روناهي/ عين عيسى: شاعر من الرقة تميزت أشعاره بعذريتها وصدقها وعذوبة منطوقها، مَثَّل الشعر الشعبي الرقاوي الجزراوي الأصيل بكل سماتهُ، ولتمسّكهُ بالبيئة الرقاويَّة البسيطة وطبيعة المجتمع المتواجد فيها والمتعايشة مع بعضها البعض منذ مئات السنين، تَرك دراستهُ الجامعيَّة ليتفرغَ للشعرِ والأدبِ وليطوّر لوناً أصيلاً من ألوانهِ المُميزة، وتميز شعره بكونهِ مرتجلاً وعفوي المخرج.
الشاعر محمود الذخيرة (عميد الشعر الشعبي الرقي) يعد من أبرز شعراء الجزيرة السورية ووادي الفرات نشأ في مدينة الرقة، وتعلم كتابة الشعر من والده الشاعر محمد الذخيرة كتب الشعر النجدي والنبطي بالإضافة لـ “الميمر والموليه والنايل والعتابا والسويحلي” كما كتب عشرات المسرحيات الغنائية لفرقة الرقة للفنون الشعبية.
عشائرياً ينتمي شاعرنا الرقَّي إلى فخذ الذياب الغانم من عشيرة المدلج الظاهر العفيدلية الشعبانية الزبيدية، ولد في قرية المشلب في التاسع من شهر كانون الثاني عام 1947م، والتي اتصلت في وقتنا الحالي بمدينة الرقة، وتعد أحد أكبر أحيائها في القسم الشرقي من المدينة، وتربى الشاعر في كنف أبيه محمد الذخيرة، الذي عشق الشعر وبرع فيه وتغنى به، ووصل إلى مرتبة عالية في هذا المجال حتى أطلق عليه اسم “مدير الهوى”.
درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الوحدة العربية، ونال الشهادة الإعدادية ثم الثانوية من “ثانوية الرشيد” بالرقة، ثم التحق بجامعة دمشق “كلية الحقوق”، ولم يكمل تحصيلهُ الجامعي بسبب انشغالهِ بالشعر وتولعه بالتراث الرقي.
عمل معلماً في المرحلة الابتدائية، واجتمعت لديه الموهبة الشعرية منذ نعومة أظفاره، وقال أول أبياته في العام 1962م، وعمره 15 سنة قال فيه:
أصدقْ يا جار النّهر اليّوم ما جنَّك بميتك كرفت المسك وريام وردنك
كتب ما يقارب الـ 1039 أغنية نصفها على لون الموليا، وكتب القصيدة النجدية والشعر النبطي، وألوان من الشعر، وكتب كلمات، وأغاني مسرحية “قصر البنات” التي قام بتلحينها الملحن اللبناني زكي ناصيف، وقدمتها فرقة الرقة للفنون الشعبية، على مسرح باريس عام 1986م، ونالت المرتبة الأولي على 67 فرقة عالميَّة، كما كتب لفرقة المسرحيات “عرس الغيوم ـ برج عليا ـ صيد الحباري”.
بدأ ميله نحو التراث الشعبي عام 1972م، وشارك في عدة ندوات ثقافية محليَّة وعربيَّة منها ندوة البابطين الثقافية في الكويت.
كتب العديد من المقالات التراثية، وقد نُشرت في عدد من المجلات المحلية والعربية صدر له كتاب بعنوان “أهل الرقة” عام 2002م، ويعتبر رائد القصيدة الشعبية الحديثة، لديه مجموعة من المخطوطات التي تتناول كافة الجوانب التراثية في محافظة الرقة، تَعنى وتغزل كثيراً بالمرأة في شعره، وقال: “أنام لم أعشق الهوى، ولكم الهوى عشقني”، له بحث (المرأة في ذاكرة القصيدة النجديَّة) نُشر في مجلة (عرب) الخليجية على ثلاث حلقات، ومن قصائده التي تمجد المرأة، وتتغزل بجمالها وخصالها:
تضحك عيون القمر بجدايلج موجات
وتنبت بختري وزهر بخدودك الحلوات
من قالك يا حلو أدوس الربا والطل
تمشي ووتهادى بميل مثل البدر لوهل
ديرة هلي تزرع عساكر تزرع عيون
الكون صف بصف كالغازي
تصنع غوا للموت تخضب الكف المازي
تمطر زعل تروي الروح تاتنبت خناجر
ديرة هلي تزرع عساكر
ومن ألوان أشعاره لون النايل الفراتي، كما سبق وأوردنا ومن أبياته:
نجم الثريا تعلا فوق الميازين
برد الصبح صابني بزرقاج لفيني
لحطك جو المحزم وأكرب عليك بحيلي
اجتمع عام 2000م في إحدى المضافات عدد كبير من الشعراء الشعبيين، واجمعوا بأنَّ أبلغ بيت شعر هو للشاعر محمود الذخيرة، الذي قال في رثاء شيخ العفادلة الشيخ علي البشير الهويدي رحمه الله قال فيه:
كان تقياً ورعاً وقافاً عند حدود الله، ومحافظاً على الصلاة بأوقاتها على الرغم من تغزلهِ بالمرأة غزلاً يميل الى العفةِ والعذريَّة، واعتمد المطرب الشعبي المشهور (حسين الحسن) في أغانيّه على الكثير من أغاني الذخيرة، توفي في 25/ 10/ 2014م.