلك في سنة ١٩٩١، فضلًا عن أنها المنطقة الوحيدة في العالم التي تتجه الولايات المتحدة إليها لتوسيع نطاق انتشارها العسكري وذلك منذ نهاية الحرب الباردة.
وأكد واضعو التقرير أن منطقة الشرق الأوسط الكبير، منطقة شديدة الأهمية، ومصدر متاعب في الوقت نفسه، خصوصًا أن نظم الحكم في المنطقة هي نظم استبدادية، وتفتقر المنطقة إلى نظم ديمقراطية مؤسساتية، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه المنطقة تعد موطنًا للاتجاهات الإسلامية المتطرفة سياسيًا، والتي إن لم تكن تشكل مصدرًا للتهديد لمجتمعاتها وجيرانها فهي على الأقل مصدر مهم للقلق وعدم الاستقرار.
وقد بدأ بالفعل كبار المسئولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية محادثات مع حلفاء أوروبيين رئيسيين حول رسم مخطط شامل لعرضه على مؤتمرات القمة التي عقدت في ٢٠٠٤ لكل من مجموعة الدول الثماني الكبرى، ومنظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وفى ٢٨ شباط ٢٠٠٤ جدد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش خلال اجتماعه مع المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر في البيت الأبيض دعوته لدول الشرق الأوسط لإجراء إصلاحات سياسية، واعتبر بوش أن فترة ما بعد إسقاط طالبان في أفغانستان نموذج للتغيير السياسي. وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تكرار التجربة في دول أخرى بإقامة مؤسسات ديمقراطية، وقال بوش إن هذه التجربة تشكل ميراثًا يجب العمل من خلالها لتغيير ما سماه عادات العنف والخوف والإحباط التي غرست بذور الإرهاب وأدت إلى نموه في الشرق الأوسط، على حد زعمه وأنه من الضروري إقامة المؤسسات الديمقراطية التي تستجيب لتطلعات الشعوب. ويعتبر مشروع الشرق الأوسط الكبير أن المنطقة تقف على مفترق طرق، وأن المطلوب هو السير في طريق الإصلاح الذي استجاب له عدد من الزعماء، وأن بلدان مجموعة الثماني الصناعية أيدت هذا الخيار، منوهًا بـالشراكة الأورو متوسطية، ومبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وجهود إعادة الإعمار المتعددة الأطراف في أفغانستان والعراق. قبلها قدمت مؤسسة «راند» في العاشر من تموز ٢٠٠٢ تقريرًا وضعه لوران مورافيتش المحلل الاستراتيجى فيها، إلى هيئة السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكية، ويتكون التقرير من أربع وعشرين نقطة، ويخلص التقرير إلى اقتراح ما يصفه بأنه الإستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط، والتقرير يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على إجراء تغيرات جوهرية في هذه البلدان.
ومن أهم الاستراتيجيات التي كُلف بها هذا الحلف ملف الشرق الأوسط وقد كان اجتماع قادة الحلف في إسطنبول عام ٢٠٠٤، تاريخيًّا حيث تحددت فيه مهام الحلف في الشرق الأوسط استنادًا إلى أن ما يجرى فيه ويؤثر على الأمن الأوروبي بشكل مباشر واتخذت العديد من القرارات المهمة في هذه القمة التي أطلق عليها «قمة من أجل الشرق الأوسط» منها: اعتماد حدود الشرق الأوسط الأوسع والذى لا يقتصر على المفهوم السابق المحدد إبَّان الحرب العالمية الثانية، ولكن امتد ليشمل جميع الدول الإسلامية أو التي بها أغلبية إسلامية لتبدأ من جنوب شرق آسيا حتى أواسط إفريقيا وتضم جميع الدول العربية وإيران في نطاقها وفى هذا المجال اتخذت العديد من القرارات شملت خمسة محاور رئيسية.
والحقيقة أنه على امتداد جهود الحلف في السنوات السابقة فإنه لم يخرج عن الأهداف الأمريكية والاستراتيجيات المخططة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر قلب العالم والسيطرة عليها تمثل هدفًا استراتيجيًّا، انطلاقًا من نظرية جون سبيكمان فى «الجيوبوليتكس» أن من يسيطر على قلب العالم يمكنه السيطرة على دوائر العالم المختلفة.
ولتنفيذ ذلك اتخذت دوائر صنع القرار الأمريكي على عاتقها اتباع طريقين: الأول، استخدام القوة العسكرية والغزو والاحتلال كما حدث في أفغانستان والعراق وهي وسيلة تضمن إسقاط النظم المارقة بالقوة المسلحة وتولية نظم مروَّضة ومبرمجة وفق ما تراه واشنطن. أما الطريق الثاني، وهو التهديد بالتغيير على غرار ما حدث في السنوات الثلاث الماضية. ونرى أن الطريق الأول قد نجح في إحداث التغيير وفق النهج الأمريكي ولكن يظل مرتبطًا واقعيًّا باستمرار الاحتلال العسكري أو استخدام القوة، وفشل الطريق الثاني لأن النظام الرسمي العربي لم يتخلَّ مطلقًا عن ورقة الشارع العربي بغض النظر عن اتفاقه أو اختلافه مع ما تريده الجماهير الرافضة للسياسات الأمريكية والتي تراها السبب الحقيقي وراء زلزال أيلول الذي عصف بأركان القوة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية متمثلة في برجي مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع البنتاغون.
وعليه ارتأت الإدارة الأمريكية أن أفضل وسيلة هي الضرب على وتر الإصلاح الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مجتمعات يعتقد الأمريكيون أنها في حالة ظمأ ديمقراطي ولكن الإصلاح في الدول العربية بعينها، فقط، قد يحافظ على الهوية المرتبطة بهم وهى «العروبة والإسلام» التي تعتبر العامل الذى يثير القلق دائما لهم، ولذلك كان من الضروري توسيع دائرة التغيير بضم دول غير عربية وغير إسلامية للخروج من المأزق القومي بالحديث عن تطوير لشكل إقليمي جديد يضم الدول العربية الاثنتين والعشرين، بالإضافة إلى ثلاث دول أخرى كل منها لها خصوصية في حال اندماجها في الشرق الأوسط الكبير.
الدولة الأولى تركيا باعتبارها النموذج المسلم، ثم إسرائيل باعتبارها نموذجًا غير مسلم يعبر عن لسان حال السياسة الأمريكية وتعد الحليف الاستراتيجي لواشنطن بالمنطقة، وبالتالي، فإن وجودها داخل منظومة الشرق الأوسط الكبير سيقطع الطريق على أي محاولات عربية لتعريب وأسلمة هذه المنظومة، خصوصًا أن العرب هم المقصودون من التغيير وليست تركيا أو إسرائيل، أما الدولة الثالثة فهي إيران التي تمثل الصداع الدائم لأي إدارة أمريكية منذ عام ١٩٧٩ في المنطقة.
وقد عملت على الترويج للمشروع من خلال طرح أفكار ذات جاذبية مثل التنمية الشاملة، والرفاهة الاقتصادية وتوفير فرص عمل للعاطلين وتطبيق الديمقراطية والتحرر والانعتاق من حالات القهر والقمع السياسي، وتشجيع منظمات المجتمع المدني غير الحكومية على التمرد بشكل أو بآخر على النظم السياسية القائمة، تحت دعاوى الحرية وفق المنظور الأمريكي، ومن خلال رصد اعتمادات مالية طائلة من ميزانية البيت الأبيض لدعم أنشطة هذه المنظمات التي يفترض في هذه الحالة أنها لن تعارض أي توجهات أمريكية.
No Result
View All Result