سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ما وراء المولدافيّة … واحتماليّة عودة داعش

دوست ميرخان –

قبل أيام كشفت الاستخبارات التركية عن قيامها بعملية نوعية “حسب تعبيرها” داخل مناطق شمال شرق سوريا تمكنت من خلالها تهريب مواطنة مولدافية مع أربعة من أطفالها من مخيم الهول حيث يُحتجز عشرات الآلاف من عوائل تنظيم داعش، وبحسب ما نشرته وكالة الأناضول الرسمية ووسائل الإعلام التابعة لحزب العدالة والتنمية فإن هذه العملية تمت بطلب من السلطات المولدافية وبأن المدعوة “ناتاليا باركال” كانت قد سافرت إلى سوريا برفقة زوجها وأبنائها في 2013 بغرض التجارة حسب ما أفادت به الوكالة آنفة الذكر.
الأمر ليس بغريب على دولة مثل تركيا لها وزنها الدولي وباعٌ طويل في عمليات القتل والخطف وهي دولة انقلابات عسكرية دموية، وتمتلك جهاز استخباري متشعب تُديره مجموعة من قيادات المافيا العالمية والتي لها صلة مباشرة برؤساء الدول خاصة بالنسبة للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط ودول العالم الثالث.
بالعودة إلى مخيم الهول وكغيره من المخيمات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقدم كل أشكال الدعم لمحاربة الإرهاب إضافة لوجود القوات الروسية على الأرض والتي من المفترض إنها تعمل من أجل الهدف نفسه، فقد تمكنت “الاستخبارات التركية” من اجتياز كل القوات المتمركزة والمدججة بكل صنوف الأسلحة ونستثني منها قوات سوريا الديمقراطية (تقاتل بأسلحة تقليدية فردية) من إخراج المحتجزة الداعشية وهنا أؤكد على هذه الصفة كون المنطق لا يتقبل فكرة التنزه والتبضع في جهنم سوريا، من وسط هذه القوات إلى تل أبيض ومنها إلى تركيا حيث برّ أمان داعش.
وهنا تكثر التساؤلات وتتباين التحليلات السياسية حول براعة تركيا في التعامل مع مرتزقة داعش، وقدرتها في التأثير على الرأي العام الدولي خاصة فيما يتعلق في كيفية استفادتها من مآسي الآخرين والدفع بملفات المنطقة والعالم نحو مسارات الفوضى وإنتاجها من جديد تحت مسميات عديدة، وهذا هو الدور الوظيفي للنظام التركي وغيره من الأنظمة الإقليمية وعلى رأسها إيران.
أما التساؤلات المتعلقة بقوات سوريا الديمقراطية والاختراق الذي حصل فهو أمرٌ طبيعي لقوة محلية تقاتل الإرهاب المدعوم من تركيا ما يقارب ست سنوات متتالية دون انقطاع، ومن الطبيعي أن تكون هذه القوات مخترقة كون الجغرافيا التي حررتها هذه القوات كانت منفتحة لكل التنظيمات الإرهابية التي تتالت في السيطرة وعلى رأسها تنظيم داعش.
هذه القوات التي نظمت نفسها في أجواء الحرب المفتوحة طالبت المجتمع الدولي والتحالف الدولي مراراً بالقيام بمسؤولياتهم فيما يخص مراكز الاحتجاز والمعتقلات الخاصة بأعضاء داعش، وإيجاد حل لأكثر من سبعين ألف معتقل ومحتجز لديها، وأفردت جزءاً كبيراً من جهدها في منع هروب هؤلاء والحفاظ على حياتهم ريثما يبحث المجتمع الدولي في أمرهم، وبالتالي الكارثة الكبرى ليست فقط لسوريا أو لدول الإقليم إنما للعالم أجمع في حال لو خرج الأمر عن السيطرة كما حدث عندما احتلت تركيا  مدينة رأس العين وتل أبيض في شهر تشرين الأول 2019.
قوات سوريا الديمقراطية أكدت وعبر مئات التصاريح والمؤتمرات الصحفية إنهم غير قادرين على وضع كل جهدهم في حماية المعتقلات وأماكن الاحتجاز، أي بمعنى آخر على الدول والمؤسسات الدولية التدخل وتقديم المساعدة على الأقل فيما يخص هذه القضية، إلاَّ أن الآذان كانت مسدودة بتهديدات أردوغان للغرب بأنه سيفتح الحدود لآلاف اللاجئين نحو أوروبا حيث المؤسسات الدولية وكأنه يقصد بأنه سيرسل آلاف الإرهابيين إليهم.
باختصار إن قوات سوريا لديمقراطية والتي حاربت الإرهاب نيابة عن العالم وخاصة أوروبا والتي لديها ما يقارب أربعين ألف داعشي معتقل في شمال شرق سوريا، لا تزال تلاحق خلايا داعش في بادية الجزيرة شمال شرق سوريا وفي الوقت نفسه تحارب فيه أيضاً الفصائل المرتزقة التابعة لتركيا على طول الجبهات المفتوحة مع تركيا.
العملية الاستخباراتية التي نفذتها الدولة التركية لم تكن لتتم دون تنسيق مع بعض الأطراف الدولية التي تراقب الميدان عن كثب كما إن لتركيا عناصر خاصة من أعضاء التنظيم المحتجزين سواء في مخيم الهول أو في المناطق الأخرى، وهم يتحركون داخل تلك الأمكنة لإحياء الخلافة التكفيرية مجدداً، وهذا ليس افتراء بل المراكز الاستراتيجية إضافة إلى التقارير الصحفية الأجنبية التي تؤكد هذا الأمر.
إن عودة نشاط ” داعش” مؤخراً لبعض المناطق متخذاً من العمليات الفردية وأسلوب المباغتة، وبعض الهجمات طريقاً له يثير تساؤلاً عن احتمالات عودة التنظيم مجدداً، خاصة وإن تركيا تعمل على تهيئة الأجواء عبر سلوكها في مناطق عدة ليس فقط في سوريا إضافة إلى علاقتها العضوية بالتنظيم. إن العملية التي قامت بها الاستخبارات المحسوبة على العدالة والتنمية تثبت ما نقوله بأن تركيا الدولة العضو في الناتو، لها مثل هذه العلاقة الوطيدة مع التنظيمات الإرهابية وهي تدعم كل أشكال الفوضى في المنطقة والعالم.
الرسالة التي أرادتها تركيا أن تصل إلى العالم خاصة الدول المعنية بمحاربة الإرهاب هي أنها قادرة على تحريك الإرهابيين أينما كانوا، وأن باستطاعتها تذليل كل العقبات، هذه هي الدولة التركية في النهاية التحالف الدولي هو المعني كونه يرأس تحالف قوى ضد الإرهاب في سوريا والعراق، وعليه أن يتخذ خطوات عملية لوضع حلول استراتيجية لمنع عودة تنظيم داعش أو غيره من التنظيمات التي تعمل ضمن إطار فلك السياسة العثمانية الجديدة والتي تنتهجها العدالة والتنمية في العالم العربي والإسلامي.