سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

محاكمة الإدارة الذاتية لمرتزقة داعش ملف ساخن.. أين المجتمع الدولي من دعمه..؟!

بيريفان خليل _

لاقى قرار الإدارة الذاتية بمحاكمة مرتزقة داعش صدى عالمياً، ووُصِف بالقرار الصائب، ما يوجب دعمه لإحقاق الحق، وإنصاف الضحايا، فيما توافقت الرؤى، والبحوث بخصوصه حول ضرورة قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته في هذا الشأن.
 وأعلنت الإدارة الذاتية قرارها للبدء بمحاكمة مرتزقة داعش المحتجزين لديها في العاشر من حزيران الجاري، مؤكدة، أن محاكمتهم ستكون علنية، وعادلة، وشفافة، ووفق قوانين الإدارة الذاتية الخاصة بالإرهاب مع مراعاة القوانين الدولية في هذا الشأن.
وأوضحت، أنه بعد حملة تحرير الباغوز، أولت الإدارة الذاتية أهمية كبيرة لملف داعش، سواء المحتجزون لديها، أو القاطنون مخيم الهول، ومخيم روج، هم وعوائلهم، وقد طرحت مبادرتها لتشكيل محكمة دولية، إلا أن رفض المجتمع الدولي نداءاتها، ومناشداتها لأخذ مواطنيها من المرتزقة، كان سبباً أساسياً للقيام بهذه الخطوة.
جهود الإدارة الذاتية أمر ملفت
الدكتورة هوجين عزيز الحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، والعلاقة الدولية من جامعة نيوكاسل في استراليا، والمديرة المشاركة للمركز الكردي للدراسات، أوضحت في دراسة نشرتها على موقع المركز، بأن قرار محاكمة مرتزقة داعش يطرح تساؤلات بشأن الكيفية، التي ستتم فيها المحاكمة، في ضوء نقص الدعم القانوني والمادي الدولي، على الرغم من ذلك، هناك حاجة ماسة إلى إيجاد حل، لأن روج آفا ضحّت بالفعل أكثر من أي مجتمع آخر، لإعفاء العالم من مواجهة مرتزقة داعش في ساحات محاكمه.
وأفادت، أنه وبالرغم مما تواجهه الإدارة الذاتية لخطر مرتزقة داعش، والقصف التركي المستمر والتطهير العرقي للمنطقة، فإن جهود الإدارة المتواصلة في قيادة محاربة داعش أمر ملفت.
فيما لفتت الانتباه إلى تقاعس المجتمع الدولي عن أداء مسؤولياته، مشددة على تنصّل المجتمع الدولي من مسؤولياته تجاه هذا الأمر، وبأنه لم يكن هناك إلا القليل من الدعم المالي، أو القانوني، أو الإنساني للإدارة الذاتية؛ لضمان محاكمة المرتزقة، وعوائلهم من دون تأخير، وإعادتهم إلى بلدانهم، وإطلاق العدالة التصالحية.
كما وسلطت الضوء على الجانب الإنساني، الذي تتمسك به الإدارة الذاتية: “لدى الإدارة التزام أخلاقي بدعم النازحين، والسكان أولاً، وقبل كل شيء. لقد قامت الإدارة الذاتية بجهدٍ مثير للإعجاب في اعتقال هؤلاء الأفراد الخطرين، واحتجازهم ضمن شروط إنسانية قدر الإمكان حتى الآن. إنه لأمر مستهجن أخلاقياً، أن نلقي على الإدارة الذاتية مشقة الاستمرار في تحمل هذه المهمة الكبيرة والمكلفة للغاية إلى أجلٍ غير مسمى. لقد حان الوقت لأن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته أيضاً”.
تعليقات مختلفة حول القرار
فيما ذكر الخبير الأمني العراقي، عدنان الكناني في تعليقه على قرار الإدارة الذاتية، لوكالة نورث بريس: إن ملف مرتزقة داعش، ومخيم الهول في شمال وشرق سوريا، أكبر من أن يتم حصره في قضية محاكمة من عدمها، مشيراً إلى أن خطر أيديولوجية داعش على العالم، يتطلب “حلولاً إنسانية دولية ناجعة”.
ومن جانب آخر قال كالفن والدر، الخبير في الشأن السوري، إن قرار الإدارة الذاتية بمحاكمة داعش، لن ينهي ملفهم بشكلٍ كامل، وله مخاطر عدة بما فيها إمكانية هروبهم من السجن.
ورأى أن الحل الأمثل يكمن في ترحيل هؤلاء المحتجزين إلى بلادهم، لكن الإدارة الذاتية قالت: إن قرار المحاكمة جاء بعد امتناع الدول عن أخذ رعاياها.
في حين، أن الخبير القانوني، المعتصم الكيلاني، يقول خلال مشاركته برنامجاً للوكالة نفسها: إنه يحق للإدارة الذاتية محاكمة مرتزقة “داعش”؛ لأن انتهاكاتهم وقعت على أرض سورية تديرها الإدارة.
ويوضح، بأن القرار جاء بعد إلحاح كبير من الإدارة الذاتية، وتباطؤ الدول باستعادة رعاياها، وأن القضية عبءٌ كبير على الإدارة.
ومن الناحية القانونية يعلق الكيلاني، أنه بكل الأحوال يجب محاكمة هؤلاء المرتزقة؛ لأن احتجازهم هذه السنوات كلها، يعدُّ أمراً غير شرعي، وبعد انتهاء محاكماتهم، أو حتى من لم تثبت عليم التهم، يجب على دولهم حينها استردادهم وفق آليات معينة.
رد على التهرب الأوروبي
ورأى رئيس مركز رامان للبحوث والاستشارات، بدر ملا رشيد، في حديث لموقع “نون بوست”، أن قرار الإدارة الذاتية يأتي ردَّ فعل على التهرب الأوروبي، والغربي عمومًا، وعدم الاستجابة لمطالب الإدارة بخصوص ملف المحتجزين من مرتزقة داعش، واستعادتهم إلى دولهم، أو بخصوص إنشاء محكمة تقاضيهم وفق معايير دولية وباعتراف دولي.
ومن رؤية مختلفة تجد اختصاصية مكافحة الإرهاب في منظمة هيومن رايتس ووتش، ليتا تايلر في تعليقها على قرار الإدارة الذاتية لمحاكمة داعش: إنه “على المجتمع الدولي، إما دعم المحاكمات في شمال وشرق سوريا، بما في ذلك بالموارد، وإما دعم المحاكمات في الداخل أو في دولة ثالثة”.

ضرورة تنبيه المجتمع الدولي
فيما يشرح الباحث المتخصص في شؤون الحركة المتطرفة، والإرهاب الدولي، منير أديب نظرته بهذا الخصوص في مقال نشره، إن “قرار المحاكمة صائب لا محالة”
ومن وجهة نظره، فإنه رغم أهمية قرار المحاكمة إلّا أنّه لن يغيّر شيئاً من واقع “داعش” المحتجزين، وسوف تكون الإدارة مضطرة، إذا عقدت هذه المحاكمات، أن تفرج عن كثير ممن لم تثبت عليهم تهمة الانتماء، أو ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، وكثير منهم سوف يخرجون بأحكام مخفّفة، بعد أن قضوا سنوات داخل هذه السجون. ويتساءل: إلى أين يخرج هؤلاء، الذين رفضت دولهم أن تستقبلهم؟ وما الخطر الذي يشكّلونه؟
ويرد في الوقت نفسه، بأن مرتزقة داعش ستبقى في شمال وشرق سوريا، خاصة مع رفض دول العالم استقبالهم، وهؤلاء سوف يُعيدون ترتيب صفوفهم من جديد، وسوف يكونون نواة لجيش جديد من الإرهابيين، كما أنّ الآخرين، الذين لم يتورطوا في الدماء، كان السجن لهم معسكر تدريب وتأهيل، خاصة أنّ القيادات الخطرة كلها، تخُالط باقي السجناء في مكان واحد، حسب ما أفاده.
ويجد أديب، أنه من المهم إنهاء ملف محتجزي “داعش” وعوائلهم في المخيمات، ولكن بالطريقة التي تحقّق أمن الشمال السوري، والدول المجاورة وأمن العالم بأكمله، وربما الأسلم أن تكون المحاكمة دولية، وأن تتمّ داخل الدول، التي انحدر منها هؤلاء المتطرفون، فربما تلي المحاكمة إجراءات متابعة لبعض هؤلاء المتطرفين، إذا صدرت على قسم منهم أحكام بالبراءة، ليس لأنّهم غير مذنبين، ولكن لعدم كفاية الأدلّة، فهناك أشخاص خطرون، ولكنهم أحرار خارج أسوار السجون، لا يعني أنّ وجودهم في الخارج ينفي صفة الخطورة والمتابعة عنهم.
وحث هو الآخر على ضرورة أن يلتف المجتمع الدولي لهذا الملف: “لا يمكن لعقل أن يقبل فكرة السجن من دون محاكمة، ولا يمكن أن تكون هناك محاكمة من دون شفافية، فهي الطريق الوحيد لتحقيق العدالة؛ ولا قيمة للعدالة، إذا أثّرت بصورة كبيرة على الأمن. العدالة والأمن صنوان، ومن الخطأ، أن يتحقق أحدهما دون تحقيق الآخر، وهو ما يجب أن يتنبّه إليه المجتمع الدولي، قبل أن يستيقظ على كارثة جديدة تشبه اعتلاء أبو بكر البغدادي مسجد النوري في حزيران من العام 2014”.
محاولة تركيا لإنقاذ وليدتها
فيما شارك دجوار آغا رؤيته على صفحته الشخصية على الفيسبوك، مسلطاً الضوء على مدى  مساعي دولة الاحتلال التركي إلى إنقاذ مرتزقة داعش، كما تفعل دوماً، واليوم بعد قرار الإدارة الذاتية لمحاكمة المرتزقة، تتزايد حدة الهجمات من قبل المحتل التركي: “تصاعد حدة هجمات دولة الاحتلال التركي، ضد مناطق شمال وشرق سوريا، تعود إلى نقطة جوهرية، وهي قرار الإدارة الذاتية بإجراء محاكمات علنية لمرتزقة داعش الأجانب، والتي سوف يتضح فيها بشكل رسمي، وعلني الدور الخبيث، الذي قامت، وما تزال تقوم به دولة الاحتلال التركي من دعم، ومساعدة هؤلاء المرتزقة، وإدخالهم إلى سوريا، والعراق، والقيام بالعمليات الإرهابية”.
ويضيف، إنه من خلال هذه الهجمات، والتهديد بالقيام باحتلال جديد للأراضي السورية بهدف منع الإدارة الذاتية إجراء هذه المحاكمات، التي ستكون بمثابة محاكمة لتركيا، بصقتها دولة راعية للإرهاب العالمي.
مما سبق، نجد أن هناك توافقاً في الرؤية، بخصوص ملف داعش، وبأن محاكمتهم خطوة مهمة، وضرورة ملحة، وعلى المجتمع الدولي الاستيقاظ من سباته الطويل بخصوص هذا الملف، الذي يتطلب دعما دوليا، لمحاكمة مرتزقة أخطر تنظيم يهدد الأمن العالمي، فبهذا الفهم للمحاكمة، التي تستوجب تدخلا لإنهاء هذا الملف بمحاكمة عادلة، وإعادة الدول رعاياها المكونين لعوائل المرتزقة.