روناهي/ قامشلو: واجه الصعوبات ليصل بفنه وألوانه إلى رسالته التي رهن حياته كلها من أجل إكمالها؛ فكانت الريشة رفيقة دربه واللوحات البيضاء ساحات اهتمامه وحريته؛ فرسم الفنان الكردي محمد شاهين أجمل لوحات عن الحياة والكرد ليكون فنه هوية الكرد الجميلة.
عبر العصور استطاع الفن أن يكون القلب النابض بالألوان والإحساس في الحياة، فقد كان الفنان البلبل الشادي الذي غرد أجمل الألحان ليترجم ما في نفسه ويظهره للآخرين؛ فالفن التشكيلي على وجه الخصوص من أكثر الفنون انتشاراً، فالطفل الصغير الذي لم يتعلم الكلام بعد أو القراءة يهوى حمل القلم والرسم على الأوراق دون علمه؛ كما أن الفن التشكيلي كاللوحة الحياتية المملوءة بالضجيج والصخب والحزن والاكتئاب والفرح والأهازيج؛ ولهذا السبب رسم الإنسان كل ما يحب وكل ما يحتاج والإطاحة به خارج حائط قلبه.
من هنا استلهم ابن مدينة كوباني مواضيع وركائز لوحاته الفنيَّة الممزوجة بالواقع الذي نعيشه؛ فكان “محمد شاهين” الذي يبلغ الأربعين من عمره؛ الريشة الصارخة التي لا تكل ولا تمل من الحديث عن أحوال الكرد والمنطقة برمتها.
فالفنان التشكيلي شاهين تأثر بابتعاده عن كوباني ومكوثه في حلب فقال عن هذا الأمر: “بقيت في كوباني حتى بلغت الخامسة عشرة من عمري، ومن ثم رحلت إلى حلب حاملاً معي كل الذكريات الجميلة؛ من سنابل قمحٍ ذهبية، ورائحة بيوت طينية”.
عاد شاهين إلى كوباني بعد اشتعال الأزمة السورية في حلب، وكما كل الفنانين كان لشاهين قدوة يقتدي بها ويستمد منها الإلهام؛ فقد كان شقيقه الأكبر مثله الأعلى في الرسم، وهو من شجعه ليكون كما هو عليه الآن، ولكن سريعاً ما تركه شقيقه بمفرده، هذا ما دفعه إلى الدراسة والمواظبة على الرسم ليكمل رسالة أخيه الذي لطالما أراد أن يكون فناناً تشكيلياً باهراً، فقد قضى محمد شاهين نصف عمره بالرسم وله بعض الأعمال في فن النحت.
التعذيب والتعنيف من أجل “كوباني”
أما عن الصعوبات التي واجهت الفنان شاهين أثناء شق طريقه في دروب الفن كانت كما أفادنا، أن أصعب مرحلة مرت عليه عندما كان جندياً عام 2001م، وقام برسم آخر لوحة له وكتب عليها اسمه واسم مدينته كوباني، بعد انتهائها زُجّ به من قبل النظام البعثي في السجن؛ فقاموا بتعذيبه جسدياً ونفسياً لأنه كتب اسم كوباني بدل (عين العرب)، هذا كان نصيب كل فنان كردي في سوريا يتجرأ على ممارسة أبسط حقوقه في لغته وحياته العادية.
ولكن تغير الوضع بعد ثورة روج آفا أعادت رونق الفن الأصيل إلى لوحات شاهين فكانت له مشاركات كثيرة وعديدة، منها: “ملتقى الفن التشكيلي في كوباني 2017م، المعرض السنوي في قامشلو وحصل على الجائزة في المرتبة الثانية، متحف كوباني 2018م، المنتدى الدولي حول التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في عفرين 2018م. وعن أهمية الفن في المجتمع أردف محمد شاهين قائلاً: “الفن هو جزء أساسي في حياة الإنسان مثل الماء والطعام، وهو عامل أساسي في تكوين وبناء مجتمع أفضل وأرقى”.
الهوية الكردية تتجلى في اللوحات التشكيلية
الفنان محمد شاهين أجابنا عن سؤالنا حول وضع الفن في روج آفا والمقترحات التي يجب تحقيقها ليرتقي الفن التشكيلي أكثر بالقول: “عموماً الفن في روج آفا بدأ بتشكيل هوية كردية في الفن التشكيلي، وبالرغم من الحروب التي نمر بها نلاحظ نشاطات كثيرة عن الفن في روج آفا ونأمل المزيد”، أما عن المقترحات فأشار إلى أهمية وجود معاهد وجامعات ودورات تدريبية لصقل المواهب الشابة، وضرورة إقامة معارض أكثر.
وأخيراً تمنى الفنان الكردي من كوباني محمد شاهين أن يشجع الأهالي أبناءهم الموهوبين في هذا الفن العظيم ويقفوا إلى جانبهم ليكونوا في المستقبل رواداً للعلم والفن، فكما قال بابلو بيكاسو: “كل طفلٍ فنان؛ المشكلة هي كيف يظل الطفل فناناً عندما يكبر”.