سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

محمد اليمني: اغتيال هنية وشكر… تقليم أظفار طهران ومحاولة توسيع رقعة الحرب

حمزة حرب

لم تمضِ ساعات قليلة على تولي الرئيس الإيراني الجديد بزشكيان، مهامه رسمياً يوم الأربعاء المنصرم ليكون هذا اليوم عاصفاً ودرامياً بطريقة غير محببة له، فتخلصت إسرائيل في مكانين مختلفين من الرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وأحد القادة البارزين فيها، إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية طهران.

ويؤكد مراقبون، أن هذه الأحداث قد تكون فتيلا لاتساع رقعة الصراع، التي حذرت منها أطراف عدة، وأن منطقة الشرق الأوسط برمتها مقبلة على تصعيد جديد، لدرجة حدوث مواجهة إقليمية واسعة النطاق، خصوصاً بعد أن أثارت عمليتا الاغتيال، مع عمليات مماثلة سابقة، تساؤلات حول حجم الاختراقات الإسرائيلية في المنظومة الأمنية لمحور إيران بالمنطقة.لماذا في العاصمة طهران؟

يطرح توقيت ومكان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، علامات استفهام كثيرة، إذ أنه يأتي اغتياله في خضم محادثات متسارعة، لإتمام صفقة لوقف الحرب في غزة، يماطل فيها نتنياهو ويتعامل بتباطؤ معها، علماً أنها قد تفضي لتبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس، ومن المؤكد أن حادثة الاغتيال ستؤدي إلى آثار سلبية على تقدم تلك المحادثات، وربما إلى حدوث انتكاسة لها.

أما عن اختيار المكان، وهو العاصمة الإيرانية طهران، قد تؤدي إلى زيادة رقعة الحرب الدائرة لتتحول إلى حرب إقليمية، تخرج عن قواعد الاشتباك الحالية، وأيضاً اختيار إسرائيل لطهران، مسرحا لتنفيذ عملية الاغتيال يحمل رسائل متعددة سواء لطهران، أو لما يسمى محور المقاومة، مفادها أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى قلب الدولة، التي تمثل وتدعم هذا المحور، كما أن المكان يطرح تساؤلات، تتعلق بالشأن الأمني، والوسيلة، التي مكنت إسرائيل، الوصول إلى هنية على بعد آلاف الكيلومترات.

من الواضح أنّ حكومة نتنياهو تسعى إلى بناء معادلة أمنية جديدة، بعدما تفسخت المعادلة السابقة، والعدو الرئيسي اليوم لإسرائيل، يتمثل بإيران ونفوذها، وحلفها الإقليمي، الذي انتقل في التموضع من مصطلح وحدة الساحات إلى إسناد الساحات، وإذا انتقلنا من المستوى الكلي إلى الجزئي سنجد بأنّه قد يكون هنالك توافق بين حكومة نتنياهو اليمينية، والمؤسسة العسكرية والأمنية، فيما يتعلق بالحدود الشمالية لإسرائيل، أكثر مما يتعلق بمسار الحرب الحالية على غزة، ذلك لأنّ قوة حزب الله الراهنة بفضائه الإقليمي والجيواستراتيجي مع إيران مروراً بسوريا والعراق، يمثّل مصدر تهديد أكبر لإسرائيل، ويمكن أن تضاف إلى ذلك المحاولات الإسرائيلية المحمومة في جرّ أميركا معها لتوجيه ضربة قاصمة للبرنامج النووي الإيراني.

ضربتان موجعتان في عقر الديار

 حول الموضوع، تحدث لصحيفتنا، الدكتور محمد اليمني رئيس قسم الشؤون العربية والدولية بمركز سعود زايد للدراسات: إن “توقيت الاغتيال له دلالة مهمة في أول يوم لتولي الرئيس الإيراني، الإصلاحي مسعود بزشكيان، مقاليد الرئاسة، وهو تطور يشير إلى رغبة إسرائيل في نثر الأشواك على طريق بزشكيان نحو أمريكا، وإبعاد الرجل الإصلاحي وفريقه عن البيت الأبيض كلما كان ذلك ممكنا”.

وأضاف: “الرد الإيراني سيعقد مسيرة المفاوضات الإيرانية – الأمريكية، خاصة أن بزشكيان وضع تلك المسألة أولوية مركزية في برنامجه الانتخابي، وفي فترته الرئاسية، التي تنتهي عام ٢٠٢٨، كما أنه وعد بعقد مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن في غزة”.

لقد جاءت عملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران، بعد اثنتي عشرة ساعة فقط، من غارة نفذتها مسيرة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية، في العاصمة اللبنانية بيروت، وأعلن الجيش الإسرائيلي، مسؤوليته عنها وقال: إنها استهدفت القيادي البارز في حزب الله، فؤاد شكر، الرجل الأقرب للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

فاغتيال هنية وشكر في اليوم نفسه، وهما يشكلان ثقلاً في محور إيران بالمنطقة، التي باتت مضطرة للرد عليها: “أنها مضطرة للردّ على عملية اغتيال وقعت داخل أراضيها، وسيكون لها تأثير سلبي على محادثات تبادل الأسرى العالقة، فعلى لسان المرشد علي خامنئي جرى التأكيد على أن الانتقام لاغتيال هنية «واجب على طهران». كثير من المراقبين والمحللين ذهبوا إلى وصف ما حدث بالاختراق الأمني في طهران، وقد يكون ذلك صحيحاً، لأن إسرائيل لم تتوانَ عن استهداف قيادات محسوبة على إيران، سواء علماء نوويون، أو عسكريون، أو حتى قيادات في تنظيم القاعدة، واغتيال هنية ليس أكبر من ذلك، من ناحية أمنية، لأنّ قادة حماس في الخارج، بمن فيهم إسماعيل هنية، وخالد مشعل، وأبو مرزوق، يعيشون حياة تكاد تكون طبيعية، ومن دون الحدّ الأدنى من الترتيبات الأمنية المطلوبة.

في المقابل ما يعدّ فعلاً اختراقًا هو عملية استهداف فؤاد شكر، لأنّه كان يعيش لفترة طويلة مختفيًّا، بعيدًا عن الأنظار، ورصدت من أجله مكافأة مالية من الولايات المتحدة، لمن يدلي بمعلومات عنه، حتى أنك لا تجد له صورة حديثة معلنة ومشهورة، فهو رجل أمني بامتياز مثله مثل محمد الضيف، ويحيى السنوار وغيرهم.

من تابع تحركات هنية في الدوحة وتركيا ودول المنطقة، وقبل ذلك في دمشق سيلاحظ أنّه يعيش في ظروف لا تتوافر فيها الحدود الدنيا من الحماية الأمنية، فطبيعة عملهم وأدوارهم السياسية والاتصال مع العالم الخارجي تحول دون أن يتمكنوا من بناء جدران حماية مثل الأمنيين والعسكريين، ووجود المكتب السياسي للحركة في قطر، هو قرار سياسي وليس عسكرياً بالدرجة الأولى”.

دلالات عمليتي الاغتيال

 الدلالات السياسية والاستراتيجية للعمليتين فهي كبيرة جداً بلا شك، وتمثّل تغييراً نوعياً من إسرائيل في قواعد اللعبة الإقليمية، ومحاولة توسيع رقعة الصراع، وإدخال حزب الله وإيران بصورة أكبر فيها، فالضربة الأولى موجعة جداً لحزب الله، وتمثل صفعة قاسية، ولا يقل الأمر في طهران، في اغتيال هنية ليس فقط لأنّه في طهران، بل لطبيعة المناسبة ولقيمة الرجل ومكانته وأهميته، ولما يرتبط باللحظة الراهنة التي جاءت فيها عملية الاغتيال ضمن سياق التصعيد، وتبادل الرسائل، واستعراض القوى بين الطرفين “إسرائيل وإيران وحلفائها في المنطقة”. وبخصوص ذلك، قال اليمني: إن “إسرائيل توسع دائرة الحرب، وتسعى إليها أملا في الوصول إلى نقطة ضرب النووي الإيراني، قبل دخول طهران النادي النووي العالمي، ما ينقص نتنياهو فقط هو ضمان الدعم الأمريكي في هذه الحرب، فبدونه يغامر بوجود إسرائيل نفسها”.

إدارة الرئيس بايدن والمؤسسات العسكرية والأمنية الأميركية، ما تزال مصرة على الحيلولة دون توسيع رقعة الصراع، وتجنبت الإدارة الأميركية تسديد ضربات حاسمة ضد الحوثيين، والميليشيات العراقية المؤيدة لإيران، كي لا يؤدي ذلك إلى حرب إقليمية، وساحات مفتوحة من الصراع، ونجحت إدارة بايدن على تجنب المنعرجات الخطيرة السابقة، التي كانت تنذر بانفجار الصراع، لكن ليس مضموناً بقاء قدرتها على هذا الضبط الدقيق لقواعد الصراع العسكري للمرحلة القادمة.

الإيرانيون يفكرون براغماتياً، ولا يريدون أن يخسروا ما بنوه من نفوذ إقليمي كبير في لحظة واحدة في مواجهة مع أميركا وإسرائيل، وبالتالي إعطاء التبريرات لمواجهة مفتوحة مع إيران، لكن هذا لا يعني أن الحسابات الأميركية أقل تعقيداً فبايدن ليس مستعداً لحرب إقليمية في آخر عهده، وصراع بالوكالة مع إيران، خاصة أنّ طموح إيران الاستراتيجي يتمثل اليوم بالتخلص من القواعد الأميركية في العراق أولاً وسوريا ثانياً، وهي التي تمثل أولوية له، في سبيل بناء فضاء استراتيجي من طهران حتى البحر المتوسط.

وفي السياق، نوه اليمني: أن “سياسة إسرائيل القائمة علي نسف الجسور، وحرق الأوراق، وتكثيف الضغوط، وتحدٍ واستفزاز المجتمع الدولي، وتجاهل قرارات الشرعية الدولية، وتفريغ الساحة الفلسطينية من الرموز القيادية الكبيرة، مع الاستمرار في عملية التدمير الممنهج لغزة والضفة الغربية، وقلب معادلات الصراع العربي الإسرائيلي، بتغيير الحقائق المادية الماثلة على الأرض بالقوة، يعيدنا من جديد إلى التساؤل الذي طالما طرحناه، وهو ماذا بعد؟ وكيف ستُدار المرحلة المقبلة من هذه الأزمة الوجودية الخطيرة، التي تكاد تفقد الشرق الأوسط معظم معالمه الراهنة، وتغلق الأبواب أمام فرص السلام العادل والشامل في هذه المنطقة من العالم، فالتساؤلات كثيرة والردود عليها غائبة”.

القرار بيد الدولة العميقة

 ما حدث أثار تساؤلات كثيرة لدى الحلفاء والأصدقاء، الذين كانوا يأتون لتعلم دروس الحرب من الجيش الإسرائيلي، ولكنها أثارت أسئلة أكثر لدى الجمهور الإسرائيلي، وبسبب الصراعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، ومحاولات حكومة اليمين درء الاتهامات عنها بالمسؤولية عن الإخفاق، زاد اليمين على الوقود ناراً، فراح يحرض على قيادة الجيش ويتهمها بالفشل والجبن، ودلت الاستطلاعات على أن ثقة الجمهور الإسرائيلي بالأجهزة الأمنية انخفضت بشكل حاد من 90 في المائة إلى 70 و60 في المائة.

وهذا لافت للنظر، لأنه بطبيعة الحال إسرائيل بدأت تفقد مكانتها داخلياً وإقليمياً ودولياً، لذا؛ فإن الاغتيال لم يكن قرار حكومة اليمين المتطرف، بل قرار الدولة العميقة في إسرائيل، فهذه المؤسسة تجري عادة حسابات واسعة وعميقة، فما الدافع لأن تتخذ قراراً مغامراً كهذا، تشترك فيه مع نتنياهو، الذي تتهمه بصراحة بالغة بأنه معنيّ بالاستمرار في الحرب لخدمة مصالحه الشخصية والحزبية؟

يبدو أن هذا هو السر، تقاطع المصالح، وربما أكثر من ذلك، رضوخ المؤسسة العسكرية والدولة العميقة لإرادة نتنياهو بخصوص الصراعات الداخلية، التي لا تقل وزناً عن الحسابات الإقليمية والدولية، خصوصاً بعد أن عاش الجيش الإسرائيلي وبقية الأجهزة الأمنية كارثة معنوية منذ السابع من تشرين الأول الماضي، حيث وقعت في إخفاق يعدُّه قادتها أكبر إخفاق في تاريخ الدولة العبرية.

لقد حاولت التغلب على هذه الكارثة بحرب شعواء دمرت فيه قطاع غزة بشكل شبه كامل، وفهم من هذه الحرب على أنها إبادة ضد الشعب الفلسطيني، وقتل منه نحو 40 ألفاً، ثلثاهم من النساء والأطفال والمسنين والعَجَزة، ودمروا الجامعات، والمستشفيات، ومعظم المدارس والجوامع والكنائس، وقتلوا علماء وصحافيين وأطباء ومعلمين وباحثين ومخترعين وفقهاء ورجال دين.

لذا فإن الحل يكمن في إيجاد صيغة تفاهم نهائية، لدرء الخطر الوجودي عن كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا ممكن عندما تكون هناك إرادة حقيقية قائمة على التعايش السلمي، سواء على أرضٍ واحدة أو من خلال حل الدولتين كما نص اتفاق أوسلو وغيره من التوافقات الدولية، ذات الصلة، فالحرب والحرب المضادة لن تقدم شيئاً للبشرية، سوى المزيد من سفك الدماء في شرق أوسطٍ لا زال ملتهباً لحين إحداث فارق حقيقي في ذهنية الشعوب المتعايشة في المنطقة.