يوماً بعد يوم تتزايد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد في سوريا عامة، مع احتفاظ نسبة الوفيات بمعدلات ثابتة وأقل من معدل الوفيات في الدول الأوروبية والصين إبان ظهور الفيروس في بداياته، لكن في الوقت ذاته حذرت تقارير غربية من كارثة إنسانية في سوريا عامة، نتيجة تزايد حالات الإصابة وضعف الإمكانات الطبية وبمعنى آخر قرب انهيار القطاع الصحي ولا سيما في مناطق الحكومة السورية.
425إصابة في شمال وشرق سوريا
أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا عن ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في مناطقها إلى 425 حالة يوم الأربعاء 26 الشهر الجاري، ونقلَ الحساب الرسمي للإدارة الذاتية على موقع “فيسبوك”، عن الرئيس المشارك لهيئة الصحة، جوان مصطفى، تأكيده تسجيل حالة وفاة لرجلٍ يبلغ من العمر /58/ عاماً من مدينة ديرك بإقليم الجزيرة وبهذا ارتفع عدد الوفيات إلى 27، في حين تماثلت 75 حالة للشفاء.
ونقل الموقع عن الدكتور جوان مصطفى تسجيل 31 جديدة، وهي /7/ حالات في الحسكة، و/14/ حالة في القامشلي وحالتان في رميلان وحالة واحدة في كركي لكي و/3/ حالات في ديرك و/3/ في تربه سبيه وحالة واحدة في دير الزور.
وبحسب الرئيس المشارك لهيئة الصحة، فإن الحالات الجديدة هي /20/ رجلاً و/11/ امرأة، فيما تماثلت حالة واحدة للشفاء.
أطباء “الفيروس فقد جزء من قدرته المميتة السابقة”
وبحسب وضع وأعمار حالات الإصابة التي تماثلت للشفاء، بيَّن العديد من الأطباء في شمال وشرق سوريا عبر اللقاء المباشر معهم أن القوة المميتة للفيروس قد تضاءلت عن السابق، وبالتالي أثر بشكلٍ كبير على عدد الوفيات، وأشارت المصادر الطبية أن من بين المتماثلين للشفاء فئات عمرية تتجاوز الخمسين عاماً وأشخاص يعانون من أمراض اخرى كالسكري وأمراض الكلى.
ولكن رغم ذلك تعاني مناطق الإدارة الذاتية انتشاراً في معدل الإصابة، وقدرت بعض المصادر عن وجود أعداد أكبر من الإصابات غير المؤكدة، وغالبية المصابين لا يتجهون إلى المشافي والنقاط الطبية ويفضلون البقاء في المنازل، ويقول آلان حسين 34 عاماً وهو أحد المتعافين لصحيفتنا روناهي “لاحظت وجود أعراض الإصابة بالفيروس، قمت باستشارة أحد الأطباء عبر الهاتف عن طرق العلاج والأدوية التي يجب تناولها”، وأشار حسين إلى أنه لم يخرج من البيت طيلة فترة العلاج ولم يختلط مع أحد وبعد 20 يوماً تماثل للشفاء واليوم يتابع حياته الطبيعية مع اتخاذ تدابير التباعد الاجتماعي.
مجلس الأمن يتحمل مسؤولية الكارثة الإنسانية في شمال وشرق سوريا إن حدثت
تعاني مشافي شمال وشرق سوريا عامة، من نقص المواد الخاصة بالكشف عن الفيروس عبر جهاز PCR، وكانت مصادر طبية أشارت إلى أن المواد المتوفرة لإجراء الاختبار تكفي لمئات الحالات فقط، في حين أن الحالات المتوقعة ظهورها تتجاوز ذلك بكثير، لذا تلجئ الإدارة الذاتية لاتباع نظام الكيت “وهو جهاز اخترعته الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بالتعاون مع مخابر غربية وتعمل على كشف الإصابة في دقائق ونسبة الدقة فيها 80%”.
ويربط العديد من المختصين في المجال الطبي، ضعف الإمكانات الطبية في شمال وشرق سوريا، بقرار مجلس الأمن القاضي بإغلاق معبر “تل كوجر/ اليعربية” مع العراق وبالتالي حرمان شمال وشرق سوريا من المساعدات الأممية، إذ أبقى مجلس الأمن على معبر باب الهوى في إدلب كمعبر وحيد خارج عن سيطرة الحكومة السورية لإيصال المساعدات للشعب السوري.
قطع المياه عن الحسكة ينذر بكارثة
وبهذا تبقى شعوب شمال وشرق سوريا بدون مساعدات في حال لم تنقل هذه المساعدات من مناطق الحكومة السورية إلى شمال وشرق سوريا، وفي أغلب الأحيان تربط الحكومة السورية تمرير المساعدات بالأجندات السياسية وهو ما ينذر بكارثة إنسانية في المنطقة وظهر ذلك في محافظة الحسكة التي قطعت قوات الاحتلال التركي مياه الشرب عن المدينة بإيقاف محطة علوك مما يزيد من فرص انتشار الفيروس في الحسكة، وأكدت اليونيسف أن المياه الواردة إلى الحسكة لا تكفي احتياجات المدينة في ظل انتشار فيروس كورونا.
وكان الرئيس المشترك لهيئة الصحة الدكتور جوان مصطفى، قد صرح قبل أسابيع لوكالة نورث بريس عن حالة انفجار في أعداد الإصابة بشمال وشرق سوريا مع نهاية الشهر الجاري، إلا أن اعداد الإصابة التي كشفت عنها الإدارة بشكلٍ رسمي مازالت في حدود السيطرة.
وكانت الإدارة الذاتية فرضت حظر للتجوال حتى السابع والعشرون من الشهر الجاري، وفرضت قوانين تجبر الأهالي على ارتداء الكمامة والمحافظة على التباعد الاجتماعي بالشكل المطلوب، إلا أن مستوى التقيد بهذه التدابير الاحترازية من قبل الأهالي ما تزال ضعيفة رغم قناعة الغالبية القصوى بحقيقة انتشار الفيروس في المنطقة.
الأوضاع مأساوية في مناطق الحكومة
لا تبدو الأوضاع أفضل في مناطق الحكومة السورية، فالأوضاع مأساوية بحسب العديد من الأهالي والمصادر الطبية، غالبية الأهالي الذين تواصلنا معهم، أكدوا وجود حالات اشتباه بالفيروس وصفوها بالفظيعة، في مدينة حلب، يعاني ثلثي سكان المدينة من حالات اسهال وارتفاع حرارة، وتُشير الصيدلانية أنجلا رشو، إلى أن الطلب على أدوية الأنفلونزا والمسكنات تزايد بشكلٍ كبير ووصفته “بغير الطبيعي”، لكنها لم تؤكد أن الحالات التي ترد لهم في الصيدليات هي حالات كورونا.
وربطت أنجلا بين الأعراض الظاهرة وانتشار الفيروس، ولكن في الوقت ذاته ربطت تلك الحالات بتباين الحالة الجوية في هذه الفترة من السنة بالمنطقة.
وقالت مصادر محلية من مدينة حلب أنه “لا تستطيع أي جهة تحديد الإصابة بالفيروس، فالمراكز الصحية الحكومة شبه مدمرة وإجراء التحاليل الخاصة بكوفيد 19، تتطلب مبالغ مالية كبيرة أو لدفع الرشوة في المراكز الصحية العامة”، إذ تعاني هذه المراكز ازدحاماً شديداً مع عدم مراعاة عدد من الوافدين لإجراء الفحوصات لقواعد التباعد الاجتماعي أو ارتداء الكمامة حتى.
إحصاءات رسمية تتعارض مع الواقع
وكانت السلطات الصحية التابعة للحكومة السورية كشفت عن تسجيل أعداد جديدة للإصابات بفيروس كورونا، ضمن مناطق سيطرتها، مساء الثلاثاء، وهي “72 إصابة جديدة وشفاء 14 حالة ووفاة ثلاث حالات من الإصابات المسجلة بفيروس كورونا في سوريا.
وبذلك فإن حصيلة انتشار الوباء في مناطق سيطرة الحكومة، حسب بيانات وزارة الصحة، قد وصلت إلى 2365 إصابة، شفيت منها 533 وتوفيت 95 حالة، ولا تدرج وزارة الصحة الحكومية في بياناتها، الإصابات المسجلة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية والمناطق المحتلة من قبل تركيا والفصائل المسلحة.
لكن مصادر طبية سورية رجحت وجود حالات غير مسبوقة للإصابة في سوريابد، وبعد انتشار تقارير روسية وألمانية وبريطانية تحدثت عن ملايين الإصابات بالفيروس في سوريا، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، مقالاً لطبيب سوري قالت فيه “بأن سوريا على شفى كارثة إنسانية بسبب الانتشار الكبير لكورونا”.
وأشار الطبيب السوري بمقالته، بأن “أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا ارتفعت خلال الأسابيع الماضية، بشكل سريع، مشدداً على أن الأرقام التي تعلنها الحكومة غير دقيقة”، وتابع “لا نستطيع الحديث.. هناك فرق حكومية تتابعنا لعدم الكشف عن الحقيقة”.
في ظل ارتفاع الوفيات… أكياس الجثث نفذت من مشافي حلب
ونقلت الصحيفة عن طبيب سوري يعمل في مناطق سيطرة الحكومة، عن الكارثة الإنسانية التي سببها الفيروس، وقال، “إن سوريا تواجه أزمة إنسانية غير مسبوقة، والبلاد على شفا كارثة بسبب تفشي المرض، وأشار إلى أن المستشفيات تعاني من النقص في الإمدادات الطبية، ومعدات الحماية الشخصية، والافتقار للأدوات الأساسية للتعامل مع هذه الجائحة”.
وفي سياق ذلك، تابع المصدر الطبي الذي تحدث “للغارديان”، “لدينا مئات الوفيات غير المؤكدة المرتبطة بفيروس كورونا كل يوم، مستشفيات حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث، وربما يكون العدد الحقيقي للحالات المؤكدة في دمشق وحدها أكثر من 112500 إصابة، بحسب توقعات نائب رئيس الصحة في العاصمة”.
كابوس يدفع المصابين لالتزام منازلهم
ولفت الطبيب إلى أن سوريا تعيش في كابوس، مشيراً إلى أنه هناك الكثيرين لا يمكنهم إجراء المسحات لكورونا، المستشفيات مكتظة بالمرضى، نقدم الخدمات الطبية في غرف قذرة دون أدوية كافية ومعدات قليلة لحماية أنفسنا.
وأشار الطبيب السوري، إلى أن الكثير من مرضى كورونا، الذين لديهم أعراض، يفضلون البقاء في منازلهم بسبب تردي الخدمات الصحية في المستشفيات، فيما يحاول البعض شراء أجهزة التنفس الاصطناعي الخاصة بهم، مؤكداً أنهم يرون بعض المرضى الذين يرقدون في الشوارع وهم يبكون ويطلبون المساعدة.
أكثر من60 مصاب في مناطق الاحتلال والوضع مرجح للانفجار
في ظل الصورة الواضحة لتفشي الفيروس في مناطق الإدارة الذاتية وحكومة السورية، تبقى الصورة ضبابية في مناطق الاحتلال التركي وإدلب، إذ تتكتم سلطات الاحتلال عن الأخبار الواردة حول انتشار الفيروس، ولاسيما أن تقارير تحدث قبل ايام عن موجة جديدة أشد خطورة من انتشار الفيروس قد تضرب تركيا في الأسابيع القادمة.
ووفقا لإحصائيات المرصد السوري، فإن عدد الإصابات منذ الـ9 من تموز وحتى الأسبوع الماضي في إدلب الواقعة تحت سيطرة المرتزقة والجيش التركي ارتفع إلى 61 وهم: طبيبان كانا يقيمان في تركيا، و30 شخصا بينهم كوادر طبية في مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام في إدلب وأجزاء من حلب وحماة واللاذقية، و29 مصابا في مناطق المحتلة من قبل تركيا في شمال حلب، بينما ارتفعت حالات الشفاء في شمال غرب سورية إلى 52 حالة.
وكان المرصد السوري وثق، في 18 آب، أول حالة وفاة لامرأة مسنة تحمل فيروس “كورونا” في بلدة الدانا بريف إدلب.
هذا وتبقى الجهات المسيطرة على هذه المنطقة معلومات انتشار الفيروس مخفية عن الإعلام ولا هو ما ينذر بحالة تفجر في أعداد الإصابة إذ ما صدقت التوقعات الخاصة بتركيا.